«حقّ الدّم»!
} نصار إبراهيم
«لن نساوم على دماء الحريري… لا تنازل عن حقّ الدم»، هذا ما قاله سعد الحريري أمس 18 آب 2020 بعد صدور قرار «المحكمة الدولية» بشأن جريمة اغتيال رفيق الحريري في بيروت عام 2005، والتي استمرت 15 عاما، وكلفت مليار دولار.
لن أناقش في مضامين القرار، وطبيعة المحكمة، كما لن أناقش الأسس القانونية التي بنت عليها المحكمة قرارها، وهل هي مسيّسة أم مهنية، فهذا موضوع له رجاله وخبراؤه، وأنا لست من هؤلاء.
ما لفت نظري فكرة واحدة قالها الحريري بحسم ووضوح: «لا تنازل عن حق الدّم».
بالطبع إنني أتفهّم وأتعاطف وبكلّ صدق مع موقف سعد الحريري، فهو منطقي وأخلاقي وعادل، فكيف للإبن أن يتنازل عن حق دم أبيه!؟ حتى عصابات المافيا لا تتنازل عن حقها في الدم.
من موقع التفهّم والتعاطف هذا، تحضر وكنبت شيطانيّ فكرة القياس والمعادل، فإذا كان سعد الحريري حاسماً تجاه دم أبيه بكلّ هذا الوضوح، ويطالب بمعاقبة الجاني وبغضّ النظر أياً كان، وهو محقّ في ذلك، فلماذا لا يسحب سعد معادلته هذه على قضايا كبرى لها نفس وضوح مفهوم «حق الدم!؟»، سواء بالمعنى القبلي العشائري أو بالمعنى المدني القانوني… أو ما هو أبعد من ذلك بكثير.
فإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فلماذا يصطف سعد الحريري ويتحالف مع قوى لبنانية وأنظمة ودول عربية ارتكبت ما ارتكبت من مجازر بحق الشعب الفلسطيني، أم ليس هناك «حقّ دم» لفلسطين!
15 عاماً ولم يسقط حق دم الرئيس رفيق الحريري، فرفعت قميصه الغارق بالدم بعض الدول وبعض القوى وبعض السياسيين وبعض المتثقفين والإعلاميين وجعلوا منه «قميص عثمان» جديد، لكنهم في ذات الوقت يطلبون من الشعب الفلسطيني أن ينسى ويتنازل عن حقه في دماء الملايين من أبنائه.
ألا يعني، على سبيل المثال لا الحصر، تطبيع بعض الدول العربية وبعض القوى وبعض المثقفين والسياسيين مع الاحتلال الإسرائيلي، مساساً وتنازلاً عن «حقّ دم» الشعب الفلسطيني المسفوح منذ عشرات السنين!؟ وفوق كلّ ذلك يطلبون منه الصمت والسكوت والتنازل والمساومة فيحاصرونه ويعاقبونه ويصفون مقاومته بالإرهاب. كيف… كيف يمكن فهم وتبرير ذلك؟ كيف نفسّر هذا الفصام السياسي والثقافي والأخلاقي والسلوكي الفاضح!؟
يا أخي لا تعتبروا الفلسطينيين شعباً، اعتبروهم عشيرة، قبيلة، أليس لهم حقّ دم!؟