من يرد اعتبار سورية وحلفائها عن سنوات الاتهام السياسي باغتيال الحريري
} سعد الله الخليل
خمسة عشر عاماً قضتها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بالبحث عن الجناة الحقيقيين والمنفذين لاغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، لتصدر بعد مئات جلسات الاستماع وآلاف العيّنات والمعلومات حكمها بطي صفحة الاتهام السياسي لسورية وحزب الله بالقضية، وإعلان أن لا أدلة على التورط بالجريمة.
ومع خلوّ قرار المحكمة التي فاقت تكلفتها المليار دولار من أيّ جديد في ما يتعلق بمنفذي الجريمة، فإنّ الثابت الوحيد فيها براءة سورية وحلفائها كحقيقة لم تعد قابلة للجدال.
بعد خمسة عشر عاماً من التحقيقات و3000 صفحة تضمّنها الحكم في قضية اغتيال الحريري، ودعم دولي غربي وأممي كان ينتظر اللحظة السانحة لضرب سورية وحلفائها، لم تثبت المحكمة تورط سورية وحزب الله في جريمة ليس حباً بهما بطبيعة الحال، وبما أنهما أول المتضرّرين منها لا بدّ من فتح الأبواب واسعة، أمام إدانة كلّ من اتهم سورية وحلفاءها بالجريمة، لردّ الاعتبار لهم أولاً، ولكشف من استفاد من الاتهام ثانياً للتغطية عن الجناة الحقيقين، خاصة أنّ بيان المحكمة أكد أنّ الادّعاء قدّم أدلة وافية عن الاتصالات التي استخدمت باغتيال الحريري، وبيانات الاتصالات قادت إلى كشف الخلية، وأنّ متابعة المتهمين لتنقلات الحريري تؤكد الترصد وليس الصدفة في التفجير، ولو تضمّنت هذه الأدلة ما يدين سورية وحلفاءها، فمن البديهي أنّ المحكمة لم تكن لتوفرها للنيل من سورية.
من سيعيد الاعتبار لسورية وحلفائها بعد سنوات التضليل والاتهام السياسي الكاذب، الذي بنى عليها المحقق الألماني ديتليف ميليس تقريره الشهير والذي أشار فيه صراحة إلى تورّط مسؤولين سوريين ولبنانيين، ومن سيعوّض الضباط الأربعة عن سنوات السجن بشبهة التآمر لارتكاب جريمة القتل، دون تهمة من السلطات اللبنانية لمدة أربع سنوات، لتفرج عنهم المحكمة الخاصة عام 2009، نظراً للتناقضات في أقوال الشهود الرئيسيين وعدم وجود أدلة مؤيدة لدعم هذه الأقوال.
بعد صدور الحكم بقضية اغتيال العصر لم يعد يكفي الاعتذار لسورية وحلفائها، عن سنوات الاتهام السياسي من الأطراف اللبنانية التي شكلت بعد الاغتيال تيار 14 آذار، وبالرغم من إجماع هذه القوى على معاداة سورية ومحور المقاومة، لم ينفعها الإتجار بدم الحريري في الحفاظ على وحدة كيانه السياسي، فسرعان ما فرط عقد التحالف المبني على كره سورية… أطراف عليها اليوم الكشف عن حقيقة اتهامها دمشق، ودورها في الحرب على سورية خلال السنوات العشر الماضية، بدءاً من تشكيل الأرضية المناسبة لشيطنة سورية حول العالم، قبل الدخول في العمق السوري وإشعال فتيل الاحداث بدءاً من 2011، وصولاً إلى قضية السفينة «إم في روسوس» وتخزين شحنة النيترات التي تحملها في مرفأ بيروت لأكثر من ست سنوات، والتي هرّب جزء منها للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية، مروراً بمئات الأدلة على تورّط الأطراف المطالبة بالحقيقة بسفك الدم السوري بالدعم والتسليح على الأرض، وفي المحافل الدولية، وهل يُقبل الاعتذار من تلك الأطراف وهي التي أعلنت قبل سنوات عن تجهيز الزنزانات، ونصب المشانق لقيادات سورية وحزب الله تحت شعار الحقيقة؟
اليوم مطلوب من سورية وحلفائها السعي أكثر من أيّ وقت مضى للكشف عن الحقائق الكاملة، احتراماً لكلّ من تعرّض للترهيب والتنكيل والطرد من العمل وصولاً للضرب والقتل، دون وجهة حق من السوريين واللبنانيين على يد فريق الرابع عشر من آذار.
اليوم، وبعد أن أعلن وريث دم رفيق الحريري نجله سعد الحريري رئيس حكومة لبنان الأسبق قبوله بحكم المحكمة، يمضي خطوة إلى الأمام في مساره السياسي، بين المضيّ بمواجهة سورية وحزب الله بمطالبته بتطبيق قرار المحكمة، والإصرار على تبني الحزب المطلوبين وبين الاستفادة من الفرصة التاريخية بالعودة للتفاوض مع حزب الله دون أيّ حرج بعد صدور حكم المحكمة والقبول به.
بغضّ النظر عن سلوك الحريري في الداخل اللبناني ثمة ما يهمّ السوريين أن تكشف حقائق بُنيت عليها فرضيات إتهام سورية، بدءاً من مصير من اعتبرته المحكمة الشاهد الملك محمد زهير الصديق، والذي وُضع منذ خريف 2005 في عهدة المخابرات الفرنسية، التي تولّت حماية الفيلا المقيم فيها على ضفاف السين، ثم اختفى فجأة عام 2008 وسط صمت السلطات الفرنسية الموكل إليها حمايته، ما يشير إلى سعي الحريري وباريس لإخفاء الصدّيق وإبقاء مصيره مجهولاً، كمصير هسام هسام الذي أعلنت مجموعة تقول إنها تنتمي إلى «الجيش السوري الحر» القبض عليه في دمشق، حيث ظهر في تسجيل مصور يؤكد امتلاكه لمعلومات لم تكشف من قبل عن الجريمة، حينها اعتبرت المجموعة الإرهابية القبض على هسام هدية «ثوار سورية» للحريري، فأين أصبحت الهدية وما هي المعلومات الثمينة التي يحملها؟ والتي كتمها الحريري عن المحكمة، وعلى ما يبدو أنّ إخفاء الشهود الزور جزء من طمس معالم الاتهام السياسي لسورية وحلفائها، في محكمة كلّ ما توصلت إليه مجهول، ما يؤكد أنّ الحقيقة الدامغة في مقتل الحريري تخفيها المحكمة خلف ما هو مجهول في قراراتها.