الشاعرة ميشلين مبارك… تكتب كي تتلألأ فوق تنهّدات الورق
حاورها هاني سليمان الحلبي
يغلب على الشاعرة المعطاء ميشلين مبارك شعور التعريف والإفصاح، العطاء دون كللٍ أو تعب، تعطي ما لديها من دون مقابل، تنساب في عالم الشعر وتنسى في أرجائه ذاتيتها وتبحث في فلكه عن المعنى والأصول. الشعر سبيلها للعبور نحو الأسمى والأرقى، أداتها الكلمة وأسلوبها السلاسة. الشاعرة ميشيلين مبارك خطت خطوات النجاح وما زالت تحارب حتى تصل إلى برّ الأمان.
الشاعرة اللبنانية ميشلين مبارك في حوار مع جريدة «البناء»، اعتبرت الكتاب سبيلاً للنجاة في هذه الحياة، وهرباً من دوامة الفراغات، واعتبرت أن الجميع في مجتمع مفتوح يشاركنا تربية أبنائنا، ولم تعد التربية مقتصرة على مؤسستين. ولم يغب عن بالها راعيها الروحي النجم الراحل الخالد مروان محفوظ، حيث رأت أن أغانيه ستبقى بصمة للأجيال..
جواباً عن رأيها في الكتابة ولماذا تكتب؟ قالت: الحقيقة أنا أكتب لأنجو في هذه الحياة، أنا أكتب لأعيش فوق تنهدات الورق، ألامس أنفاس الأحلام، كي لا أغرق في الفراغات، فراغات الحياة المادية، فراغات العلاقات الاجتماعية، نعيشُ في زمن مريض على الصعد كافة للأسف، لذا أنا أكتب لأنجو في هذه الحياة.
وحول علاقتها بالحروف والأبجدية والقراءة وأي هوى يجمعهما بنفسها، تنفست صعداءها وأسرّت لي: أستطيع القول إنني قارئة ممتازة منذ الصغر، وكنت أفرح كثيراً عندما كان أستاذ اللغة العربية في المدرسة يثني على مواضيع الإنشاء التي أكتبها، وتزامن دخولي الجامعة مع انطلاقة ملحق نهار الشباب ودعوة الطلاب إلى التعبير عن آرائهم والكتابة وهكذا كان. تعرّفت الى الصحافي جبران تويني وبدأت بمراسلتهم في العام 1996 لقصائد ومطالعات عن كتب صادرة حديثاً، وبعد التخرّج والتوظيف، بدأت بإصدار ما أكتب، أما العوائق فهي إضافة الى الأمور المالية بصراحة، هناك أهمية وجود شخص يقرأ لك بموضوعيّة ويصارحك أين الخطأ وأين الصواب في الكتابة، وهذا لم يكن متاحاً لي، بل اشتغلت على نفسي بنفسي. اليوم، وكمنسّقة في منتدى شهرياد، أستشير صديقي وأستاذي عميد منتدى شهرياد الشاعر نعيم تلحوق في ما أكتب. أما من ناحية صعوبات الاعتراف الشعريّ فهنا لا بدّ من تبيان الأمر بين الجريء والمبتذل، اعترف بأنني جريئة بعض الشيء في الغزل، إنما بطريقة ليست مبتذلة. فمن الجميل أن تكتب امرأة الى حبيبها وتعترف بهذا الحبّ جهاراً، فتقول له مثلاً:
«لوجهكَ أعرتُ ملامحي
وعلى ثغرك رسمتُ ابتساماتي
وفي قلبك وضعتُ نبضي
كي نصير واحداً
الى الأبد».
المهم الحياة في النور ولا نخاف العتمة
وإذ تغوص في ذاتها تتلمّس النور، ذاتها التي هي كانتها وتكونها، وجواباً على سؤال «لو لم تكوني انت نفسك فماذا وددت أن تكوني»، أجابت: الحقيقة ما أود أن أكونه وما كنته وسأكونه هو نفسي، هذا الأمر ينطلق من تربيتنا انا واخوتي في بيتنا الوالديّ، تعودنا أن نكون متصالحين مع انفسنا ومع الله، لطالما ردّدت علينا أمي «المهم ان نعيش في النور، نحن أبناء النور لا نخاف من العتمة، لا نخاف من شيء»، والأمر نفسه اردده مع اولادي.
الشعر يأكل من خبزنا الشخصيّ
وعن الشعر وغايته وعلاقتها به، ولماذا اختارته او اختارها، كتبت: اسمح لي أن أضيف بأنّ الشعر يأكل من خبزك الشخصي أيضاً، طبعاً أنا أولاً أكتب الشعر والأدب لنفسي. اشعر بأنه شغفي، وكما وسبق وقلت لك لأنجو من هذه الحياة، لكي لا أعيش فراغاتها، ومما لا شك فيه بأنني أفرح عندما ألقى إعجاباً وتجاوباً من القراء. معنى ذلك ان القراءة ما زالت بخير. وهنا تكمن رسالتي ألا نتخلى عن القراءة وبالتالي أن نجعل من الكتابة علاجاً لأوجاعنا وهموم شعبنا. كما الغناء أيضاً والموسيقى والرسم.
