هل هناك عرب على سواحل بحري الأبيض المتوسط والخليج؟
د.وفيق إبراهيم
الصراع العالميّ المتفاقم للاستحواذ على نفوذ في مياه البحر الأبيض المتوسط وبلدانه، يوحي بأن العرب يقيمون على بعد آلاف الأميال منه وربما أكثر، ولا علاقة لهم به لا من قريب ولا من بعيد..
فالدول التي تشارك في هذا النزال البحري على المتوسط تبدأ من تركيا واليونان وقبرص مروراً بمعظم الدول الأوروبية اللاتينية المطلة عليه في اسبانيا وفرنسا وايطاليا وصولاً الى بريطانيا الخبيرة في تطبيق دبلوماسية الاساطيل التاريخية، هذه الدبلوماسية التي كانت تطلق على سواحل المتوسط وبحر الخليج نيران من مدافع بوارجها وتقول للولاة في ذلك الزمان بأن هذا الدوي هو تحية لهم إذا قبلوا بشروطها، واستهدافاً لهم إذا رفضوها. مسيطرين بذلك على كامل المنطقة العربية ببحارها وأراضيها.
هذا المشهد يتكرّر اليوم لأن هناك عناصر إضافية على أهميات هذا البحر الاستراتيجي الواقع بين أوروبا وآسيا وأفريقيا.. فالنفط بما هو وقود القرن العشرين دخل الطور الأخير من عصره وابتدأ زمن الغاز، إلى أن تبين ان البحر المتوسط يزخر بكميات وافرة منه، وهناك مناطق بحرية وبرية في سورية ولبنان واعدة بالإضافة الى العراق الغني والربع الخالي السعودي الذي يتردّد أنه يحتوي على بحار من الغاز، الى جانب بحر الخليج، خصوصاً في أعماقه القطرية والايرانية والعمانية وشط العرب العراقي مروراً بالكويت وسواحل عدن وارياف اليمن في الكثير من المحافظات.
بذلك يصبح الصراع الأساسي على الغاز في هذين البحرين، قتالاً بكل الأنواع المتوفرة بين الاميركيين والروس والصينيين بإسناد أوروبي ومناوشات تركية تبحث عن دور عثماني في مدى تعتبره جزءاً من تاريخها وتأمل أن يصبح املاً لمستقبلها الاقتصادي وبالتالي السياسي الجيوبولتيكي.
لذلك يبدو مشهد البحرين والخليج والمتوسط شبيهاً بمنطقة اجتاحتها كل القوى الاساسية في العالم وبعض دولها التركية واليونانية والأوروبية، وتعمل على تأسيس نظام تحاصص، بدأته بالتهديدات العسكرية والإعلاميّة، الى أن يتوصل الاميركيون والروس والصينيّون والإيرانيون والأتراك وبعض اوروبا الى تقاسم عملي يعيد فرض الاستتباب الى منطقة الشرق الأوسط، وانصياع دولها الغائبة عن الإحساس بمصالح شعوبها.
ما هو ملاحَظ في هذا المشهد غياب كامل للدول العربية التي تلتزم صمتاً يدفع المراقب الى الاعتقاد بأن العرب غير موجودين عند سواحل هذين البحرين.
لكن التدقيق يكشف عن فضيحة مدوّية وهي أن الدول العربية لديها أطول سواحل على البحر المتوسط تبدأ من حدود سورية مع تركيا الى لبنان مروراً بفلسطين المحتلة الى مصر فليبيا وتونس والجزائر والمغرب، مقابل ساحل تركي متوسطي لا يعادل ربع السواحل العربية وكذلك سواحل قبرص واليونان التي لا تُقارن بسواحل مصر بمفردها.
كما أن السواحل العربية المطلة على بحر الخليج هي الأطول من نوعها، وتبدأ من عدن اليمنية الى عمان فالامارات والسعودية وقطر والبحرين وشط العرب العراقي.. وتليها مباشرة بالمساحة السواحل الايرانية.
