مسؤولية الغرب مما يحصل…
نقولا تويني*
نجحت الحركة الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية في إنشاء دولة «إسرائيل» مرتكزة في الظاهر على أساطير كاذبة من التوراة المعدلة غبّ الطلب، وبالفعل على مشيئة خطة دولية للعالم الرأسمالي الغربي المسمّى بـ «الحر». كان من نتائجه التضحية بحقوق شعب فلسطين وإنشاء سفارة عائمة على القوة والظلم لكبح التطلعات العربية الوطنية وحركات التحرر الناشطة.
والسبب الآخر لإنشاء هذه الدولة هو إيجاد حلّ تصديري للمشكلة اليهودية التي لم تتمكّن الديمقراطيات والملكيات الغربية من حلها عبر العهود منذ القرن الخامس عشر، والقرار الغربي بعد الحرب المظفرة على النازية الأوروبية والتطلع الوطني الياباني والإيطالي والألماني. وبدلاً من إعادة حقوق اليهود الأوروبيين المغتصبة على يد قوات موسوليني وهتلر وفيشي تمّ اتخاذ القرار لتصدير اليهود الى الشرق وإزاحة الشعب الفلسطيني من أرضه بشتى وسائل القتل والاحتلال…
بعد إرساء الدولة العرقية الطائفية اليهودية خاضت حروباً مظفرة ضدّ العرب وانتصرت وتوسّعت وفرّقت وأسّست لتفاعلات عرقية وطائفية قاتلة في دنيا العرب.
وحققت أيضاً نجاحات مهمة في دنيا العالم الغربي المسيحي، فنجحت في طباعة وتوزيع شامل لما سُمّي بـ «الكتاب المقدس» الذي يجمع التوراة المعدّلة مراراً إلى الأناجيل مما لم يوجد من قبل في اللاهوتية الشرقية أو الغربية، وتطوّرت حركات مسيحية كبيرة في أميركا خاصة تدمج اليهودية والمسيحية في مبدأ انتظار ظهور أو عودة ابن الرب السيد المسيح، وابتدأ المحللون والمؤرّخون يتكلمون عن «الحضارة اليهودية المسيحية»، وابتكروا نماذج عقلية مركبة لفهم تطوّر الحضارات في التاريخ علماً للجميع أنّ علماء آثار صهاينة منهم موشي ديان نبشوا كلّ أرض فلسطين ولَم يعثروا على فخارة واحدة تثبت وجود هذه الدولة أو الحضارة التي تحجّجوا بها لإنشاء دولتهم، والكلّ يعلم انّ ليون بلوم رئيس وزراء فرنسا كان اتفق والحركة الصهيونية لإنشاء مستعمرة يهودية في القامشلي سنة ١٩٢٨، وكذلك اتجاه الحركة الصهيونية الأول لإنشاء الدويلة في أوغندا أثناء المحادثات مع بلفور، قبيل إطلاق «وعد بلفور» من الحكومة البريطانية. ولا ننفي وجود الدولة الخزرجية على ضفاف الامبراطورية البزنطية وذلك حديث آخر…
تمّ تحوير وتبديل طبعات التوراة مراراً من وعد ابراهيم الذي أصبح من النيل إلى الفرات، كذلك أكذوبة قدوم موسى من مصر، وتمّ دمج التوراة بالأناجيل وتعميم مبدأ أنّ المسيح كان من أصل يهودي، ولَم يسأل أحد كيف هذا؟ وما هو الإثبات في ذالك؟ ولماذا لم يكن لأهله بيت في أورشليم بل ولد في مغارة…
«إسرائيل» هي مغامرة تاريخية من الغرب الغازي للشرق عنوانها الأساسي الكذب والتزوير والمزج بين الحقيقة والكذب واغتصاب أرض وحقوق أهل أرض فلسطين والبلاد العربية.
كلما ابتعد الغرب عن الاعتراف بهذه المجزرة التاريخية المدبّرة كلما سار الى التراجع الخلقي والحضاري والاقتصادي، والانسحاب الغربي المزلزل من الشرق سببه الأول استعادة عافية بلدان الشرق والتطوّر الحضاري الشرقي المتسارع.
لن يعود الغرب إلى عافيته بالمنظور القريب، فكبت وظلم شعب بأسره وقتله واستغلاله عار عليهم لا يمكن إلا أن يؤدّي الى هدم الهيكل المبني على الباطل، فحرب سنة 1973 وسنة ٢٠٠٠ وسنة ٢٠٠٦ خير تعبير عن التبدّل في موازين القوى لصالح الحقيقة…
*الوزير السابق لشؤون مكافحة الفساد