أين المجتمع المدني اليمني من الخطر الذي يهدّد صنعاء؟
د. علي أحمد الديلمي*
في وادٍ جبلي يرتفع إلى 2200 متر، بُنيت مدينة صنعاء اليمنية وأصبحت مأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 سنة.
في القرنين السابع والثامن، تحوّلت المدينة إلى مركز هام لنشر الإسلام فحافظت على تراث ديني وسياسّي يتجلّى في 106 مساجد و21 حماماً و6500 منزل، يعود جميعها إلى ما قبل القرن الحادي عشر.
اليوم، تمضي صنعاء القديمة التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونيسكو» على قائمة التراث العالمي المهدّد بالخطر، بشكل متسارع نحو الاندثار بفعل المُمارسات المستمرة التي تشوّه طرازها المعماري الفريد.
عندما أتابع ما يحصل لمدينتي صنعاء القديمة وهي إحدى أعرق العواصم وجوهرة ثمينة في تاج الحضارة الإسلامية، أشعر باليأس والإحباط، خاصة عندما شاهدتُ منازلها الشاهقة تتداعى جراء الأمطار والسيول الأخيرة وبسبب الإهمال وعدم تطوير البنية التحتية لمجاري السيول من قبل السلطات السابقة والحالية، كما أنّ التشوُّهات التي تطاول المعالم الحضارية التي يصل عمرها إلى آلاف السنين تعدُّ جزءاً من الحرب على الذاكرة اليمنيّة والتاريخ اليمني.
صمدت صنعاء قروناً طويلة في وجه الحروب والحصار والكوارث وبقيت معلماً حياً وشاهداً على حضارة عربية إسلامية أصيلة ذات مستوى فني رفيع مزج بين الفن والجمال المعماري، مستجيبة في الوقت نفسه لحاجات سكانها المادية والروحية، وحتى العصر الحديث بقيت صنعاء تحافظ على إيقاع مريح في التزاوج بين نسيجها المعماري في حالته التقليدية ومتطلبات الحياة العصرية، لأنّ مدينة صنعاء القديمة كانت تمثل استمراراً هاماً للقيم الثقافية والتاريخية ورمزاً لبقائها حية كعاصمة تاريخية لليمن الحديث.
اليوم تبرزُ أهمية المجتمع المدني ودوره في اليمن وتكافل الناس في مساعدة المتضرّرين من السيول والأمطار وذلك من خلال حراك مجتمعي ومدني كبير تساهم فيه كلّ المنظمات المدنية والناشطون، متجاوزين كلّ الحجج والأعذار والسلطات، كأن يُقال إنّ المدينة واقعة تحت سلطة الحوثيين، فغالباً عندما كانت الناشطون والناشطات ومعهم المنظمات يطالبون الهيئات والمنظمات الدولية والأمم المتحدة بإنقاذ صنعاء، دائماً ما تكون الإجابة أنّ المدينة تحت سلطة الحوثيين.
نعلم جميعاً أنّ منظمات المجتمع المدني والناشطين والناشطات لديهم نشاطات ومشاركات كثيرة في مؤتمرات وندوات سياسية حول اليمن في كثير من عواصم العالم وكلها مدعومة ومموّلة، لكنّ معظمها ذا طابع سياسي.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: لماذا لا تعمل هذه المنظمات وهؤلاء الناشطون والناشطات على حشد الجهود والقدرات والإمكانيات والعمل مع المجتمع الدولي على الحدّ من الكارثة التي تتعرّض لها صنعاء ووضع حدّ للعبث بالمدينة وتراثها من خلال مخالفة شروط البناء والمواد المستخدمة وإهمال السلطات لكلّ ما يجري فيها؟
إنّ أول ما يجب أن تقوم به هذه المنظمات بالتعاون مع الناس هو تشكيل لجان ميدانية وفرق عمل كالتي تمّ تشكيلها في بيروت بعد الانفجار الأليم الذي حدث في مرفأ بيروت، حيث نزل الناشطون وسكان الأحياء المتضرّرة وبدأوا في إصلاح الدمار وتنظيف المناطق ورفع الأنقاض، متجاوزين أيّ سلطة فالمدينة مدينتهم والبلد لا يتقدّم ولا تتطوّر إلا بجميع أبنائه. فهل يمكن أن نفكر ونفعل كما يفكر الآخرون ويفعلون، أم أنّ كلّ ما نستطيع عمله هو الصراخ والشتم وحضور المؤتمرات والندوات وإرسال التغريدات وكتابة المنشورات ونعتبر أننا فعلنا المستحيل؟
«لا يُغيِّر الله ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*دبلوماسي يمني