هناك إذاً صخب تركي لا يعادل حجم شواطئه، وصراخ يوناني ـ قبرصي يحرض أوروبا على إجهاض الطمع العثماني، مع «ثعلبة» اوروبية تستعجل الإطاحة بالمشروع التركي في المتوسط.. مباشرة أو عبر الضغط الأميركي الموجود في معظم دول المنطقة وعبر البوارج التي تستوطن المتوسط.
روسيا من جهتها تؤدي دوراً في الصراع على مياه المتوسط من خلال تمركزها الأساسي في سورية وتدخلها العسكري في ليبيا، ومحاولاتها للعثور على أدوار في مصر ولبنان.
لجهة بحر الخليج فالصراع إيراني أميركي تحاول الصين اقتحام مشهديته من خلال الاتفاقية التي وقعتها مع إيران بوظائف اقتصادية وأمنية وسياسية كذلك فإن لروسيا حضوراً عبر التأييد الذي تخص به إيران، أما الدول العربية فتعتصم بصمت العاجزين وتمنح الأميركيين حقوق الدفاع عنهم والاستثمار بكل موارد الطاقة كما يحلو لهم.
ألا يستحق هذا الوضع التساؤل عن تلك الدول العربية ذات المساحات الأطول والأكبر على سواحل المتوسط والخليج وفي بلدانه وأممه؟
أين هي هذه الدول التي تزعم أنها ذات سيادة وتمتلك من القوة والبأس كما تزعم؟
فهل من المعقول أن تتحرك تركيا على سواحلها مباشرة وفي شواطئ قبرص واليونان وتقتحم ليبيا بقوات عسكرية لتعلن على الملأ أنها شريك اساسي في غاز البحر الأبيض المتوسط؟
وسرعان ما ينبثق حلف مدعوم أميركياً يضم «اسرائيل» وقبرص واليونان والأميركيين وفرنسا، ومصر السيسي لاستثمار الغاز شرقي المتوسط ونقله الى اوروبا عبر اليونان، وذلك لمنافسة الغاز الروسي المتوجه الى اوروبا، وذلك خدمة للأميركيين الذين يريدون إنهاك الروس وإضعافهم.
ما يمكن استنتاجه أنه باستثناء سورية المنهمكة في تحرير أراضيها من إرهاب متحالف مع ثلاثين دولة، فإن كامل الدول العربية المتوسطية ليست إلا اشكالاً كاريكاتورية تعمل على حماية أنظمتها بالانصياع الكامل للأميركيين وبالتحالف مع الإسرائيليين وتبديد ثروات شعوبها والتغافل عنها.
كذلك فإن الأميركيين يسيطرون على الجزء العربي من بحر الخليج ممسكين باقتصادات دوله وإمكاناتها من النفط والغاز.. فالقواعد الاميركية في قطر وعمان والكويت والسعودية والبحرين والإمارات، ليست إلا مراكز لتأكيد السيطرة الاميركية على الغاز والنفط العربيين وسط ترحيب كامل من الأنظمة السياسية للمنطقة.
هناك إذا غياب عربي عن معارك الصراع على عرب الخليج والمتوسط مقابل اتجاه خليجي ـ عربي بدعم أميركي لتأسيس حلف مع «اسرائيل» يدفع في اتجاه إلغاء كل مصالح الشعوب في سبيل حماية العائلات المالكة.
فما الفارق بين مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية والوضع الحالي؟ كان الغرب الأميركي والأوروبي يسيطران على المنطقة العربية وايران وتركيا مؤسسين «اسرائيل» في فلسطين المحتلة، أما اليوم فإيران متحررة وتحارب النفوذ الأميركي على مدى الشرق الاوسط، كما أن تركيا تحاول العودة الى نفوذها العثماني، أما العرب فيواصلون الاختباء في كهف الظلمات حتى أن المعارك تجري على أراضيهم وفي بحارهم وهم كالعجزة الغافلين في خرف تاريخي.