خلال قرن كامل.. نترات الأمونيّوم قاتل يفتك بالآلاف حول العالم
} إعداد: سماهر الخطيب
أعادت المآساة اللبنانية إلى أذهان العالم، مآسي أخرى مشابهة، فقبل «بيروتشيما»، يقف مركب نترات الأمونيوم الكيميائي، الذي يُشاع استخدامه بالأسمدة الزراعية، وراء العديد من الكوارث التي أودت بحياة كثيرين في دول عدّة كبريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا، وفرنسا، والصين، والولايات المتحدة الأميركية.
ويُعرف نترات الأمونيوم بأنه مركب كيميائي له الصيغة NH4NO3، ويوجد في الشروط القياسية على شكل بلورات عديمة اللون سهلة الانحلال في الماء وهي تتسيّل بسهولة لدى تماسها مع الهواء. ويستخدم المركب بشكل أساسي في صناعة المتفجرات المستخدمة في المناجم والإنشاءات الهندسية؛ كما يستخدم نظراً لمحتواه العالي من النتروجين في تركيب الأسمدة.
فيما يعمد العديد من الدول مؤخراً على التقليل التدريجي من استخدام نترات الأمونيوم ضمن التطبيقات الاستهلاكية نظراً لخطورة التعامل مع هذه المادة ولاحتمالية إساءة استخدامها. وقد شهدت دول عدة كوارث جراء انفجار هذا المركب، منها انفجار مرفأ بيروت سنة 2020.
وقبل انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 157 شخصاً وأدى إلى إصابة الآلاف بجروح متفاوتة، وأوقع خسائر في الأموال والممتلكات؛ فجعت البشرية بكوارث عدة بسبب مادة نترات الأمونيوم.
وتعد نترات الأمونيوم من مكوّنات الأسمدة التي تسمّى الأمونترات، ويشتريها المزارعون في أكياس كبيرة أو بالوزن، وهي منتجات غير قابلة للاشتعال، ولكنها مؤكسدات، أي أنها تسمح باحتراق مادة أخرى مشتعلة.
ويمكن أيضاً استخدام نترات الأمونيوم في تصنيع الأدوات المتفجّرة، وتعدّ مادة آمنة نسبياً في حال كانت بعيدة عن التلوّث وجرى تخزينها بشكل صحيح؛ لكنها تكوّن شديدة الخطورة لو طالها التلوّث أو تمّ خلطها بالبنزين أو جرى تخزينها بشكل غير آمن.
وخلال القرن الماضي شكلت نترات الأمونيوم مصدراً للعديد من المآسي حول العالم، عرضية كانت أو جرمية، وأدت إلى دمار هائل في مناطق متعددة من العالم. نرصد أبرزها:
أول حادثة مسجلة في تاريخ هذا المركب عاشتها مدينة فافيرشام (Faversham) في مقاطعة كنت بجنوب شرقي إنجلترا، يوم 2 نيسان 1916 كأحد أسوأ الحوادث الصناعية بتاريخها.
فأثناء الحرب العالمية الأولى، تركزت بفافيرشام العديد من مصانع الذخيرة التي عملت بشكل دؤوب على توفير حاجيات الجيش البريطاني على جبهة القتال.
وعقب حريق مجهول المصدر قيل إنه أتى على عدد من الأكياس الفارغة وامتد نحو مخزن خشبي اعتمد لتخزين حوالي 200 طن من مادتي تي إن تي ونترات الأمونيوم التي استخدمت في صناعة مادة أماتول (Amatol)، جدّ في حدود الساعة الثانية وعشرين دقيقة زوالاً انفجار هائل أودى بحياة 115 شخصاً وأصاب 700 آخرين.
وفي عام 1921، أسفرت ثاني حادثة مسجلة في تاريخ هذا المركب عن مقتل 561 شخصاً، كانت في مصنع «بي آي إس إف» في منطقة أوباو (Oppau) الألمانية التي هي اليوم جزء من مدينة لودفيغسهافن، حيث شهدت ألمانيا بعد مضي أقل من 3 سنوات عن نهاية الحرب العالمية الأولى إحدى أسوأ كوارثها الصناعية بمصنع شركة باسف (BASF) الكيميائي.
ووقع انفجاران متتاليان بإحدى الصومعات البرجية المعتمدة لتخزين حوالي 4500 طن من مادتي كبريتات الأمونيوم ونترات الأمونيوم المستخدمة في صناعة الأسمدة. وقد أدّى ذلك لظهور حفرة واسعة في الأرض بلغ عمقها 19 متراً وأسفر عن وفاة 561 شخصاً وإصابة الآلاف.
إلى ذلك، قدرت الخسائر المالية حينها بحوالي 7 ملايين دولار أميركي ودمّر 80% من منازل أوباو ليجد بذلك 6500 شخص أنفسهم في الشوارع من دون مأوى كما بلغت الهزات الارتدادية التي أوقعها الانفجار مدناً كمانهايم (Mannheim) وهايدلبرغ (Heidelberg) وأوقع بها جانبا من الخسائر المادية.
وخلال الأيام التالية، أقيمت جنازة لضحايا الانفجار حضرها نحو 70 ألف شخص كان من ضمنهم الرئيس الألماني فريدريش إيبرت (Friedrich Ebert) ورئيس الوزراء هوغو ليرشنفيلد (Hugo Lerchenfeld).
