العقوبات الأميركيّة المرتقبة تلغي التوازنات النيابيّة!
} د. وفيق إبراهيم
التلويح بعقوبات أميركية تستهدف التحالفات السياسيّة لحزب الله في هذا الوقت بالذات يرتبط برغبة الأميركيين بتشكيل الحكومة اللبنانية المرتقبة على إيقاعين: إقصاء حزب الله منها وربطها بسياساتهم في الإقليم.
هذا أقلّ ما يمكن استيعابه من الإصرار الأميركي على عقوبات من نوعين لا يستطيع إلا السياسيون اللبنانيون اختيار نموذج منها.
النوع الأول يقصف السياسيين من الدرجة الاولى من حلفاء حزب الله مع رجال اعمال مرتبطين بهم، وهؤلاء هم رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمحيطون به وعشرات رجال الاعمال المقربين من دوائره. والوزير جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر ومعه مجموعة من الاقتصاديين من اصدقائه والوزير طلال أرسلان وماكينته السياسية والاقتصادية والوزير وئام وهاب، من دون نسيان الوزير سليمان فرنجية وبعض النواب السنة المستقلين.
للمزيد من العنف الأميركي، يمكن وضع رئيس الكتلة النيابية لحزب الله محمد رعد على القائمة المباشرة للمستهدفين، فيصبح بذلك على لائحة الارهاب الأميركية مرتين: واحدة لأنه من أعضاء حزب الله وثانية بوضعيته النيابية.
كيف يخطط الأميركيون لإلغاء التوازنات الداخلية اللبنانية؟
يريد الأميركيون تكليف رئيس حكومة موالياً لهم لتشكيلها على نمط نواف سلام ومحمد بعاصيري وفؤاد السنيورة وأشرف ريفي، مع إبعاد كل الأسماء الوزارية المتصلة بحزب الله بالمباشر.
هناك مطالب أخرى تتعلق بموافقة لبنان على ترسيم الحدود البرية والبحرية مع فلسطين المحتلة والسماح لقوات الطوارئ الدولية بتنفيذ تحركات ميدانية على مدى يصل الى نهر الليطاني.
إن موافقة اللبنانيين على هذه الشروط يبعد العقوبات حالياً مفسحاً المجال لمساعدات عاجلة بمليار دولار فقط لتضميد الجراح المباشرة على أن تليها بعد تشكيل الحكومة قروض وتسهيلات من الصندوق والبنك الدوليين بـ 15 مليار دولار، الى جانب موافقة أميركية على مؤتمر سيدر الذي يحمل اثني عشر مليار دولار.
اما ما تبقى من حاجة لبنان الاقتصادية فموجود في آبار الغاز اللبنانية المنتشرة في أكثر من مكان.
كما نقل الفرنسيون أن الأميركيين مستعدون لجلب تسهيلات من الإسرائيليين حول الخلاف على الغاز عند الحدود البحرية.
إن الرفض اللبناني الكامل لهذه الاوامر الأميركية يؤدي تلقائياً الى اعلان العقوبات من الدرجة الاولى التي تصيب سياسيين من الدرجة الأولى وتحالفاتهم السياسية والاقتصادية بما يؤدي الى تفجير جديد للبنان أقوى من تفجير بيروت بعشرات المرات وأشد هولاً من الانهيار الاقتصادي لانه يرغم أوروبا بما فيها فرنسا على مقاطعة الدولة اللبنانية التشريعية والحكومية والاقتصادية.
أما في حالة موافقة لبنان على الشروط المذكورة فيذهب الأميركيون نحو الاكتفاء بعقوبات تشمل مجموعة من رجال الأعمال الشيعة.
هذا ما يريده الأميركيون، فماذا عن الأطراف الأخرى؟
هذه الأطراف التي تضمّ حلف عون – بري – حزب الله – فرنجية – أرسلان والسنة المستقلين يشكلون أكثريّة نيابية اختارها اللبنانيّون عن قناعة وانتماء، فكيف يمكن لغرب يزعم أنه صاحب الديموقراطية والمروّج لها أن يعمل على إلغائها في لبنان؟
الرئيس الفرنسي ماكرون، قال بدوره للأميركيين إن عقوباتهم التي تلوحون بها تؤدي الى تقوية حزب الله وإضعاف منافسيه من المؤيدين للأميركيين والخليجيين، داعياً الى حكومة وحدة وطنية تضم الجميع وإلا فحكومة محايدة تستبعد القوى اللبنانية المؤيدة للغرب والخليج وحزب الله على السواء.
هذا رأي مدعوم أوروبياً، لكنه يلقى رفضاً خليجياً يريد رأس حزب الله وسلاحه في موقف متناغم كلياً مع الطلبات الإسرائيلية التي تشجع الأميركيين والخليجيين على التشبث بضرورة إلغاء حزب الله، او تقليص أدواره.
هناك مواقف أخرى، لكنها غير متداخلة كثيراً بما يجري حتى الآن وتترقب انفراط عقد التفاوض «الماكروني» لتتقدّم بعروض بديلة وهي الصين وروسيا وإيران. هذه المحاور ترسل الى اوساط عون بري حزب الله بأنها مستعدة لإخراج لبنان من الجحيم، لكن ذلك يتطلب فتح أبواب لبنان أمام حركتها المقفلة بأمر أميركي.
من جهة ماكرون فيعمل بدأب على حكومة مختلطة تضم سياسيين وتكنوقراط لتتفرّغ للإنقاذ الاقتصادي وبرئاسة سعد الحريري.
بهذه الطريقة يعتقد ماكرون أنه يجذب السعودية المرعوبة من الخطر العثماني التركي الزاحف الى لبنان، فهل يوافق الأميركيون أخيراً على مشروع ماكرون؟
يدرك الأميركيون ان مطالبهم يجب ان تعكس انتصاراً لهم في لبنان او المنطقة، فتحالفاتهم مهزومة في لبنان وهم متراجعون في الإقليم و»اسرائيل» منذ 2006 تلتزم خطوط الهدنة ولم تعُدْ تتجرأ على اختراقها.
فكيف يمكن للأميركيين التصرف كمنتصرين؟
وكيف يمكن لحزب الله اعتبار نفسه مهزوماً؟
يلعب الأميركيون على حاجة لبنان الى قروض ومساعدات فيحاولون ابتزازه سياسياً واقتصادياً إلا أن لهذا التمادي بالاستغلال حدوداً قد تؤدي الى رحيل لبنان الى موقع سياسي آخر أو انهياره وتحوله كتلة من الفوضى تصيب حليفتها “اسرائيل”. فإذا كان التيار الوطني الحر العوني لا يزال ملتزماً بالعلاقات مع الغرب، فقد يصبح مضطراً لإنقاذ لبنان للبحث عن مواقع أخرى. على مستوى حزب الله، فيدرك انه منتصر لكن هذا الانتصار هو على المشروع الأميركي الإسرائيلي الخليجي وليس على اللبنانيين.
لذلك فيعمل على تسهيل ولادة حكومة جديدة لتأمين الاستقرار وليس للمنفعة السياسية او الاقتصادية.
لبنان الى اين؟ يبدو أن ايلول هو شهر الحسم لجهة تشكيل حكومة جديدة برعاية فرنسية منسقة مع الأميركيين والإيرانيين والخليجيين، وإلا فإنها قد تؤجل الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية على قاعدة استمرار ثابتتين اثنتين: لبنان والدور المجاهد هو لحزب الله.