ما الذي يهمّ اللبنانيين اليوم ومن يسعى للهيمنة… وما المطلوب وطنياً في هذا الوقت العصيب؟
} حسن حردان
في سياق التحريض ضدّ خيار توجه لبنان لقبول المساعدة الصينية، وغيرها من المساعدات المعروضة من دون شروط، لإعمار بيروت وحلّ مشكلات الشعب اللبناني، الخدماتية، من كهرباء ونفايات وطرق إلخ… سارعت الجهات الموالية للخيار الغربي، إلى التحذير من أنّ حزب الله وحلفاءه يريدون استغلال الانفجار وما تسبّب به من دمار هائل من أجل الاتجاه بلبنان «إلى التطلع إلى الأموال والخبرات الصينية لترميم بيروت والمرفأ»، وإنه «من شأن عامل السرعة وغياب الشروط اللذين يرافقان الدعم الصيني أن يوفرا طريقاً مختصراً لحزب الله لاستباق القوى الأخرى المتدخلة كمنقذة للمدينة، وأن يرفعا مستوى هيمنته على المشهد السياسي لتبلغ حدّ الاستئثار بالقرار»…
لقد بات مثل هذا الكلام يُضَخ يومياً من قبل إعلاميين وسياسيين امتهنوا الدفاع عن الغرب والتبعية له بشكل أعمى…
ومعروف انّ هذه الجهات لا همّ لها سوى العمل، ليل نهار، على التحريض ضدّ حزب الله وتصويره على أنه كابوس يريد الهيمنة على لبنان والاستئثار بالقرار اللبناني… مع أنّ مثل هذا الإتهام لا أساس له من الصحة إطلاقاً، إلا أنّ الهدف منه تضليل اللبنانيين وإخافتهم، من دون وجه حق، من أن ينجح حزب الله بتحقيق ما يدعو إليه من ضرورة توجه لبنان نحو قبول المساعدات الصينية، والعراقية والإيرانية والروسية، في ظلّ عدم مسارعة الغرب أو تخليه أو بطئه في الإقدام على ذلك…
لكن ما الذي يهمّ اللبنانيين فعلياً في هذا الوقت العصيب الآن؟ ومن هو الذي يسعى فعلياً إلى الهيمنة والإستئثار؟ وما المطلوب وطنياً لمواجهة الكارثة والأزمات المتفاقمة على غير صعيد…
أولاً، إنّ ما يهمّ اللبنانيين اليوم إنما هو إيجاد الحلول السريعة لأزماتهم، لا سيما إعمار ما دمّره الانفجار أو التفجير، قبل حلول فصل الشتاء، وكذلك إيجاد الحلول السريعة للأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية والخدماتية، بما يقود إلى التخفيف من معاناة الناس… ولا يهمّ إنْ تمّ ذلك عن طريق مساعدات صينية أو غربية، لكن المهمّ أن يتحقق ذلك بسرعة ومن دون شروط، كالتي يطرحها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتستهدف ابتزاز لبنان وإخضاعه مقابل تقديم قروض له على شكل مساعدات… ونسأل في هذا السياق، لماذا لا تطالب الجهات، التي لا تحبّذ المساعدات الصينية غير المشروطة والسخية والسريعة، الدول الغربية بالحذو حذو الصين بتقديم عروض مشابهة والكفّ عن وضع الشروط وتخيير اللبنانيين بين الخضوع لشروط أميركا و»إسرائيل»، أو مواجهة الجوع… فكيف يكون صديقاً للبنان وشعبه من يضع لبنان بين هذين الخيارين؟
ثانياً، إنّ من يسعى إلى الهيمنة على لبنان، والاستئثار بالقرار اللبناني، ليس حزب الله الذي هو حزب لبناني أسهم في تحرير الأرض المحتلة من العدو الصهيوني وحمى ويحمي لبنان من التهديدات والأطماع الصهيونية، وإنما من هو من يسعى إلى هذه الهيمنة والاستئثار، إنما هو الغرب والقوى الموالية له والمستقوية به على القوى المعارضة لها في الداخل.. وذلك على حساب مصالح لبنان وشعبه وحرية قراره الوطني واستقلاله وسيادته…
فهل يُمكن المساواة بين من حرّر الأرض ويدافع عن بلده ويقدّم التضحيات الجسام ويبذل الجهود لتأمين المساعدات لحلّ أزمات لبنان واللبنانيين بأقلّ الأكلاف ومن دون شروط… وبين من يعمل ليل نهار لمنع هذه المساعدات غير المشروطة، ويدعو في المقابل إلى الرضوخ للشروط الغربية والصهيونية، بمنح لبنان قروضاً من صندوق النقد الدولي ومؤتمر سيدر، وليس مساعدات، مقابل الموافقة على عزل المقاومة بإقصاء حزبها وحلفائه عن السلطة، وفرض تشكيل حكومة تابعة للغرب تُمكنهُ من إعادة فرض هيمنته الكاملة على لبنان، وفرض اتفاقٍ لترسيمِ الحدود البحرية والبرية يحقق الأهداف والأطماع الصهيونية على حساب لبنان.
ثالثاً، إنّ المحنة التي يعيشها لبنان هذه الأيام إنما تستدعي من الجميع التنافس في العمل على الخروج منها، وليس استغلال المحنة ومعاناة الناس لتحقيق مآرب خاصة… ففي المحن يتبيّن معدن الإنسان ومدى انتمائه الوطني واستعداده لتغليب المصلحة العامة على مصالحه الخاصة.. ولبنان اليوم في محنة كبرى بدأت قبل ٤ آب وزادت بعده، وتستدعي من جميع القوى التكاتف للخروج منها عبر توظيف جميع علاقاتهم للإتيان بالمساعدات الاقتصادية والمالية غير المشروطة.. لكن للأسف الشديد فإنّ هناك من يرفض ذلك ويُمعن في استغلال المعاناة والأزمات لخدمة مصالح الغرب وتنفيذ انقلاب سياسي يُمكنهُ من الهيمنة على السلطة، كما فعل عام 2005 عندما سارع إلى استغلال جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قبل أن يجفّ دمه…
رابعاً، إنّ الاتعاظ من التجارب إنما هو دليل عافية وليس دليل تراجع، دليل قوة وليس دليل ضعف… وما حصل على الأقلّ منذ عام 2005، وما نتج من انقسام حاد واضطراب وتفاقم للأزمات جعل لبنان يغرق أكثر في أكبر أزمة في تاريخه الحديث، يجب أن تُستخلصُ منه الدورس والعبر لعدم تكرار الوقوع فيه مجدّداً.. لا سيما أنّ لبنان لا يحتمل ترف الدخول مجدّداً في أزمة مديدة قد تقضي على فرص ثمينة متوافرة الآن للخروج من أزماته…
فاليوم لدى لبنان مقاومة مقتدرة وقادرة على ردع العدوانية والأطماع الصهيونية، وفي المقابل هناك تنافس دولي على تقديم الدعم والمساعدات للبنان… والمطلوب الآن العمل على الإستفادة من كلّ ذلك لتشجيع دول العالم على التنافس في ما بينها لتقديم المساعدات السخية للبنان غير المشروطة، لحلّ أزماته المتراكمة التي يعاني منها، وإعادة اعمار بيروت… بذلك فقط نخرج من المحنة ونتجنّب إضاعة الفرص وتكرار التجارب المرة، والرهانات الخائبة على الاستقواء بالخارج…