الدولة والسلطة…
مأمون ملاعب
لا شك أنّ الخريطة الجغرافية للبنان تشهد توزع طوائفه ومناطق نفوذ دويلاته. ومن المعلوم جيداً أنّ الدولة اللبنانية هي مجموع دويلات الطوائف ولم تكن يوماً مؤسسة الشعب الكبرى.
ومن الواضح أيضاً أنّ سلطة الدولة اللبنانية ليست سلطة الحكومة المركزية ولا سلطة القضاء ولا حتى قوى الأمن والعسكر. هذه السلطات موجودة ومكبّلة ولا سلطة حقيقية فاعلة.
السلطة عند الدولة العميقة وهي ليست عندها في أنّ صلاحيات متشابكة ومتناقضة. الكلّ أقوياء والكلّ ضعفاء. أقوياء جداً بالتعطيل وضعفاء بالإصلاح أو البناء.
كلّ دويلة لها حق الفيتو، ولو على تعيين موظف أو تغيير موظف أو محاسبة موظف. لكلّ دويلة سلطة مركزية أو أكثر ونطاق نفوذ داخل الدولة، في مؤسّساتها أو على جغرافيا الوطن. نطاق نفوذ يسمح لها بممارسة استقلال ذاتي صغير يكبر إلى حدّ منع مسؤول مركزي بالدولة من تجاوز مناطق النفوذ، وإلى حدّ أنّ مواطناً يقطع طريقاً على وزير.
في إطار هذا النظام لا يهمّ شكل الحكومة، حيادية أو سياسية! جامعة أو فئوية! سلطة الدويلات لها استقلاليتها.
في ظلّ هذا النظام تكثر التشاورات أو الخلافات، الاتفاقات أو التشنّجات والنتيجة واحدة :
الإتفاق على مصالح كلّ طائفة دويلة. كلهم يستطيعون التعطيل ولا يعطلون مصالح بعضهم.
المفارقة المؤلمة أنّ الدولة المؤلفة من هذه الدويلات لها مصلحة. ومصلحة الدولة لا يمكن ان تكون مجموع مصالح هذه الطوائف.
مصالح الطوائف لا تساوي مصلحة دولة بل العكس هو الصحيح. مصلحة الدولة هي إلغاء مصالح الطوائف وهذا هو المستحيل.
قبل الطائف وبعده تغيّرت بعض الصلاحيات دون تغيير مناطق النفوذ أو تغيير الشريعة الأساسية في الإبقاء على مصالح الطوائف. التجربة قبل الطائف وبعده أدت إلى نتيجة واحدة. بلد هو في الشكل واحد وفي المضمون دويلات. بالاسم مستقلّ وبالفعل تحتله مجموعة طوائف لكلّ واحدة لها مصالحها وارتباطاتها الخارجية. بلد ينتج لأهله الأزمات من اقتصادية واجتماعية وسياسية وإدارية وأحياناً ينتج الحروب.
قبل الطائف كان لا بدّ من حرب طاحنة لتغيير النظام – عفواً تغيير الدستور لا النظام – فهل نحن اليوم بعد موت الطائف سريرياً على عتبة حرب لتغيير الدستور…؟
إذا لم يعد دستور الطائف قائماً فإنّ البديل لم يولد بعد، والأزمة حبلى والولادة بحاجة إلى عملية قيصرية.
الشعب اللبناني على دراية بكلّ ذلك لكنه ليس على وعي (بشكل عام). يدرك حجم الأزمة لكنه يألفها ويتعايش معها.
يعرف المصائب إلى حدّ الأزمات، والمصائب جزء من القوت اليومي. هذا الشعب يتوزّع على الطوائف وأحزاب الطوائف وقياداتها، ولا يعي أيّ مصلحة عامة أو مصلحة وطن إلاّ قلة منه غير قادرة على إنقاذه.