لهدوء الأماكن المقدّسة في جبالنا لغة تموسق الروح
وجواباً عن ماذا، وأية أنماط من القصائد، حددت بقولها: أكتب النص الوجيز بما فيها الومضات، إضافة الى الشعر المنثور وهي قصائد متوسطة الى قصيرة الطول أحياناً، ليس هناك من طقوس معينة، المهم أن أعيش هدوءاً ووحدة مع ذاتي بعيدة عن الضجة.
وأحب كثيراً أن أجلس في مقهى وحدي فأكتب: هناك، في زاوية من المقهى، تركتُ لك بعضاً مني وقصيدة. لمقاهي الحمرا جاذبيّة خاصة عندي. للطبيعة في ضيعتي وحيٌ جميل، لهدوء الأماكن المقدسة في جبالنا لغة تموسق الروح.
لسنا وحدنا مَن نربي أبناءنا.. الجميع يشترك معنا
حول ميشلين الأم والمربية، وكيف توازن بينهما، والشاعرة قالت: من خلال متابعتي مع بناتي الثلاث وتدريسهم اليومي، اسمح لي يا صديقي أن لا ننظر فقط الى مناهجنا التعليمية المدرسية ولا ننتظر اية وزارة، لأنه بالحقيقة الأهل او الأساتذة ليسوا هم وحدهم المربّين، فنحن في مجتمع مفتوح فلديك وسائل التواصل الاجتماعي، التلفزيون، الإعلانات، تصرفات الناس في المجتمع، المظاهر المجتمعية المخادعة كلها تربي أولادنا معنا. أهمية دورنا هو في تحصينهم بالقيم ونكون نحن مثالا صالحا امامهم، وبعدها الاتكال على الله.
وحول إصداراتها، وعلاقتها بالنشر وسط ازمة عصفت بالاقتصاد والعملة وأسعار الورق وتكاد تعصف بالوطن كله، اعتبرت أنها في العام 2007 أصدرت أولى نصوصها الشعرية بعنوان «تجربة» وفعلاً كانت تجربة اختمرت في ما بعد، وأضافت: في العام 2016 أصدرتُ ديوان «اعتراف»، وفي العام 2018 ديوان «صدى الروح»، لديّ مجموعة من المقالات لمطالعات عن كتب صادرة في لبنان والوطن العربي نشرت في جريدة اللواء، ومجموعة من القصائد الجديدة لم تُنشر بعد.
وحول مستقبل الكتاب الورقي وازمته الراهنة وكيف تنظر إليها قالت: بصدق إنّ أزمة الكتاب موجودة منذ البدء فما بالك مع مشاكلنا الحالية والغلاء الفاحش لأسعار الورق، ازدادت تأزماً، وعلى الرغم من كل ذلك، أؤمن بأنّ الكتاب بخير الى حدّ ما طالما ان هناك أناساً يؤمنون به، هناك شعراء وأدباء على معرفة شخصية وتواصل معهم في لبنان وفي تونس وفي العراق يعملون اليوم على إصدار نتاجاتهم الأدبية والشعرية حتى في ظل هذه الظروف، كل ذلك بدافع من الشغف والتنفس عبر الكتابة.
وكيف نحافظ على الجمال والإبداع ونربي اجيالنا عليهما، في مواجهة الحروب الكونية علينا حصاراً وإبادة وعقوبات وتجويعاً، قالت: بمجرد أننا نكتب الجمال ونرسم الجمال، نقوم بعملنا الثقافي بإبداع مقرون بالأخلاق، نقاوم بذلك كل حروب الفساد والدولار والتزلف متسلّحين بالإيمان والامل، وهنا يراودني قول للكاتب الفرنسي الشهير ألبير كامو: «الثقافة هي صرخة البشر في وجه مصيرهم»، لذا لا يجب ألا نستسلم مهما كان مصيرنا قاتماً. واسمح لي هنا واسمح لي ان أوجه تحية الى روح الفنان مروان محفوظ الذي جعل من فنه وأخلاقه قدوة للأجيال، هذا الفنان الجميل قلباً وقالباً، غادرنا بصمت مثلما كان يعمل على فنه بصمت وحرفية وأخلاق، وكان لي الحظ أن أتعرّف إليه شخصياً ويفرح لنجاحي البسيط ويحفزني على المتابعة والمثابرة متسلحة بالأخلاق. فتحية الى روحه وستبقى أعماله حتماً محفورة في ذاكرة جميع أبناء العالم العربي.