أمين الذيب… الكائن الوجيز
} تونس ـ د. فتحية دبش
لم تحملين أيتها اللّغة الشيء ولا تتورطين؟ لم تحملين الوداع رسائل مشفّرة ولا تشفقين! مررت بصفحة الأستاذ أمين الذيب وقرأت بتاريخ 27/06/2020 نصّه الآتي:
« الليلة
تطابق السائد بين
الشاعر والمتلقي»
كانت بغيتي من المرور أن أطمئن إلى كونه بخير كما أفعل دوماً عندما لا يسعفني الوقت للقراءة المتأمّلة.
مضى أسبوعان أو أقلّ قليلاً على آخر حديث بيننا. كان كأب حنون وصديق نبيل يسأل عن حالي دوريّا في ظلّ الجائحة وخاصّة بعد علمه بإصابتي الكوفيدية، ويحثّني على استكمال كتــابي النّقدي في القصّة الوجيزة فيعاتبني على إهمالي وأنصــت إليــه كطفلة. حدّثني بشأن لبنان والنّاس والأدب الوجيز والعالم… وقال إنّه قلق!
ولم أكن أدرك أنّ ذلك الكلام سيكون الأخير وهو يقول لي «سلامي للموسيو» وطفليك وظلّي بخير».
الآن وأنا أعاين قفزته إلى… هناك، أعيد النّظر في تدوينته الوجيزة وأدرك أنّ الموت خاصّة الموت نذهب إليه سرّاً، نبعثر وصايانا ونبعثر وداعاتنا ونحن في كامل الطّمأنينة أنّ أحداً لن يلتقط لعاب الموت من الحبر.
هكذا نشر تدوينته على خلفيّة سوداء تتخلّلها خطوط بيضاء مائلة من جهة اليسار إلى اليمين. لعلّه كتبها وهو مدرك أنه مائل جهة اليمين والرّقاد الأبدي تاركاً له في جهة اليسار من قلوبنا مكاناً كالوجيز ضيّق المساحة متّسع الدّلالة.
نعم، هذا الرّجل المنشغل بالنّاس والحياة والأدب أكبر من كلّ اتساعاتنا… حتّى وهو يودّعنا ظلّ محتفّظاً بكاريزما مغايرة وأناقة في المعاملة وتكثيف في الحضور.
لم يخن الإيجاز حتى وهو يودّعنا: ثلاثة سطور، بلا نقطة تعلن النهاية.
زمن: «الليلة». فعل: «تطابق». صنوان: «الشاعر والمتلقي»…
أمين الذيب يعلن غيابــه الأبديّ، حيث سيتوقّف الشّاعر ويصبح المتلقّي وسوف يجلــس في مكان ما ويقرأ مراثينا كما كنّا نقبع في مكــان ما ونقــرأ وجــيزه. أمين الذيب يعلن غيابه على شكل ومضــة ويوصينا بالوجـيز خيراً…
رحل أمين الذيب، ولم يغادر الوجيز ولا الوجيز غادره. رحل الجسد وبقي الشّاعر على هيئة ومضة تغمر بالضوء الوجيزَ وأهله وسيبقى الوجيز جسرنا إلى روحك.
أفوق هذا الإيمان إيمان؟ أفوق هذا الإيجاز إيجاز؟