خطة واشنطن الجديدة… استغلال المساعدات والتحقيق بالانفجار لتنفيذ الانقلاب في لبنان
} حسن حردان
بعد حصول التفجير أو الانفجار الذي زلزل بيروت وكل لبنان، ومسارعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى زيارة بيروت ليكون أو رئيس أجنبي تطأ قدماه أرض لبنان، والتصريحات التي أطلقها خلال الزيارة، كانت جميع القوى السياسية بانتظار ما إذا كان الموقف الأميركي.. الذي يحمله المسؤول في الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى بيروت… سوف يتطابق مع الموقف الفرنسي لناحية التشجيع على تشكيل حكومة إنقاذ وطني قادرة على مواجهة الكارثة التي أصابت بيروت، وإعمار ما دمر من المدينة، وإنجاز الإصلاحات ومحاربة الفساد.. أم أنه يحمل معه المزيد من رسائل الضغط، مستغلا الكارثة، للتسويق للشروط الأميركية لحل الأزمة، قبل فك الحصار الأميركي المفروض على لبنان؟
من خلال التدقيق في المواقف التي أطلقها هيل في نهاية زيارته للبنان، يتبيّن أنّ المسؤول الأميركي أعاد تجديد التأكيد على ما تريده بلاده أن يتحقق من تغييرات حقيقية، كشرط مسبق لأيّ دعمٍ مالي سيقدم إلى لبنان من قبل صندوق النقد الدولي ومؤتمر «سيدر»…
التغييرات التي يريدها هيل، ليست بالتأكيد تلك التي تنسجم مع مصالح لبنان وسيادته واستقلاله، وإنَّما التي تحقق أهداف وشروط واشنطن… وبدا واضحاً أنّ المسؤول الأميركي، وخلال لقاءاته مع القوى التي تدين بالولاء لواشنطن، قد وضع خطة، أو خارطة طريق جديدة لتحقيق هذه الأهداف والشروط الأميركية:
أولاً، مواصلة الضفط لتشكيل حكومة «حيادية» من الاختصاصيين، برئاسة شخصية موثوقة أميركياً، بهدف إقصاء حزب الله وحلفائه عن السلطة، لتكون حكومة قادرة على تنفيذ الشروط الأميركية لناحية فرض اتفاق ترسيم الحدود البحرية والبرية مع فلسطين المحتلة يحقق أطماع كيان الاحتلال الصهيوني في ثروات لبنان..
وفي هذا السياق كان لافتاً تعمّد هيل عدم الاجتماع مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الذي يجري استهدافه، بشكل لافت، من قبل واشنطن، لأنه يتمسك بالتحالف مع حزب الله والوقوف الى جانب المقاومة.. وذلك في إطار التوجّه الأميركي الهادف الى فرض عقوبات على حلفاء حزب الله، وهو ما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بتاريخ 12 آب الحالي، بالقول: «إنَّ الولايات المتحدة تحضّر حزمةً من العقوبات ستوقعها على حلفاء حزب الله في لبنان، على أن تشمل عدداً من السياسيين ورجال الأعمال اللبنانيين».. وأشارت الصحيفة إلى أنّ «أحد الحلفاء الرئيسيين الذين يطالب المسؤولون الأميركيون بإخضاعهم للعقوبات هو جبران باسيل (..) إلى جانب حركة أمل».
