انقلاب مالي نكسة لفرنسا والديمقراطيّة بلا مال لا تعمل!
خسرت فرنسا أحد محاوريها الرئيسيين في الساحل منذ 2013 مع رحيل رئيس مالي من السلطة، حيث شكل الانقلاب العسكري في مالي ضربة لاستراتيجية فرنسا المنخرطة بكثافة في الساحل، حيث تنشر أكثر من خمسة آلاف عسكري لـ»مكافحة الجهاديين بالتعاون مع الحكومات المحلية».
وعلى وقع اتهامات بالفساد وسوء الإدارة، استقال رئيس مالي ابراهيم بوبكر كيتا، بعدما اعتقله الجيش بعد أسابيع من الاحتجاجات الشعبية.
ومع رحيله من السلطة خسرت فرنسا أحد محاوريها الرئيسيين في الساحل منذ 2013 في بلد تركز فيه القوة المستعمرة السابقة القسم الأكبر من مجهودها العسكري. كما تعد مالي منجم ذهب أفريقيا.
ورأى الرئيس إيمانويل ماكرون أن «مكافحة التنظيمات الإرهابية والدفاع عن الديموقراطية ودولة القانون لا ينفصلان»، مشيراً إلى أن «التخلي عن ذلك يعني التسبب بانعدام الاستقرار وإضعاف معركتنا. وهذا غير مقبول»، حيث دعا إلى «إعادة السلطة إلى المدنيين».
لكن هذه الاحتجاجات لم تثن العسكريين عن الإطاحة بالرئيس، واعدين بتنظيم انتخابات «ضمن مهلة معقولة». وأعلنت «حركة 5 يونيو» المعارضة أن ما حدث ليس انقلاباً عسكرياً على الإطلاق، إنما نتيجة طبيعية لـ «ثورة الشعب».
وبالفعل، ففي الأشهر الأخيرة، خرج الآلاف في مظاهرات المعارضة في الجمهورية، للمطالبة باستقالة الرئيس، متهمين إياه بـ»التواطؤ في الفساد وتزوير إرادة الشعب».
ومن المرجح أن يتم الإعلان أن ذلك كله كان نتيجة لـ»انتصار الديمقراطية»، بل و»عملية ديمقراطية».
«الديمقراطية»، إذا كنا نتحدث عن مالي، كلمة مفصلية. فحتى وقت قريب نسبياً، كان هذا البلد يُعد ديمقراطية راسخة ومتطورة نسبياً وحتى متقدّمة وفقاً للمعايير الأفريقية. وكان يمكن للماليين أن ينظروا باستخفاف إلى جيرانهم عندما يتعلق الأمر بجميع مؤشرات الديمقراطية.
إنما بخلاف ذلك، كان كل شيء سيئاً للغاية، من مؤشرات متوسط العمر ووفيات الرضع، إلى متوسط دخل الفرد وتوافر السلع الأساسية. وما يغني عن الكلام، أن نصف رجال مالي فقط يعرفون القراءة والكتابة، وثلث النساء.
ونظراً لكونها تحت وصاية عسكرية وسياسية فرنسية، لم تنحدر مالي إلى دكتاتورية نموذجية، وكان الرئيس الماكر كيتا مستعداً دائماً للتعاون مع أي ناشط في مجال حقوق الإنسان. ولكن، يبدو، الآن، أن كل شيء وصل إلى نقطة حرجة. وما يحدث لا يناسب باريس بحدة، ما يعني إمكانية حتى التدخل العسكري هناك، والفوضى، وكثير من الدماء، وانهيار البلد البائس، الذي يعاني سكانه من فقر، وفقاً لمعايير القرن الحادي والعشرين، يبدو غير لائق.
ومن خلال الانقلاب الجديد، تؤكد مالي مرة أخرى الحقيقة المعروفة منذ زمن طويل. فالمؤسسات التقدمية، التي شيدت بعناية على الطريقة الغربية، لن تعمل إذا كان جميع السكان تقريبا بالكاد يتدبّرون لقمة عيشهم. سوف تتعرض البلاد إلى ما لا نهاية له من الاضطرابات والثورات والانقلابات، ببساطة، لأن الناس ليس لديهم ما يأكلونه.
