التفجير الثاني يستكمل ما فشل فيه التفجير الأول
ناصر قنديل
– لا يحتاج المرء لكثير من الذكاء ليكتشف أن هناك حملة سياسية داخلية لها برنامج وأهداف اتخذت من تفجير المرفأ وحجم الكارثة التي نتجت عنه، وعنوانها طرح الحياد مرّة ونزع سلاح المقاومة مرة، واعتبار طريق الإنقاذ المطلوب هو القبول بدفتر الشروط الغربي الخليجي الذي يبدأ بسلاح المقاومة، ويمرّ بأمن «إسرائيل»، والتغاضي عن الحلول الغربية الخليجية لقضية فلسطين القائمة على أولوية التطبيع مع كيان الاحتلال على أيّ حل يضمن عودة اللاجئين، وما يعنيه ذلك مع التفريط بسلاح المقاومة كمصدر قوة للبنان، من جعل التوطين خياراً حتمياً. ويختلف هذا البرنامج المواكب لتفجير مرفأ بيروت، عن البرنامج الذي واكب تفجير اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي قام يومها على أولوية تطمين المقاومة إلى أنها غير مستهدفة، لتركيز الجهد على إخراج سورية كعنوان أول للقرار 1559، واستناداً لما كان يدبّر من حرب إسرائيلية يراهن أصحابها على أهليتها لحسم مصير السلاح، وهذان سببان لم يعد لهما مبرر وجود، الأول لأنه صار خارج البحث والثاني لأنه فوق القدرة.
– تصويب الغضب الناجم عن تفجير المرفأ نحو المقاومة وسلاحها ليس عنواناً حصرياً للأصوات الداخلية السياسية والإعلامية ومداخلات بعض المرجعيات الدينية، فالمداخلة الغربية التي بدأها الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون تحت عنوان حكومة وحدة وطنية، مدخلها الانفتاح على المقاومة، شهدت تراجعات واضحة، لصالح التريث، ومنح الوقت للضغوط التي تستهدف المقاومة، في ظل حملة إعلامية خارجية تستعيد مشهد التفجير الأول الذي أدّى إلى اغتيال الرئيس الحريري، فالمجلة الألمانية ديرشبيغل التي قادت التحقيق المزوّر والمفبرك في التفجير الأول، بقرار استخباريّ واضح من مصادر المعلومات والسيناريوات المبرمجة، تستعيد المهمة ذاتها مع التفجير الثاني الذي استهدف مرفأ بيروت، والعنوان هو نفسه، تحقيق دولي واتهام للمقاومة باستيراد الأمونيوم، ولا شيء يمنع مع منظومة إعلامية لبنانية مموّلة خليجياً من تحول هذا السيناريو إلى مشروع صناعة رأي عام، تصنع في خدمته شهادات الزور، والروايات المفبركة، ولا زالت تجربة التحقيق في التفجير الأول حاضرة أمامنا بما تخللها من أكاذيب وفبركات، كانت تتم عبر الإعلام قبل أن تتم في عمل المحققين.
– الإسرائيلي لم ينكر مسؤوليته عن إدارة حرب نفسية منظمة تحدثت عنها صحيفة «إسرائيل اليوم»، التي قالت إن هناك غرفة عمليات تديرها الاستخبارات تتولى تحريك شبكة إعلامية واسعة النطاق ضمن الكيان وخارجه، لتوظيف الفرصة التي يوفرها تفجير المرفأ في خوض حرب نفسية تحقق التوازن مع الإنجازات التي حققتها المقاومة في الحرب الموازية. وفي ظل كل هذه المعطيات الداخلية والخارجية تتعزّز الأسئلة التي طرحت من اليوم الأول حول ما إذا كان التفجير نتيجة صدفة يكفي لتفسيرها الفساد والإهمال، أم أن التفجير هو الجولة المؤجلة من حرب تموز 2006، التي لا يجرؤ كيان الاحتلال على خوضها مباشرة، فاعتمدت في تنفيذها تقنيات وأساليب متطورة لحروب الاستخبارات، لتحقيق ما لم ينجح التفجير الأول في تحقيقه، ولا نجحت حرب تموز كذلك، ويُراد لهذه الجولة أن تنجح، ويحفز هذه الفرضية ما هو أبعد من محاولات التوظيف في شيطنة المقاومة، والتصويب عليها داخلياً وخارجياً، إذ يكفي التساؤل عن الصلة بين التفجير والتطبيع الإماراتي الإسرائيلي، ومحوره تحويل مرفأ حيفا إلى المرفأ الأول على المتوسط، باعتباره منفذ الاستيراد الوحيد من أوروبا إلى الخليج، وربما جعله مع مرفأ دبي محطتين للترانزيت الصيني نحو اوروبا، وهذا مستحيل من دون شطب مرفأ بيروت عن الخارطة الاقتصادية، لوقت كافٍ يبرر لجوء مستودع الخليج التجاري الذي تمثله الإمارات إلى مرفأ بديل؟