أنظمة التبعيّة والارتهان إلى مزبلة التاريخ
رامز مصطفى*
اتفاق التطبيع الإماراتيّ مع كيان العدو الصهيوني لم يحمل أي جديد أو مفاجأة تذكر، إلاّ اللهمّ تلك المُسارعة في الإعلان عنه. ليس لأننا كنا نتمنى للإمارات تلك السقطة الخطيئة، بل وكما يُقال إنّ النتائج بمقدّماتها، وهي من كثرتها حدّث ولا حرج. فقيادة الإمارات بشخص ولي عهدها محمد بن زايد مكلف شخصياً من قبل الإدارة الأميركية في جملة من الملفات الإقليمية وصولاً حتى الدولية. ولعلّ من أولويات تلك الملفات، ملف العلاقات مع الكيان الصهيوني، وفتح وتذليل العقبات أمام تمدد الكيان خليجياً وعربياً، من خلال الانخراط في الأحداث وخلق التطورات الممهدة لهذا التمدّد.
الخطوة الإماراتية يجب رصدها من خلال التصريحات المتتالية لعدد من قيادات العدو الصهيوني، ونتنياهو في مقدّمتهم. ولكنّ ما صرّح به رئيس جهاز الموساد الوزير إيلي كوهين على قناة «i24news»، على أنّ تقارب كيانه مع العديد من الدول العربية تسير بخطى حثيثة وتزداد قوةً، لأنّ القاسم المشترك هو مواجهة ما أسماه بالتهديد والتمدد الإيراني في المنطقة، هو الأكثر وضوحاً ويقيناً. والرصد لم يتوقف عند تلك التصريحات، بل تجاوزها إلى الحماسة الإماراتية لـ «صفقة القرن» والترويج لها، وحضور سفير الإمارات العربية في واشنطن يوسف العتيبة المراسم الاحتفالية للإعلان عن «صفقة القرن» في البيت الأبيض بحضور الرئيس ترامب ونتنياهو، ومن ثم مقالته في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، بعنوان «إما الضمّ أو التطبيع»، وهو الكذب بحدّ ذاته، وهذا ما كذّبه عمر غباش مساعد وزير الخارجية الإماراتي للشؤون الخارجية والثقافة والدبلوماسية العامة، في قوله: «لا شروط ترتبط باتفاق بلاده مع إسرائيل». وهو ما أكد عليه نتنياهو في تصريحات له: «هذه هي أول اتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة عربية منذ 26 سنة، وهي تختلف عن سابقاتها من حيث اعتمادها على مبدأين: السلام مقابل السلام، والسلام من منطلق القوة. وبموجب هذه العقيدة لا يطلب من إسرائيل الانسحاب من أي أراضٍ»، وأضاف معتقداً «أنّ إمكانية إحلال السلام على أساس الانسحاب والوهن، قد فارق الدنيا وتلاشى، وتمّ استبداله باعتقاد آخر مفاده السلام الحقيقي. وأنّ الوضع الجديد يتعارض كلياّ مع الاعتقاد الذي كان يقول حتى قبل أيام معدودة بعدم وجود أي دولة عربية توافق على إحلال سلام رسميّ ومفتوح مع إسرائيل قبل حلّ النزاع مع الفلسطينيين».
اتفاق العار لن يغيّر شيئاً، من خلفية أنّ التطبيع قائم ومنذ سنوات، ولكن مؤكد أنّه سيُشرّع الأبواب أمام المزيد من اتفاقات التطبيع، حيث بدأ الحديث جدياً عن البحرين وعُمان والسودان وغيرها على الطريق. ولكنّ السؤال الذي يجب البحث عنه، لماذا هذه الاندفاعة الإماراتيّة في هذا التوقيت؟ هل يتصل الأمر المساهمة في مدِّ طوق النجاة لكل من ترامب ونتنياهو، اللذين يعانيان من مآزق تهدد حياتهما السياسية. أم أن الأمر يتعلق برغبة إماراتية بلعب دور كانت قطر والسعودية تلعبانه قبل أن تفشل الأولى في الملف السوري وإسقاط الدولة السورية والرئيس بشار الأسد، وهذا كان سبباً أميركياً كافياً لنقل السلطة إلى تميم خلفاً لوالده حمد بن خليفة آل ثاني. ومن ثمّ انكشاف الدور السعودي من خلال ما ارتكبه ولي العهد محمد بن سلمان من جريمة موصوفة أودت بحياة الإعلامي السعودي جمال الخاشقجي في تركيا، ومن ثمّ فشله الذريع في الحرب على اليمن، التي قادت السعودية تحالفاً في تلك الحرب الإجرامية على الشعب اليمني. أم أنّ الإمارات بشخص ولي عهدها تتطلع إلى دور تجاري متميّز في العالم، بعد أن أغراها نجاحها في إدارة وتوجيه اقتصادها عبر اتباعها سياسات اقتصادية مرنة، تمكّنت من خلالها من فك ارتباطها بالنفط على نحو تدريجي، تمهيداً لاقتصاد ما بعد النفط. وبالتالي اعتمادها على تنويع مصادر دخلها. وهو ما أثبت نجاعة تلك الاستراتيجيات المعتمدة في مواجهتها للأزمات النفطية، وتحويلها إلى فرص بالتنويع الاقتصادي. وهو ما أعطاها القدرة على التكيف، من خلال إدارة عوائدها النفطية في أوقات ارتفاع أسعار النفط.
أنّ يحتفل الكيان وقادته بهذا الاتفاق أمر طبيعي، وعينه على اتفاق مماثل مع المملكة السعودية. وأن تحصد أمتنا الخيبات تلو الخيبات، من وراء أنظمة التبعية والارتهان للمشيئة الصهيو أميركية، هو التعبير عن حالة الخذلان التي يعايشها واقعاً مؤلماً أبناء الشعب الفلسطيني ومعه أبناء الأمة كافة. ولكن تلك الأنظمة كما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، لن تكون قدراً محتوماً، وهي إلى مزبلة التاريخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب فلسطيني.