وفي سياق متصل، اعتبر خبير منطقة الساحل في مجموعة الأزمات الدولية جان إرفيه جيزيكيل، أنّ ما حصل عودة «إلى خانة الانطلاق»، مضيفاً أن «8 سنوات من الجهود والاستثمار والحضور أفضت في النهاية إلى العودة بالوضع في مالي إلى وقت الانقلاب عام 2012».
وتابع: «مع وضع مضطرب أيضاً في باماكو وانتفاضات مسلحة أكثر عنفاً وأعمال عنف متزايدة بين المجموعات».
وقال جيزيكيل إن «على فرنسا ودول الساحل والشركاء الآخرين أن تراجع حقاً الخيارات الاستراتيجية التي قامت بها في السنوات الماضية»، لافتاً إلى أنه «لا يمكن ضمان أمن منطقة بشكل مستديم من دون تغيير أنماط الحكم فيها».
واعتبر مايكل شوركين، من مركز «راند» الأميركي للدراسات أن «هذا الانقلاب نكسة لفرنسا» التي استثمرت بزخم منذ سبع سنوات لمحاولة «مساعدة مالي على الخروج من المأزق»، وفق تعبيره.
وأضاف أنه «في الوقت نفسه، من المحتمل من حيث المبدأ أن يفضي ذلك إلى نتيجة إيجابيّة في المستقبل، إذا سُمح بتنصيب حكومة أكثر فاعلية وشرعية».
وشدد شوركين على أن «مالي في عهد إبراهيم بوبكر كيتا لم تكن تحقق سوى تقدم ضئيل، أو ربما لا تقدّم على الإطلاق على الصعيد الأمني».
وكانت السلطات الفرنسية تشكك في الأحاديث الخاصة في قدرة الرئيس المالي السابق في تحقيق تقدم على صعيد الأمن والحوكمة في بلاده. ومن المتوقع أن يؤدي الانقلاب والبلبلة السياسية التي قد تليه إلى تعقيد مهمة الدبلوماسيين والعسكريين الفرنسيين.
وأوضح قصر الإليزيه أنه «يجب التركيز على عودة سلطة مدنية ودولة القانون، مع أولوية أخرى هي عدم تلاشي الالتزام بمكافحة الإرهاب».
وحرصت المجموعة العسكريّة التي استولت على السلطة في مالي على التأكيد أن «السلام في مالي أولويتنا»، مشيرةً إلى أن «القوات الإقليمية والأجنبية المنتشرة في البلاد تبقى شريكتنا».
في غضون ذلك، علق الكولونيل الفرنسي المتقاعد ميشال غويا، بأن «الأمور ستكون أكثر تعقيداً بقليل على العسكريين الفرنسيين»، موضحاً أنه «من الممكن مواصلة العمليات بشكل ذاتي، لكن التعاون مع القوات الماليّة قد يتوقف».
بموازاة ذلك، لفت الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إيلي تيننباوم، إلى أنه في وقت تسعى باريس جاهدة منذ أشهر لإقناع أوروبا بمؤازرتها في الساحل، «لن أُفاجأ بأن يضعف ذلك عزيمة الشركاء الأوروبيين المتمنعين قليلاً بالأساس، بشأن تاكوبا ومشاريع أخرى، وكذلك بلدان مجموعة دول الساحل الخمس».
من جهته، دعا مجلس الأمن الدولي، قادة التمرّد في مالي إلى العودة إلى ثكناتهم والإفراج الفوري عن كل المسؤولين الحكوميين المعتقلين.
وقدّم الجنرال «أسيمي كويتا» نفسه قائداً لمجلس إنقاذ مالي الذي شكله قادة الانقلاب العسكريّ خلال اجتماع عقده مع الأمناء العامّين للوزارات.
كويتا سمّى نفسه «رئيس اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب» التي أطاحت الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وشدّد على أنّ مالي تعيش أزمة سياسية واجتماعية وأمنية ومن غير المسموح به ارتكاب الأخطاء.