أكتب لبلادي…
} عبير حمدان
تصعُب الكتابة عن بريق النصر حين يحيط بنا كلّ هذا الدمار. اليوم ترسّخ في الوجدان كم هو باهظ ثمن الصمود في ظلّ الموت المتكرّر، بين بيروت اليوم وضاحيتها أربعة عشر نزفاً وحكايات تُستعاد.
في الرابع عشر من آب توقف إطلاق النار ولكن العدوان لم ينتهِ بل اتخذ أشكالاً مختلفة بعبارات منمقة أبرزها الحياد، كمن يسعى لاقتلاع صمام أمانه دون أيّ احتساب للعواقب.
لم اعتد أن أخط حروفاً انهزامية وأنا التي تفخر بزمن الانتصارات ولكن الجرح الغائر في نبض حضورنا الآني يحرق كلّ الأوراق المتبقية ويحثنا على التمسك بقناعاتنا أكثر وبانتمائنا إلى هذه الأرض التي تعمّدت بنجيع الشهداء.
أكتب لبلادي في ذكرى النصر المبين… لبحرها وموانئها وروابيها حروف مبللة بمطر الصيف الذي غسل شيئاً من غبار القتل، لبلادي أرفع راية تأبى الاستسلام، والحبر كالنصل يحفر في الوجدان تاريخاً مشرّفاً لن تقوى كلّ «اتفاقيات السلام» على تحويره…
أكتب لبلادي ما يليق بعزّها وجغرافيتها، هي العصية والنابضة بالحياة رغم كلّ ما يحيط بها من ويلات.. هي المزنّرة بالريح والأساطير… بلادي التي يمسي زهر الليمون فيها رصاصاً وسهول القمح بركان متفجراً في وجه كيد المحتل.
في تموز 2006 قيل عنا مغامرين ولم نكترث للحقد الذي يستوطن البيانات البالية، حينها مضينا نحمل أكفاننا وعلى الثغور رجال زادهم ضحكات الأطفال ودعاء الأمهات، لم يكسرنا غلّ المعتدي ومن صفق له وتآمر معه من عرب الاعتدال..
اربعة عشر عاماً ولم يزل الحساب مفتوحاً ومتعدد الوجوه وحدها المقاومة راسخة ومتجذرة كشجر الزيتون ومتجدّدة كالياسمين ومتقدة كالجمر في بيوت الطين.. وحدها المقاومة قصيدة القصائد وأصالة المواويل والنص الذي لا يقبل التأويل.
في تموز 2006 تكالب كلّ الأعداء من الداخل والخارج على المقاومة في محاولة لمحاسبتها على فعل التحرير الأول في تاريخ المنطقة حين اثبت رجال من بلادي أنّ الكيان المحتلّ هش وجبان وهزيمته واقع لا بدّ منه…
اليوم وبعد اربعة عشر عاماً من ذكرى الانتصار الثاني تزحف انظمة «الاعتدال» نحو كيان لقيط وقاتل ومغتصب معلنة وبكل وقاحة اعترافها به فوق الطاولة…
اليوم نستذكر نصر تموز على إيقاع ما أصاب عاصمة المقاومة ونشهد حريق بيروت يقابله إنارة أبراج الحضارة المستوردة الى دول الخليج بالعلم الإسرائيلي.. لكنها تبقى حضارة فارغة لا جذور لها وحين تجفّ آبار النفط في تلك الصحارى ستعريهم وشتان بين أمة عمد الاستعمار الى تقسيمها ولم تلغِ الحدود المصطنعة عظمة حضارتها وبين أمم من رمال متحركة وفق اهواء من يحرك شخوصها كدمى لا تعرف من اللغة سوى عبارات الخنوع والذلّ…
في ذكرى نصر تموز نكتب لمن ارتقوا إلى الجنان وندرك أنهم يقلدونا الدعاء ويمسحون عن جبين الأرض تراكم الوجع الدامي الذي يتجسّد يوماً على هيئة اعتداء جوي وبري وبحري ويوماً على هيئة انفجارات متنقلة ونثق بأننا أمة لا تشبه باقي الأمم فنحن حين نسير إلى الموت نختاره وقوفاً ونلاقي الشمس التي تشرق من هنا بكلّ ما أوتينا من عزّ.