وقال جيفري فيلتمان، السفير الأميركي الأسبق في لبنان، للصحيفة، في ردّ عبر البريد الإلكتروني، «إنّ باسيل كان يجب أن يخضع للعقوبات منذ زمن، خاصة أنّ ما قام به من تمكين حزب الله سياسياً لم يقم به أحد من قبل، ناهيك عن توفير غطاء مسيحي له».. ومن الملاحظ أنّ هدف العمل على تشكيل حكومة حيادية، يتولّى الترّويج له رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وباقي الفريق الموالي لواشنطن…
ثانياً، العمل على استغلال فاجعة التفجير في مرفأ بيروت، لزيادة منسوب التدخَّل الأميركي في لبنان من خلال الدخول على خط استغلال المساعدات الإنسانية وتوجيهها وتوظيفها لتهميش دور الحكومة والعهد، والتصويب على حزب الله، وذلك بجعل المساعدات الدولية تحت الإدارة المباشرة لبرنامج الغذاء العالمي عبر المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، أيّ المجموعات الممولة أصلاً من قبل الغرب.. وتشكل حصان طروادة الأميركي لتنفيذ الانقلاب السياسي على الأكثرية النيابيّة، من خلال تمكينها من قيادة التحركات الاحتجاجيّة في الشارع في محاولة لتكرار أحداث ربيع عربي آخر في لبنان، والعراق والجزائر، وهي الدول المستهدفة أميركياً، (إضافة إلى السودان الذي نجحت واشنطن في تحقيق الانقلاب السياسي فيه)، في هذه المرحلة لتغيير معادلات السلطة فيها والسيطرة عليها وتحويل وجّهتها بالاتجاه الذي يخدم السياسة الأميركية «الإسرائيلية» في المنطقة…
ثالثاً، الدخول على خط التحقيق اللبناني في تفجير المرفأ، بعد الفشل في فرض تشكيل لجنة تحقيق دوليّة، لتكرار سيناريو التحقيق الدّولي إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، من خلال إرسال فريق من المحققين الأميركيين للمساعدة في تحديد ما الذي أدّى إلى هذا الانفجار.. وكان من اللافت بدء الاستغلال الأميركي للانفجار من خلال تشديد هيل على أنه «لا يمكننا إطلاقاً» العودة الى الفلتان في المرفأ وعلى الحدود، وقال: «كلّ دولة ذات سيادة تسيطر على موانئها وحدودها بشكل كامل»… وهذا الكلام واضح انه يستهدف توجيه الاتهام لحزب الله بأنه هو الذي يسيطر على الحدود مع سورية والمرفأ والمطار، وليس الدولة اللبنانية.. وذلك للوصول الى تحميل الحزب المسؤولية عما حصل من تفجير أو انفجار المرفأ.. ويبدو أنّ هذا التوجّه الأميركي قد عمّم على كلّ من يدورون في فلك الولايات المتحدة لأجل التركيز على إتهام حزب الله وتوّجيه سهام الاتهام نحوه، في سياق الخطة الأميركية لمحاولة تكرار انقلاب عام 2005، لكن اليوم تحت عنوان محاربة الفساد وإحداث تغيير في النظام اللبناني الطائفي، وأنّ «لبنان بحاجة إلى تغيير وليس إلى حكومة وحدة فاسدة أخرى»، وهو عنوان المقال الافتتاحي في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، للباحثة حنين غدار، وهي من المشاركين في إعداد الأبحاث في معهد واشنطن للدراسات، وفريق جيفري فيلتمان، في إعداد الدراسات وتقدير الموقف والتوصيات حول السياسة التي يجب أن تتبعها واشنطن بشأن الوضع في لبنان.. وقد ركزت غدار في مقالها على تحميل حزب الله المسؤولية عن دخول شحنة نيترات الأمونيوم الى مرفأ بيروت، حيث ادّعت:
«أنّ هناك العديد من العوامل التي تشير إلى مسؤولية الحزب» وحسب قولها فهو «يسيطر على جزء كبير من المرفأ بما في ذلك المنطقة التي وقع فيها الإنفجار حيث قام الحزب بتخزين قذائفه مؤقتاً منذ عام 2008 تقريباً…»
وطبعاً فإنّ آخر ما يهمّ واشنطن هو محاربة الفساد، فالفاسدون في كلّ الأنظمة التابعة للولايات المتحدة في العالم، هم الذين تعتمد واشنطن في تنفيذ مخططاتها، ولا تتخلى عنهم إلّا عندما يصبحون أوراقاً محروقة شعبياً وعبئاً على السياسة الأميركية، وهناك بدائل مخبأة بدلًا منهم يمكن أن يواصلون خدمة السياسة الأميركية بشكل أفضل تحت عناوين براقة جديدة مخادعة للناس.. وهذا هو الهدف من الربيع العربي المتواصل والمتنقل من بلد عربي إلى آخر…
انطلاقاً مما تقدّم فإن ديفيد هيل لم يأت إلى لبنان حاملاً توجهاً أميركياً جديداً يمهّد الطريق لفك الحصار والتراجع عن مواصلة الضغط على لبنان، بل على العكس فإن جاء حاملاً خطة أميركية لاستغلال ما حصل لزيادة الضغط على لبنان، بهدف فرض تشكيل حكومة موالية لواشنطن تتولى تنفيذ الانقلاب الأميركي وإضعاف حزب الله المقاوم وحلفائه.. ولهذا كان كلام أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله حازماً في رفض أي حكومة حيادية وحصر الخيارات بخيارين اثنين: إما حكومة وحدة تتحمّل المسؤولية لإنقاذ البلاد من الكارثة والأزمات الغارقة فيها وتنفذ الإصلاح، أو حكومة يكون فيها أوسع تمثيل ممكن…