لبنان والحياد المستحيل…!
} د. علي سيّد*
إنّ طرح فكرة حياد لبنان، وخاصةً في هذه الظروف الاستثنائية والصعبة، يشترط أولاً أن يكون وطننا في وضع طبيعي وبإجماع شعبي داخلي وبموافقة من الدول الإقليمية وأيضاً موافقة من الدول الكبرى كي تؤمّن الحياد وتوفره وتضمنه وبالتالي تحميه.
هناك خمس دول في العالم عرفت الحياد وهي: لوكسمبورغ، بلجيكا، النمسا، سويسرا والسويد. عندما وفرت الدول الكبرى الحماية لهذه الدول مثل لوكسمبورغ وبلجيكا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى رأينا أنّ نية الألمان (عدم الإكتراث للحياد)، الفرنسي كان يعيش على أمل أن الجبهة الشمالية الغربية أي بلجيكا ولوكسمبورغ هي جبهة محايدة، وعليه فإنّ الألمان سيهاجمون من البوابة الفرنسية، ولكن في 2 آب سنة 1914 هاجم الألمان لكسمبورغ من جهة بلجيكا ودخلوا فرنسا، وتلك كانت الدول الكبرى في ذلك الوقت.
وقف رئيس وزراء بلجيكا في لوكسمبورغ يتباكى ويقول التزمنا الحياد ولكنه لم يفد ولم يكترث الألمان لموقفنا وحيادنا المعترف به من كل دول العالم.
لنصل إلى بيت القصيد، اليوم مطلب الحياد في هذه الظروف من الذي سيوفره للبنان وأهمّ مدماك لهذا الحياد أيّ الإجماع الداخلي غير موجود ومن المستحيل إيجاده، ولا يوجد مصلحة أو حتى توافق إقليمي على هذا الأمر.
لا مصلحة للخارج ولا يناسبه أن يكون لبنان على حياد لأنّ لبنان بوابة المشرق بتفاعلاته وتجاذباته وهو يستطيع أن يلعب دور التوازن فهو يؤثر ويتأثر بالمنطقة وخاصةً بجاره في الشرق والشمال وعدوه في الجنوب.
الخلاصة… إنّ طرح الحياد هو مقدمة لطرح الفيدرالية والتقسيم لأنه لن يتحقق ومن المستحيل تحقيقه، فمن يطرح الحياد من دون إجماع وكأنه يطرح الفيدرالية في وطن الـ 10452 كم مربع، وعليه لا يستطيع أيّ طرف أخذ لبنان إلى المنحى الذي يريده من دون موافقة الأطراف الأخرى وبالتالي الإجماع الوطني.
الخيارات الكبرى في لبنان مفتوحة على كلّ الأوجه والاحتمالات، وكلّ أطيافه وأحزابه وطوائفه بشكل عام مفتوحة على الدول الإقليمية والدولية، فمنها من يريد ويهدّد بخيار الذهاب إلى الصين أو روسيا أو إيران، وهناك من يفضل التركي على العربي وهناك خيار آخر مقتنع بأن ليس كلّ ما تقرّره الولايات المتحدة الأميركية يجب أن نمشي به وباستطاعتنا أن نذهب إلى خيارات أخرى على قاعدة نريد إدارة البلد على طريقتنا، وفي المقابل جهة مقتنعة بأنّ ما تقرّره الولايات المتحدة يجب أن نسير به تحت شعار لا نستطيع الوقوف بوجه الشرعية الدولية.
الخلاصة، في ظلّ هذا الانقسام العمودي الذي أصبح أفقياً بشكل حادّ بعد 17 تشرين الأول 2019، لكن ومن خلال التجارب حين يتفق الكبار ينتهي الانقسام لنعود إلى تركيب البلد بناءً على التسويات، فنحن في وطن أغلبية زعمائه وأكثرية مواطنيه تبعيتهم للخارج، والولاء للخارج أكثر من الولاء للداخل، يفترض أن يكون الانتماء للوطن هو الأساس والأهمّ من الانتماء للطائفة والعشيرة والمنطقة، نحن ننتظر ما سيحدث بين إيران وأميركا وأيضاً نتائج الانتخابات الأميركية في 3 تشرين الثاني 2020 لأنّ بلدنا مرتبط بالخارج، وهو يقدّم نفسه دائماً كبلد قاصر، ومعظم مسؤوليه يعتبرون أنفسهم قاصرون أمام المجتمع الدولي، فمن أين نأتي بالحياد يا ترى؟
أليس معظم الرؤساء يعيّنون بتسويات خارجية؟ أين الحياد في دولة يُعيّن رؤساؤها من الخارج ودائماً ضمن تسويات دولية وإقليمية.
