متنا جميعاً بالأمس… لكننا نستحق الحياة
} منجد شريف
بعيداً عن التحليلات والسياسة والماورائيات، فقد شكل انفجار المرفأ المجهول السبب، غير ثغرة الفساد، حالة من الألم والغصة والإحباط النفسي لكلّ اللبنانيين، والمقيمين الأجانب، كانت الدقائق الأولى منه رعباً حقيقياً، بين أن تكون هزة أرضية أو خلافها، ليتبيّن في ما بعد أنه انفجار غير معروف المصدر، كانت ثوان تحمل الكثير من القلق والهلع الحقيقي، قبل أن نطمئن عن بعضنا البعض، أهل وأحبة وأخوة وأقارب وأصدقاء ومعارف، في هذه اللحظات كان كلّ منا يعيش ذعراً حقيقياً إزاء أعزائه، وإنْ كانوا فقدوا أو ما زالوا أحياءً، وحتى بعد أن انجلت الصورة والمشهد، كان عداد الضحايا والجرحى ألماً متزايداً في قلوبنا جميعاً، لأننا كلنا كنا مشاريع ضحايا وجرحى ومعوقين، من منا لا يسلك ذلك الخط البحري، سيراً او بالمركبة او بالدراجات النارية والهوائية، لقد متنا جميعاً بالأمس حتى ثبت العكس، ماتت عائلتي لدقائق حتى ثبت العكس، ومتّ أنا أيضاً في حسابات عائلتي حتى ثبت العكس، وهكذا دواليك… فهل من رعبٍ أكثر من ذلك؟!
نتكبّد الخسارة تلو الأخرى، جراء ما صنعته أيادينا، من مصائب، خرجنا من حربٍ أهلية باتفاقٍ مسخ، اسمه الطائف، كان تتويجاً للطائفية، ونسخةً عن نظام القائم مقاميتين بتوازنات جديدة، فتحوّلت كلّ طائفة الى حصنٍ منيع لكلّ فاسد ومتملق ومتسلق الى السلطة، وبمعزل عن الأحداث التي واكبت تلك المرحلة، من الوصاية السورية والإحتلال الإسرائيلي، لم تتحد النيات لبناء وطن حقيقي، فذهبت كلّ المساعدات والتسهيلات الى جيوب متزعّمي الأمر الواقع، بقيت البلاد مكشوفة جراء الفساد الذي قضى على الأخضر واليابس كالجراد تماماً، فشكل الفساد أقوى الأسلحة التدميرية وأمضاها، وليس آخرها ما حلَّ بنا بالأمس، وربما ينتظرنا المزيد من الأمور المخفية، ففي بلدنا كلّ شيء وارد، طالما أنَّ مركزية القرار مشتتة وخاضعة للتوازنات، وليست كارثة المرفأ إلا أحد أبرز الأمثلة عن الفساد، وعما يمكن أن يتسبّب به، ناهيك عن الفوضى، وكلّ ما نعانيه في الإدارات.
ويبقى الأمل أن نلتفّ حول بعضنا بعضاً في هذه الآونة، وأن نقوم كما في كل مرة من بين الركام، كطائر الرماد، ونتشبّث أكثر بمكافحة الفساد، لبناء منظومة إدارية اقتصادية، عسكرية، تحمينا من كلّ الكوارث، التي نواجهها اليوم في كلّ شيء، لأننا حقاً نستحق الحياة، ونستحقّ العيش في دولةٍ تحمينا ونفديها بأرواحنا، لا أن تزهق أرواحنا بأسباب مختلفة، وتصرف أعمارنا في حالة من المراوحة، حقاً نستحق الحياة، وسئمنا الرقص على حافة الهاوية، فالعدو الجار، لملم شتاته واغتصب أرضناً، واستطاع بناء دولة عاتية، بينما نحن لم نستطع بناء ربع دولة، جراء نفورنا وعدم إيماننا بهدف مشترك، حتى لو كان ذلك الهدف بناء دولة تحمينا، وكانت الفوضى والفساد المنفذ الرئيسي لعدونا، كي يستثمر فيه، ويحقق مآربه ورغباته، ويتفنن في قتلنا وتشتيتنا، ولا نظنّ أنّ أياديه بعيدة عما حلَّ أخيراً بالمرفأ!
فلننهض ونعيد تجديد الأمل، فلدينا من الطاقات ما يخوّلنا بناء أفضل الدول، فلنؤمن بالوطن، وننبذ الطائفية، فقط عندها نستطيع بناء الدولة والمجتمع، والإستراتيجية الدفاعية عن بلادنا.