عقيدة الحياة لا تستحق العيش في غابة الموت!
} كلود عطية
قد لا تجوز الكتابة في حضرة الموت ولا حتى الكلام أو الصراخ أو الكفر أو التهويل والعويل… إلا أنني أردت الكتابة بصمت الألم وبحبر يشبه الدم ينزفه القلم.. علني أخرج من ذاتي المسجونة في جسد الغضب ومن روحي المعقودة من قضبان التربية والأخلاق واحترام الآخر… ومن انتمائي المقتول عمداً بخنجر الوطنية المفروضة بحكم المناقبية والعقيدة… التي أردتها للحياة والعزّ والنصر الدائم على نفسي الجاهلة والمرتهنة للخطيئة وملذات العيش في تلك الغابة المتوحشة التي ولدت فيها…
ها هي العقيدة تكسر كلّ القضبان.. ها هي الحرية تلوح لي.. سأعيش بين البشر، وسأتحرّر من العبودية، وسأجد لي مكاناً في بلد اسمه «لبنان» علني أعرف الله والإيمان والأديان والمذاهب المتعانقة محبة حتى الادمان…
سأنهض من كبوتي وينهض بلدي ونحيا معاً… أموت ويبقى بلدي وينتصر المجتمع على الطغيان ليبقى الإنسان… ويبقى لبنان وتبقى العقيدة على مدار الأزمان… وبعد…
نلت شرف الوجود في هذا الكيان… ومن منطلق العقيدة لا بدّ أن يكون وجودي لزرع الورود والجمال والحق والأخلاق والخير لأبناء بلدي، علنا نكون واحداً في الحرب والسلم، في الأزمات وفي النكبات.. فكانت الحرب بيننا، وكانت نكبتي.. ولم تزهر عقيدتي في ربيع لبنان… ولم يزهر ربيع شبابي…
ها أنا أنحني أمام دماء رفقائي، ولا أستطيع الوقوف وقفة العزّ في بلد أردنا له العزّ فاختار لنفسه الذلّ! أردنا له السيادة فاختار التبعية حتى العبادة! اخترنا له الحرية فاختار العبودية، اخترنا له الاخاء القومي فاختار الطائفية والمذهبية والمناطقية والمجرمين والقتلة والخونة والمأجورين…
اخترنا لبلدنا الجمال… فاختار جبال النفايات… وبحر الدم، وسهول المخدرات، وشوارع القتل والكره والسرقات والخوات والتعديات.. اخترنا له النظام والقانون فاختار لنفسه قانون الغاب والتعديات والفساد وتقاسم المغانم والتدخل بالقضاء وتسييس الأحداث والجرائم والمصائب…
كم أنا خائب.. من بلد لا يحترم الإنسان ولا يعرف معنى الإنسانية.. كم أنا حزين على بلد لم يحكم بالأخلاق يوماً ولم يعرف القيم.. كم أنا متعب ومرهق من بلد مزقته الطائفية البغيضة وحوّلت شعبه الى مجموعة حاقدين متآمرين متزلمين عملاء مدسوسين في كلّ مكان لزرع الخراب والدمار والفتن…
ها أنا أحصد أرواح شهداء أعزاء.. وأبكي دمع أمّ الشهيد.. وأحزن حتى الموت.. لأنّ عقيدة الحياة لا تستحق العيش في غابة الموت.. ولا تستحقّ العيش بخجل ولا بتردّد ولا بخوف.. أؤمن بأنّ عقيدتي ستنتصر.. ولكنني لا أعرف متى يكون موعد الانتصار.. ولكنني سأبقى أقاوم.. لأنّ المقاومة وحدها طريق الخلاص والبقاء.. والانتقام لدماء الشهداء…