الأدب الوجيز بحثٌ في نمط جديد
} د. عبدالله الشاهر
في الحقيقة لا نستطيع أن نتنبأ بملامح الشّعر في المستقبل، لكن لا بدّ أن نعي اليوم أنّ شعرًا مختلفًا يتشكّل وأنّ تجاربَ شعريّة جديدة وغير متوقعة تنشأ، وأنّ تجارب أخرى تندثر وتنهار وهذا يجعلنا نوقن أنّ شعرًا جديدًا يتشكّل…
لذلك فإنّ الأدب الوجيز ليس حالة طارئة وإنّما هو حركة تجاوزيّة، والشّعراء الذين كتبوا في الأدب الوجيز أصبحت نصوصهم أكثر تماهيًا مع الحدث… وأنّ بعضهم هجر شعر التّفعيلة إلى غير رجعة، وآخرون تخلّوا عن النّصوص الطّويلة والبلاغة لصالح العبارة التي تكتسب شعريتها بعيدًا عن الصّورة والمجاز، وإنّما إلى الواقع الأقرب أو ربما إلى الخيال وقد اعتمدوا في بناء نصّهم على مفردات جديدة اجتاحت معجمهم اللّغوي… هؤلاء نجوا من فخ المباشرة والأيديولوجيا لكن من دون أن يلغوا مسافة الرّؤية التي تتيح لهم التقاط الحدث وتحويله إلى كائن ثابت في اللّغة الشّعريّة.
بالتّأكيد هناك معجم جديد تشكّل وسيتشكّل، وللأدب الوجيز في هذا المعجم المساهمة البارزة ذلك أنّه من خلال هذا المعجم الجديد ستتم إعادة طرح أسئلة الانتماء والهوية والثّقافة الوطنيّة والقوميّة، هذه الأسئلة التي برزت بخطوطها العريضة إلى الواجهة والتي بدا من خلالها أنّ الأدب الوجيز معني، ومعوّل عليه أن يُعيد صياغة الذّهنية الثّقافية على أساس قاعدة الاستنهاض المتجدّد.
لذلك بدا في نصوص الأدب الوجيز الإلحاح على صور الاغتراب والنّفي الوجوديّ والروحيّ مع نفي عميق للذّات ولكن بإبراز روح التّحدّي والمجابهة مع تفاوت واضح واختلاف في طرح طرق الخلاص، أو إقامة البدائل…
فقد توسّع الأدب الوجيز في تجزئة الفجيعة…
فهناك فجيعة ذاتيّة، وفجيعة كونيّة، وفجيعة روحيّة ودنيويّة…
والفجيعة هذه لا تعني فجيعة الجسد فقط، وإنما هناك فجيعة للطّبيعة، وفجيعة للعاطفة، وفجيعة للموقف، وفجيعة للمعتقد، وفجيعة للزمن، وفجيعة للمكان، وفجيعة للإبداع والطموح، وفجيعة للتّاريخ والحضارة، وفجيعة للرجولة…
هذه الفجائعيّة فتحت آفاقًا واسعة أمام الأدب الوجيز، حيث استفاد من هذه التّجزيئية فأغناها وجعل لها دلالاتها الواسعة باستخدام مفردات اللّغة استخدامًا جديدًا مفتوحًا على كثرة ما حملها من إيحاءات، وهو بهذا التّوجه يرى – أي الأدب الوجيز – أنّه لا يكتب حكاية سرديّة أو وصفًا لأشياء وإنّما يرى في نصه قراءة جديدة للحدث والعالم من خلال التّكثيف، والتّشكيل البصريّ، والدّفق العاطفيّ، والدّهشة أو ما يدعى بأفق الانتظار، والانزياح، والإيقاع الدّاخليّ.
إذًا الأدب بشكل عام غير قابل لأن يحدّد بحدود الزّمان والمكان لارتباطه بمكنونات النّفس وتناقضاتها وتضادها أو انسجامها، وهذا التّضاد قد شكّل ومنذ الأزل منبعًا دافئًا للأدب، ووسيلة مثلى للأديب ليظهر الجانب الجماليّ اللامرئيّ من العالم… حيث يولد الأدب بأشكال جديدة تصنعها الحاجة لترميم الشّرخ الإنساني.
وعلى هذا الأساس فإنّ الأدب الوجيز يسعى إلى البحث عن مناطق تكسّر النّمط، وتتمرّد على السّيادة الإجناسيّة، بحثًا عن أقصر طرق التّواصل بين المبدع والمتلقي، والأديب المدرك لتقاطعات العلاقة يتجاوز حدوده إلى وجوده.
وهذا هو الأدب الوجيز باختصار…
*من أصدقاء ملتقى الأدب الوجيز- سورية.