فشل الأجندة الأميركيّة المناهضة للصين ومحاولة تقسيم أوروبا
اختتم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو جولته التي شملت أربع محطات وأخذته إلى وسط وشرق أوروبا، بعد مغادرته بولندا في نهاية الأسبوع، ربما بخيبة أمل.
خلال توقفه في جمهورية التشيك وسلوفينيا والنمسا وبولندا، لم يدخر بومبيو جهداً في الدعوة إلى أفكاره المبتذلة التي تنتقد الصين، في محاولة لبناء تحالف ضد بكين، بحجة الديمقراطية والحرية.
ولكن خطابه المعادي للصين لم يجد سوى القليل من الدعم، في حين قوبلت محاولته لتقسيم أوروبا بالانتقاد.
فشل الأجندة المناهضة للصين
كان أحد محاور جولة بومبيو، تشكيل تحالف أوروبي ضد الصين وروسيا. وطالب الدول الأربع التي زارها بالابتعاد عن شركة هواوي، عملاق الاتصالات الصينية التي اعتبرتها واشنطن تهديداً لأنها تتصدر تقنية شبكة الجيل الخامس 5G، وكذلك إمدادات الطاقة الروسية إلى غربي أوروبا.
خلال جولته، زعم بومبيو مراراً وتكراراً أن الصين وروسيا تشكلان تهديداً على «العالم الديمقراطي»، قائلاً إن «استخدام تقنيات من الصين وروسيا سيشكل خطراً على سيادة تلك الدول».
رغم ذلك، لم يجد خطاب بومبيو صدًى يُذكر، بل قوبل بالرفض. في مؤتمر صحافي مشترك مع بومبيو في براغ يوم الأربعاء، وصف رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس بلاده بأنها «رائدة في أوروبا» فيما يتعلق بشبكات الجيل الخامس والأمن السيبراني، قائلاً إن «جمهورية التشيك دولة ذات سيادة ولا أرى أي تهديد كبير عليها».
وحول العلاقات مع الصين، قال بابيس إن «جمهورية التشيك تسعى إلى إيجاد خطوط مع الاتحاد الأوروبي ولا توجد مشكلة أساسية هنا»، رغم محاولة بومبيو الفاشلة لزرع الفتنة.
وقال بابيس لصحيفة تشيكية يوم الخميس، إن جمهورية التشيك، كدولة ذات سيادة، تتعامل مع الدول على قدم المساواة. ورفض أيضاً استبعاد هواوي كشريك محتمل في بناء شبكة الجيل الخامس، رغم دعوات بومبيو.
وحدث مشهد مشابه في فيينا، المحطّة الثالثة لبومبيو. فخلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأميركي، قال وزير الخارجية النمساوي الكسندر شالنبرغ، إن «نهجنا لا يتمثل في حظر منافس واحد أو مزود واحد، بشكل عام، ولكن (يتمثل في) وضع قائمة واضحة المعايير لتجنب مقدمي خدمات مرتفعي الخطورة».
وفي ما يتعلق بقضية شبكة الجيل الخامس والأمن السيبراني، أعربت النمسا عن موقف مماثل لجمهورية التشيك. وقال شالنبرغ إن «فيينا قد تبنت موقفاً مشتركاً داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يسمّى صندوق أدوات الاتحاد الأوروبي».
وربما يكون بومبيو قد حصل على بعض الدعم في سلوفينيا، الدولة التي تقودها حالياً حكومة شعبويّة، ووقع البلدان إعلاناً بشأن أمن شبكات الجيل الخامس يوم الخميس، يستبعد شركة هواوي؛ ولكن هذا الإعلان أثار انتقادات واسعة النطاق من الدوائر السياسية والإعلامية.
قال ميلان برغليز، عضو البرلمان الأوروبي وعضو قيادة الحزب الديمقراطي الاجتماعي السلوفيني، إن «توقيع الإعلان السياسي بشأن أمن شبكات الجيل الخامس بين وزير الخارجية السلوفيني (أنزي) لوغار ووزير الخارجية الأميركي بومبيو، لا يتماشى مع مصالح سلوفينيا».
ونشرت صحيفة فيسر السلوفينية المحلية تعليقاً يوم الجمعة، قالت فيه إن بومبيو وجد جمهوراً راغباً بين المسؤولين السلوفينيين (للاستماع) لخطط الولايات المتحدة لكبح المنافسة الصينية في شبكة اتصالات الجيل الخامس، واحتواء التوسع الروسي في مجال الطاقة.
وجاء في التعليق أنه «لا يمكننا التخلص من الشعور بأن كل ما يُبحث من تهديدات لحقوق الإنسان، والاتصالات الآمنة، وسيادة القانون والديمقراطية، لا يتعلق بقيم الحضارة الغربية تلك، بل يتعلق بمن سيحصل على حصة أكبر من الكعكة في هذا العمل المستقبلي، ومن ثم يسيطر على العالم».
