الوطن

الأميركيّون يأخذون لبنان رهينة للضغط على إيران! محاولة جدّيّة لتسويق نواف سلام تصطدم بـ«فيتو» «الثنائيّ»

 

} محمد حميّة

جاء انكفاء الرئيس سعد الحريري عن الترشح لتأليف حكومة جديدة ليزيد المشهد الحكومي تعقيداً وغموضاً وليوجّه صفعة قوية للمبادرة الفرنسية قبيل أيام من الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الى لبنان، ما يعزز الاعتقاد بأن ولادة الحكومة العتيدة والحل في لبنان باتت مرتبطة بالحل في المنطقة والمفاوضات غير المباشرة الجارية على خط واشنطنطهران.

فالملف الحكومي بحسب مطلعين على الوضع اللبناني والتطورات في المنطقة يتوقف على عاملين: الأول خارجي يتعلق بالجهود الفرنسية ومدى نجاح الرئيس ماكرون بتحقيق خرق مع الأميركيين لفصل الملف اللبناني عن الوضع في المنطقة والتوصل الى تسوية سياسية داخلية ولو مؤقتة تحقق نوعاً من الاستقرار السياسي وتفتح الباب جزئياً على الدعم المالي والاقتصادي الدولي والعربي للبنان. لذلك يعتبر الفرنسيون أن المرحلة الفاصلة عن الاستحقاق الرئاسي الأميركي فرصة للتوصل الى هذه التسوية. لكن مطلعين على المبادرة الفرنسية لا يرون مؤشرات على نجاحها خلال وقتٍ قريب رغم الاتصالات التي فُعِلت أمس، على خط عين التينةبيت الوسطرؤساء الحكومات السابقين لإنجاح المبادرة الفرنسية والاتفاق مع الحريري على مرشح يسميه هو.

إلا أن مصدراً مطلعاً على الجهود الفرنسية ومشاركاً في الاجتماعات الفرنسيةاللبنانية كشف لـ»البناء» أنه «لم يلمس من الرئيس الفرنسي والمسؤولين الفرنسيين في بيروت مبادرة فرنسية جدية تتضمن حلاً متكاملاً، بل الأمر يقتصر على أفكار عامة ومساعٍ لتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين»، ما يعني بحسب المصدر أن «الأميركيين لم يتخذوا قراراً نهائياً بحل الملف اللبناني».

أما العامل الداخلي الذي يمكن أن يدفع باتجاه تحريك الملف الحكومي، فقد يكون حدثاً أمنياً (اغتيال سياسي أو عمل إرهابي) يعيد البلد الى مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري او انهيار مالي اقتصادي كبير قد يدفع الأطراف الداخلية الى الاتفاق على حكومة جديدة، وهذا ما بدأ يتحدث عنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتسرّبه وكالات اعلامية أجنبية ومحلية، من أن «المركزي» سيعمد الى رفع الدعم عن المواد والسلع الأساسية كالقمح والمحروقات والادوية. أمرٌ من شأنه أن يفجّر «ثورة» اجتماعية شعبية عارمة شبيهة بأحداث تشرين الماضي قد تحدث تغييرات هامة في المشهد السياسي الداخلي.

وبحسب مصادر مقرّبة من حزب الله لـ»البناء» فإن «الملف الحكومي اللبناني والوضع الاقتصادي دخل في بازار التفاوض الأميركي مع دول المنطقة وتحديداً مع ايران. فواشنطن ترفع من مستوى ضغوطها على لبنان لاستخدامه كصندوق بريد لإيصال الرسائل الى الجمهورية الاسلامية. اما الموقف الايراني فيرفض التفاوض مع الادارة الحالية وتقديم تنازلات في أي ساحة في المنطقة قبل التراجع الاميركي عن الإجراءات والعقوبات ضد طهران والعودة الى الاتفاق النووي الذي لم يكن اتفاقاً أميركياً ايرانياً، بل اتفاق دولي بموافقة مجلس الامن الدولي»، وتضيف «ان ايران لا مصلحة لديها بالتفاوض مع الادارة الاميركية الحالية وابرام اتفاق معها، لأن لا ضمانة بأن يعود الرئيس الاميركي ترامب لنقض اي اتفاق من جانب واحد كما حصل في الاتفاق النووي، ولذلك يقدم ترامب إغراءات لايران بقوله انه في حال أعيد انتخابه سيعقد اتفاقاً مع ايران خلال شهر واحد لكي ينتزع مكاسب مسبقاً من ايران في أكثر من ملف في المنطقة قبيل الانتخابات الرئاسية».