وفي عام 1947، اهتزت مدينة بريست الفرنسية إثر انفجار سفينة الشحن النرويجية «أوشن ليبرتي» التي كانت محملة بهذه المادة. فقد كان لفرنسا نصيبها من المآسي مع نترات الأمونيوم. ففي يوم 28 تموز 1947، اندلعت النيران بسفينة الشحن النرويجية أوسيان ليبرتي (Ocean Liberty)، التي كانت محملة بأكثر من 3 آلاف طن من نترات الأمونيوم والعديد من المواد الأخرى سريعة الالتهاب، أثناء تواجدها قرب ميناء بريست (Brest) لتشهد بذلك المنطقة انفجاراً ألحق أضراراً جسيمة بالميناء وأسفر عن وفاة 29 شخصاً وإصابة الآلاف.
وفي العام نفسه، فجّر حريق نحو 2300 طن من المادة الكيميائية على متن سفينة في ميناء تكساس سيتي الأميركي. واندلع الحريق يوم 16 نيسان 1947، وقيل إنه بسبب عقب سيجارة مشتعلة ألقى بها أحد العمال، على متن السفينة غراندكامب.
وعلى الرغم من محاولات إخماد الحريق، إلا أن ألسنة اللهب قد بلغت مواقع تخزين نترات الأمونيوم بالسفينة لتشهد المنطقة بذلك انفجاراً هائلاً تبعته انفجارات أخرى طالت مرافق أخرى محاذية للميناء.
وقد أسفرت هذه الكارثة التي تسبّبت فيها نيترات الأمونيوم عن وفاة 581 شخصاً وإصابة قرابة 3500 آخرين بحروق كما قدرت الخسائر المادية حينها بنحو 100 مليون دولار.. فيما وجد ألفا شخص أنفسهم بلا مأوى عقب خراب أكثر من 500 منزل.
أثارت هذه الكارثة غضب الشارع الأميركي حيث اتهم كثيرون المسؤولين بإهمال إجراءات السلامة وتهديد حياة الناس. وقد عرفت هذه القضية نهايتها منتصف الخمسينيات عقب موافقة الكونغرس الأميركي على دفع مبلغ يعادل 17 مليون دولار لنحو 1394 من ضحايا الانفجار.
أما في عام 1995، فقد فجّر رجل عبوة وزنها طنان من السماد أمام مبنى فدرالي اتحادي في مدينة أوكلاهوما، مما أسفر عن مقتل 168 شخصاً.
وفي فرنسا أيضاً، انفجرت كمية كبيرة يبلغ وزنها نحو 300 طن من نترات الأمونيوم داخل مستودع لأحد المصانع في الضواحي الجنوبية لمدينة تولوز عام 2001، وأدى الانفجار إلى مقتل 31 شخصاً وإصابة 2500 بجراح.
وفي عام 2004، انفجرت عربات قطار محمّلة بمادة نترات الأمونيوم في مدينة رينغشون في كوريا الشمالية، مما تسبب بسقوط أكثر من 154 قتيلاً وإصابة أكثر من 1200 شخص، وتدمير ما يزيد على 8 آلاف منزل في المدينة.
في عام 2013، تمّ تفجير مخزون نترات الأمونيوم في مصنع «ويست فيرتلايزر» للأسمدة في بلدة ويست غرب تكساس الأميركية، بشكل متعمّد؛ مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة نحو 200 بجراح.
وفي 2015 انفجر 800 طن من نترات الأمونيوم بمدينة تيانجين في الولايات الساحلية الصينية، متسببة في مقتل أكثر من 173 شخصاً وتدمير منطقة بأكملها.
وبعد الانفجار الهائل الذي تعرّضت له مدينة بيروت اللبنانية والكارثة التي أودت بلبنان عقب الانفجار سواء أكانت إنسانية أو بيئية اقتصادية أو سياسية، تعمدت العديد من الدول مؤخراً على التقليل التدريجي من استخدام نترات الأمونيوم ضمن التطبيقات الاستهلاكية نظراً لخطورة التعامل مع هذه المادة ولاحتمالية إساءة استخدامها.
وتخضع تدابير السلامة التي سيتمّ تطبيقها على المواد الكيميائية الخطرة مثل نترات الأمونيوم في الاتحاد الأوروبيّ لثلاثة توجيهات تسمّى بتوجيهات Seveso، والتي سمّيت على اسم بلدة شمال ميلانو التي كانت مسرحًا لحادث كيميائي كبير في عام 1976.
وتخضع جميع الشركات التي تتعامل مع المواد المدرجة في التوجيهات لرقابة صارمة فيما يتعلق بالمخزون الآمن وإجراءات الطوارئ والتأثيرات على المنطقة المحيطة، سواء البشرية أو البيئية على حد سواء.
ويبقى الإنسان أكبر قاتل لجنسه البشري وسط ما يعتليه من جموح البقاء على حساب أبناء جلدته وجني المزيد من الأموال بغض النظر عن الوسيلة حتى لو كانت سلاحاً قاتلاً لتتحول غريزة البقاء من شدة الجشع إلى فناء للبشرية على أيدي بني البشر مهلكاً معه البشر والحجر..