العماد الثائر والرئيس المقاوم…
} شوقي عواضة
شهد تاريخنا المعاصر رجالاتٍ وقادةً مضوا على طريق الحقّ الذي لم يستوحشوه لقلّة سالكيه بل كانوا من الثّابتين الأشداء واستطاعوا بمواقفهم الأبيّة أن يغيّروا التّاريخ وأن يصنعوا مجد الأمّة وعزّتها، تميّزوا بقلّتهم التي تحوّلت إلى مدرسةٍ أنتجت أمّةً أبيّةً ومقاومةً لا ترضخ ولا تلين فشكّلوا بارقة أملٍ وعزّزوا للأمّة يقينها بالانتصار بالرّغم من قلّة قدراتها، وقد قرأنا عن زعماء ورؤساء تركوا بصمة عزٍّ في تاريخنا مثل الرئيس الراحل جمال عبد النّاصر والرئيس الراحل حافظ الأسد وقيادات مقاومة قدّمتِ الغالي والنّفيس على طريق المقاومة، أولئك الرّجال الرّجال حقّاً الذين كانوا استثنائيين بل رُسل المقاومة للأمّة التي لم تخلُ من الأبطال والنّجباء، إذ شكّلوا خطّ الدّفاع الأوّل في مواجهة الغطرسة الأميركية الإسرائيليّة وهزيمة مشروعها شرّ هزيمة، من بين أولئك الرّجال جنرال تمرّد على المتآمرين وثائرٌ أرعب العدوّ «الاسرائيليّ» وأعداء المقاومة وشكّل لهم صدمةً بمواقفه وثباته وثقته بوطنه وجيشه وشعبه ومقاومته ليقلب المشهد ويغيّر المعادلات ويقف في زمن الرّدّة والتّخاذل ليقول بأنّ لبنان قوّته في جيشه وشعبه ومقاومته وليس كما يقول العدوّ لبنان قوّته في ضعفه ليرسي ثلاثيّةً ذهبيّةً صانت لبنان وحمته من مؤامرات الدّاخل والخارج. إنّه فخامة الرّئيس المقاوم العماد إميل لحود الذي حمى المقاومة من المؤامرات منذ أن كان قائداً للجيش، فهو العين التي قاومتِ المخرز الاسرائيليّ وكسرته.
لم ننسَ مواقفه التي يخلّدها التّاريخ منذ توليه لقيادة الجيش اللّبناني وإبّان عدوان (تصفية الحساب في تموز عام 1993، إذ طلب منه رفيق الحريري العائد من دمشق بعد انتهاء العدوان ضرب حزب الله ونزع سلاحه (بقرارٍ سوري) مدعوماً بقرارٍ سيصدر من مجلس الأمن واضعاً مساعدة قوّات الطوارئ في عمليّة (تنظيف الجنوب) من حزب الله ومصادرة سلاحه إضافةً إلى التخلّص من الجبهة الشّعبية في الناعمة محاولاً إغراء العماد لحود بوعده أن يكون الرئيس القادم للبنان بعد تنفيذ العمليّة فكان ردّ العماد لحود البديهي والصّاعق (ضميري لا يسمح بأن أضرب لبنانيين يريدون العودة إلى منازلهم وإسرائيل تحتلّ أرضهم فتشوا عن غيري) فكان ردّ الحريري بأنه سيقوم بتعيين قائدٍ جديدٍ للجيش غيره. وبالرّغم من التّرهيب والتّرغيب بقي العماد لحود ثابتاً على موقفه رافضاً حضور اجتماع المجلس الأعلى للدّفاع، ومع إصرار رفيق الحريري ووزير الخارجية اللّبناني آنذاك فارس بويز ووزير الدّفاع محسن دلول واللّواء غازي كنعان وأمين عام مجلس الأمن الدّولي بطرس غالي لم يتزحزح موقف العماد الثّائر قيد أنملةٍ، ليؤكّد ردّه الصّارم والحاسم للجميع بكلمتين قائلاً لهم (عيب عليكم) ليلتقي بعدها بالرّئيس الرّاحل حافظ الأسد الذي لم يكن على علمٍ بقرار ضرب المقاومة وكان اللّقاء الأوّل الذي جمعهما فسأله الرّئيس عن سبب رفضه تنفيذ القرار بضرب المقاومة فكان جوابه لأنّني منذ ولادتي ووالدي يوصيني بأنّ: «حياتك لا شيء أمام ضميرك وكرامتك»، لذلك رفضت لأنّي إذا نفّذت هذا الأمر أخسر الاثنين معاً، ليخرج العماد مؤيّداً من الرئيس الأسد ومنتصراً على المتآمرين على المقاومة مسجّلاً انتصارين بانتصاره للوطن والمقاومة التي حماها بموقفه وإصراره على استمرار مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فكان عدوان 1996 الذي شنّه العدوّ الاسرائيلي باسم عمليّة (عناقيد الغضب) حينها تصدّى الجيش لطائرات العدوّ من وزارة الدفاع ممّا دفع رئيس الجمهورية آنذاك الياس الهرواي للاتصال بالعماد لحود ويخبره بأنهم سيقصفون القصر فكان ردّ العماد ليقصفوا (وإذا ما عاجبكم أقيلوني) ليستمرّ القائد المقاوم في مسيرة المقاومة والتّصدي للاحتلال التي تكلّلت بهزيمة الجيش الذي لا يُقهر، فكان الانتصار التّاريخي الأكبر للبنان والعرب ولكلّ شرفاء الأمة وأحرارها في عمليّة تحرير الجنوب عام 2000 التي كان له دورٌ بارزٌ بدعمه للمقاومة التي تعزّزت في عهده. انتصار تكلّل بزيارة الرّئيس لحود للمناطق المحرّرة ليشارك النّاس والمقاومة فرحة الانتصار في سابقةٍ لم يشهدها الجنوب اللّبناني، زيارة أرعبتِ العدوّ وأثلجت قلوب المنتصرين الذين استقبلوه برشّ الورود والأرز وذبح الأضاحي، حينها بدأ المنهزمون التّصويب على الرّئيس لحود الذي لم تهزّه مؤامرتهم بل ازداد صلابةً وثباتاً في موقفه، فكان عدوان تموز 2006 وتحت غزارة النّيران والغارات توجّه إلى الضّاحية، مخاطباً الشّعب بأنّنا نملك أشدّ الرجال الذين يقدّمون التّضحيات من أجل لبنان وسننتصر يداً بيدٍ مع سماحة السّيد بإرادتنا وعزمنا وسنهزم هذا العدو. تصريح أثار حفيظة الرّعاديد أشباه الرّجال وعلى رأسهم رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة ومعه مروان حمادة الذي توجّه بالقول للرّئيس لحود (شوف أصحابك شو عملوا (حزب الله)، وكان ردّ الرّئيس الأبيّ (وصلوا ع بيروت في 82 لأنو ما كان فيه مقاومة بس هالمرّة حتماً سننتصر) ردّ يحمل اليقين بالانتصار مثلما يحمل الثبات في الموقف والاستعداد للتضحية والشّهادة تجلّى ذلك الموقف من خلال اتصال السّفير الفرنسي خلال العدوان بالرّئيس لحود ليحذّره من أنّ الطّائرات الاسرائيليّة ستقصف القصر الجمهوري خلال عدوان تموز فكان جوابه كالسّيف الصّارم سأبقى في القصر الجمهوري وليكن قدري الشّهادة.
ذلك هو العماد الثّائر والجنرال العنيد والرّئيس المقاوم من وقف في وجه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي كان يقاتل من أجل نزع سلاح المقاومة، قائلاً له توقّف عندك لن أسمح بتحقيق أهداف العدوان وتسليم سلاح المقاومة، فحمى المقاومة دستوريّاً وقاتل معها ميدانيّاً وتصدّى للمتآمرين عليها ومنهم قائد الجيش حينها العماد ميشال سليمان الذي طرده الرّئيس لحود أثناء تلاوته لخطّة نزع السّلاح في تموز 2006.
ذلك هو العماد الثّائر على المتآمرين والفاسدين والرئيس المقاوم والمقاتل على جبهات الدّاخل والخارج. فهنيئاً لمن عاش عصر العماد والرّئيس الذي استحقّ أن يكون فخامةَ المقاوم…