وتحذر المصادر من أنه في حال أعيد انتخاب ترامب لولاية ثانية فإن الامور قد تزداد سوءاً، اما في حال أتى الاميركيون برئيس جديد فقد نشهد انفراجات وحلولاً في ملفات عدة مطلع العام الجديد. فلذلك الأميركيون يربطون الحل في لبنان بالحل في المنطقة وبانتخاباتهم الرئاسية وبالتالي اتخاذ لبنان رهينة لحسابات خارج الحدود.

هل ستولد حكومة في ظل هذا المشهد الدولي الاقليمي القاتم؟

بحسب معلومات «البناء» من أكثر من طرف سياسي داخلي فإن الحكومة مؤجلة لأشهر ولا مؤشرات على اتفاق وشيك فكل المعطيات تشير الى أن الحكومة لن تولد قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية الا اذا تقدمت المبادرة الفرنسية؛ وهذا احتمال ضئيل. فانسحاب الحريري يؤشر الى أن الأميركيين يخبئون مشروعاً جديداً للبنان يشمل مزيداً من حصار حزب الله وإسقاط العهد وضرب الدولة ولا يريدون أن يكون الحريري عثرة أمام هذا المشروع أو غطاء لحزب الله وللرئيس ميشال عون، وبالتالي لبنان مقبل على مرحلة من الفراغ السياسي والفوضى الأمنية والاجتماعية والانهيار المالي والاقتصادي لتمهيد الساحة أمام فرض مرشح واشنطن والخليجيين القديم الجديد السفير السابق في الأمم المتحدة نواف سلام. وبحسب معلومات «البناء» تحصل محاولات حثيثة وجدية للتسويق لسلام في الكواليس السياسية مع موافقة حريرية ومن ثنائي جنبلاطجعجع وعدم ممانعة عونية، لكنها اصطدمت باستمرار فيتو ثنائي أمل وحزب الله على اسمه لاعتباره يمثل امتداداً للمشروع الأميركي الإسرائيلي الخليجي في المنطقة.

فما هي خيارات رئيس الجمهورية في ظل هذا التعقيد وهل سيدعو الى الاستشارات؟

مصادر «البناء» تشير الى أن رئيس الجمهورية اتفق مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري على تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لإتاحة المجال امام مزيد من المشاورات بين القوى السياسية للاتفاق على مرشح منسق مع الحريري وجنبلاط، لكن في حال تعذّر ذلك سيبادر عون الى دعوة الكتل النيابية الى الاستشارات مطلع الاسبوع المقبل اي قبيل زيارة ماكرون، وبالتالي يضع الكتل أمام أمر واقع، وهذا الخيار سيجبر الاطراف كافة على تحديد موقفها وحمل مرشح معها الى بعبدا، أما الرئيس عون فيتولى دوزنة جدول مواعيد الكتل حيث سيضع كتلة لبنان القوي والوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير في آخر الكتل وكتلتي المستقبل والقوات والاشتراكي في المقدمة لاستكشاف مواقفها مبكراً، وبحسب تصويت فريق الحريري – جعجع –جنبلاط، يتصرف فريق التيار الوطني الحر وثنائي أمل وحزب الله وحلفاؤهما، فإذا سمى نواف سلام سيبادر الفريق الثاني الى تسمية مرشح محسوب عليه ويأخذ وقته في التأليف، أما في حال توزعت أصوات فريق المستقبل – القوات – جعجع على مرشحين عديدين، فقد يعمد فريق 8 آذار والتيار الوطني الى توزيع أصواته ايضاً على مرشحين عديدين، وبالتالي يتجه رئيس الجمهورية في هذه الحالة الى عدم إعلان النتيجة وإرجاء الاستشارات، وتتوقع المصادر تكرار هذا السيناريو مرات عدة وبالتالي يتقدم خيار تعويم حكومة تصريف الأعمال.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى