لماذا ترحل الدول العربيّة الى الكيان المحتلّ؟
} د.وفيق إبراهيم
ست دول عربية وربما أكثر تتأهب لتأسيس علاقات دبلوماسية مع الكيان المحتل إنما بشكل متتابع لتعميم انهيار كامل على المستويين العربي والاسلامي، وتنتظر الاشارة من الراعي الأميركي الذي يمرحل تحركاته على وقع مصالحه في العالم العربي وصراعه مع الإيرانيين وقتاله الضروس مع الصين وروسيا على طبيعة النظام العالمي الجديد.
هذه الدول الجديدة المرشحة هي السودان وقطر والمغرب وعُمان واليمن الجنوبي على أن تلحق بهم السعودية في مرحلة آجلة وذلك لإظهار المملكة على انها آخر المتعاملين المضطرين للتماثل مع «الأشقاء العرب» وحرصاً من ولي العهد بن سلمان على وحدة «الموقف العربي»..
لمذا هذا الرحيل الذي يرفع عديد المتساقطين الى عشرة بلدان عربية مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وحالياً الإمارات المتحدة؟
هذا ليس رحيلاً إرادياً، ولم ينتج من هزائم عسكرية أحرزها الكيان المحتل، بقدر ما يجسد حاجات هذه الدول المتساقطة لحماية أنظمتها مما تعتقد انه خطر خارجي، وهي تخفي بالحقيقة رعبها من انكشافها امام شعوبها وسقوطها بضربات جماهيرية مميتة.. فحكام الخليج مرعوبون من التأديب الأميركي الذي يرتدي شكل تهديدات من الرئيس الأميركي ترامب الذي يصرخ بهم قائلاً اما ان تدفعوا او نترككم وأنتم من دوننا لا تقاومون أسبوعاً واحداً.
هؤلاء الحكام الخليجيون يرون بأم أعينهم توجه الأميركيين الى خفض قواتهم من افغانستان والمانيا وبعض انحاء العالم العربي.. فيتوجّسون ذعراً من شعوبهم اولاً واخيراً ويخترعون ما يسمّونه بالخطر الإيراني لتبرير تحالفاتهم مع الانحطاط الكامل.
هذا هو العامل الخليجي الاول الذي يجعل حكام جزيرة العرب مجرد دمى في يد الأميركي وقريباً تحت ساقي الإسرائيلي.
لجهة الاختيار الأميركي للتوقيت فيتعلق بالحد من التراجع الأميركي في الشرق الاوسط مع محاولة نصب آليات جديدة بتأسيس حلف خليجي ـ اسرائيلي فعلي ممتد عربياً وإسلامياً، للإمساك بمصدر قوة يصيب مشروع طريق الحرير الصيني بشلل إسلامي. ومقلّصاً تمدّد روسيا في هذه المنطقة في الوقت نفسه..
اما الإعلان عنه الآن فهي رغبة ترامب باستثماره في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل الذي يعمل جاهداً على الفوز بها وللتجديد له لولاية ثانية على المستوى الإسرائيلي، فإن اتفاقها على تبادل العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات يشكل جواز مرور واستيطان واستثمار في المنطقة الممتدة من حدود اليمن الجنوبي مع الوسط والشمال وحتى حدود السعودية مع العراق.
هنا، «اسرائيل» تريد بناء قواعد عسكرية لها متحالفة مع السعودية والإمارات، وتطمح لأكبر استثمار اقتصادي في تاريخها مع منطقة عربية لا تزال الأغنى في العالم ويوجد فيها «حرمان شريفان»، يزوّدان المشروع السعودي ـ الاسرائيلي بمجالات إسلامية وعربية كبيرة.
يكفي أن بإمكان «اسرائيل» نصب وجود عسكري بحري من بحري عمان وعدن حتى باب المندب، ومن السواحل السعودية في البحر الأحمر حتى مداخله المصرية.
بذلك تجمع «اسرائيل» بين الامتداد الاقليمي العسكري والسياسي والاقتصادي تمهيداً لبناء جيوبولتيك إسرائيلي يشكل جزءاً من الجيوبولتيك الأميركي المتراجع، وليس استفزازاً.
على المستوى الفلسطيني، يبدو أن الأميركيين والإسرائيليين نجحوا بالفصل بين علاقات الكيان المحتل بالدول العربية وقضية فلسطين وذلك تحت تأثير الضغوط الأميركية.
فلم يعُد مهماً تحذير الدول الخليجية من انعكاسات اعترافهم بـ»اسرائيل» على القضية الفلسطينية وغضب شعوبها، فهؤلاء يستغلون نشر الطائفية والعرقية وتجويع الناس والقمع والقتل على طريقة محمد بن سلمان لفرض صمت شعبي كبير..
ويراهنون على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وفريقه أنهم لن يصلوا في ردود فعلهم أكثر من إطلاق تصريحات مستنكرة تخدم ليوم واحد فقط فينساها الناس والجهة التي أطلقتها بعد ساعات عدة.
فهل هناك خطر إيراني فعلي على الخليج يبرّر سقوطه الكبير نحو «اسرائيل»؟
منذ دخول الإسلام الى ايران قبل أكثر من ألف عام، لم يسجل التاريخ أي اعتداء منها على البلدان العربية المتاخمة لها، هناك استثناء وحيد يتعلق بمحاولة الرئيس العراقي السابق صدام حسين استغلال الاضطرابات الشعبية في مرحلة اندلاع الثورة الاسلامية في إيران وانهيار دولة الشاه لمهاجمتها في 1980.
وتمكنت إيران من إلحاق الهزيمة به في 1988 لكن الإمام الخميني رفض التقدّم في الاراضي العراقية، وهذه بادرة أخوة واحترام لا ينساها العراقيون.
الحديث إذاً عن خطر إيراني هو اختراع خليجي لتبرير تحالفاتهم مع الأميركيين ضد ايران، واقامة علاقات دبلوماسية وشاملة مع «اسرائيل» ضدها ايضاً.
هذه المقاربة تتعلق بالمشروع الخليجي ـ الاسرائيلي الأميركي ـ لكنه لا يتطابق مع سورية تعيد استكمال دورها الإقليمي المعادي للكيان المحتل، كذلك حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن.
هذا من دون نسيان الداخل الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، الذي لن يترك أموراً بهذه الخطورة على قضيته الاستراتيجية تحت رحمة خطابات من محمود عباس ورؤساء عرب لا يفرّقون بين الشعر والنثر والزجل..
يتبين أن موازنات القوى لن ترحل مع المتساقطين، بشكل يكفي فيه التحرك الشعبي الفلسطيني في الداخل ومواقع الانتشار حتى يصاب المتخاذلون برعب حقيقيّ يعيد تجميد أي علاقات مع «اسرائيل» وربما إجهاضها نتيجة لموازين قوى منتصرة لا تزال تتراكم.