خطة خبيثة لتقسيم أوروبا
كما جاء في تعليق الصحيفة السلوفينية، فإن الأمر يتعلق بالمصالح التجارية. وإلى جانب شركة هواوي، استخدم بومبيو مرات عدة، الديمقراطيّة والحرية، كذرائع لتعزيز المصالح الخاصة للولايات المتحدة، وبالتالي تقسيم أوروبا إلى كتلة فيها القديم والجديد.
ومما لا شك فيه، أن مشروع خط أنابيب الغاز الروسي –الألماني نورد ستريم 2 يعتبر حالياً إحدى القضايا الرئيسية بين أوروبا والولايات المتحدة، حيث تشعر واشنطن بالقلق من أن المشروع سيقوي اعتماد غربي أوروبا في مجال الطاقة على روسيا، وبالتالي توسيع نفوذ موسكو في غربي أوروبا.
لقد توقع منتقدو العقوبات الأميركية، بأن واشنطن تستخدم هذه الإجراءات لدفع وتعزيز بيع غازها الطبيعي المُسال إلى أوروبا.
وأثار بومبيو هذه القضية خلال جولته. في فيينا، قال بومبيو للصحافيين إنه اختلف مع النمسا بشأن التهديد الأمني الذي يمثله المشروع. النمسا هي واحدة من المستثمرين في خط الأنابيب هذا، من خلال شركة الطاقة (OMV) المملوكة جزئياً للدولة.
ورداً على ذلك، قال نظيره النمساوي، ومضيفه شالنبرغ، للصحافيين، إن فيينا تأسف بشدة «للعقوبات المتجاوزة للحدود الإقليمية»، التي فرضتها الولايات المتحدة على المشروع. وموقف النمسا هو نفسه موقف ألمانيا تقريباً، حيث إن برلين هي المستفيد الأكبر من المشروع وهي أيضا أشدّ منتقدي العقوبات الأميركية.
وكتبت صحيفة ((دي بريسه)) النمساوية، أنه «لا يمكن دفع الحكومة الفيدرالية للجثو على ركبتيها بسبب تهديدات العقوبات الأميركية ضد خط أنابيب نورد ستريم 2 المثير للجدل»، مضيفة أنه «بالإضافة إلى ذلك، لا تريد (الحكومة) استبعاد الشركات الصينية مثل هواوي من إنشاء شبكة الجيل الخامس للهواتف المحمولة، حتى لو كانت الولايات المتحدة ترغب في فعل ذلك».
وحاول بومبيو أيضاً الفوز بعقد بناء محطة الطاقة النووية التشيكية «دوكوفاني» لصالح شركة «وستنغهاوس» الأميركية. ولكن جمهورية التشيك رفضت مساعيه لفرض مذكرة جديدة.
أما التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة وبولندا، فهو موضوع شائك آخر بين واشنطن وبرلين، وبين وارسو وبرلين أيضاً. يوم السبت، وقع بومبيو ووزير الدفاع البولندي ماريوش بلاتستشاك، اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز. وتشمل افتتاح قاعدة في بولندا للقوات الأميركية، ربما في عام 2021. وسيزداد العدد الإجمالي للعسكريين الأميركيين بمقدار 1000 عسكري، ليصل إلى نحو 5500.
وجاء التعاون الدفاعي المعزز بين الولايات المتحدة وبولندا، في وقت قررت فيه واشنطن سحب حوالي ثلث قواتها من ألمانيا، كعقوبة على عدم امتثال برلين لمعيار منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والمُطالب بأن يصل الإنفاق الدفاعي إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي، ومشروع نورد ستريم 2.
إن ألمانيا تعتمد على القوات الأميركية من الناحيتين الأمنية والاقتصادية، وهي غاضبة من قرار واشنطن الأحادي الجانب الذي لم يتضمن التشاور مع حلفائها. في الوقت نفسه، فإن بولندا، العضو الجديد بالاتحاد الأوروبي، على خلاف مع ألمانيا وفرنسا بسبب إصلاحات قضائية تتبناها وارسو. ويرى بعض المراقبين أن السعي لعلاقات أوثق بين الولايات المتحدة وبولندا، هو استراتيجية أميركية لإضعاف أوروبا.
قال سيلفيستر تسافارتس، الخبير البولندي في الشؤون الدولية، «أعتقد أن تحرك الولايات المتحدة لإرسال بعض القوات الأميركية التي تم سحبها من ألمانيا، إلى بولندا، يتعارض مع السياسة الخارجية والأمنية الموحدة للاتحاد الأوروبي، ودوافعه مشبوهة تماماً».
وأضاف هذا الخبير أن «هذا لن يساعد بولندا في ترسيخ مكانتها ضمن الاتحاد الأوروبي، بل يثير الشبهات أيضاً في أن الولايات المتحدة تحاول تقسيم الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر، من خلال الدفع باتجاه سياسة محتملة لخروج بولندا من الاتحاد الأوروبي، بعد خروج بريطانيا».