تريدون سلاح المقاومة وبالتالي الحياد عن صراعات المنطقة، من يضمن «إسرائيل» لإيقاف عدوانها، ومن يضمن التزامها بالاتفاقات والمعاهدات، هل احترمت القوانين الدولية وطبقت اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين ولم تقم بالقضم والضمّ للأراضي الفلسطينية، وضمّت القدس مخالفة لقرارات مجلس الأمن الدولي واعتبرتها عاصمتها الأبدية، وأيضاً الولايات المتحدة الأميركية التي تدّعي احترام القرارات الدولية وحقوق الإنسان بأيّ حق تعترف بـ «السيادة الإسرائيلية» على هضبة الجولان والقدس التي لها وضعية دولية منذ 1948 وتعلنها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني! أتكلم عن أميركا لأنه في حال الحياد ستكون هي العرابة والضامنة للحياد، أيّ سيكون الذئب حامي القطيع. الشريط الحدودي في غور الأردن والذي تبلغ مساحته 1200 كم مربع سمحت لـ «إسرائيل» بفرض سيادتها عليه، من يضمن لبنان ويحميه من «إسرائيل» في حال التزم الحياد، فـ «إسرائيل» أطماعها معروفة في مياه الليطاني وحوضه وهي لا تخفي ذلك وهناك عشرات التصريحات من الصهاينة في هذا الصدد عن تقاسم المياه، فإذا نزعنا سلاح المقاومة ووقفنا على الحياد كما يريد ويطرح البعض، من يوفر ويضمن الحماية للبنان؟ إذا غزت «إسرائيل» لبنان هل الولايات المتحدة الأميركية أو الأمم المتحدة تمنعها أو تستطيع ذلك، متى طرحت الولايات المتحدة فيتو ضدّ «إسرائيل» متى أدانت الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي «إسرائيل»!
نعم من حق لبنان ويجب عليه الحفاظ على قوته وشعبه، 23 سنة (1978- 2000) ونحن نطالب ونستجدي وبكلّ الوسائل الدبلوماسية ولم نسمع أيّ مجيب أو متعاون في استرداد أرضنا المحتلة، من الذي حرّر الأرض؟ القرار 425 أم الولايات المتحدة؟ «إسرائيل» أو الاتحاد الأوروبي؟ طبعاً لا…
لن نقف على حياد وننزع سلاح مقاومتنا وعزتنا وكرامتنا وجوهر وحقيقة عنفواننا اللبناني لنكون فريسة أمام عدو غادر غاشم جشع مدجج بالسلاح لا يعرف سوى الإرهاب وقتل الأبرياء، عندما يصبح لدينا جيش قادر ومقتدر يقف في وجه عدونا، فالمقاومة وعلى لسان قادتها سوف تأتمر به.
سويسرا دولة محايدة وهي محصنة ضدّ السلاح النووي لديها القدرة للدفاع عن نفسها هي دولة حيادية ولكنها تريد المحافظة على نفسها وعلى حدودها.
أكبر تنازلات حصلت في تاريخ الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» هي في مؤتمر أوسلو وقمة بيروت العربية ما هي النتيجة؟ زادت المستوطنات من أوسلو إلى اليوم أكثر من 600 مرة سرقت القدس، ثلاث حروب على غزة، حرب على لبنان وللأسف لم يحصل الفلسطيني على شيء، هناك 100 ألف فلسطيني يعملون في المستوطنات الإسرائيلية.
أخيراً، عدو لم يتراجع في أيّ شيء ولم يطبّق أيّ قرار دولي إلا مرغماً ولم يلتزم بأيّ اتفاق مع الفلسطينيين والعرب، ما الذي يجعلنا نطمئن له كي نكون حياديين.
*باحث في العلاقات الدولية