الاستشارات النيابية بروفة وجسّ نبض لانعدام التوافق على اسم المكلف
} علي بدر الدين
تتبارى القوى السياسية الحاكمة والمتحكمة على مصير الوطن والشعب، وهي المنقسمة شكلاً وعلى المصالح والنفوذ والارتهان للخارج، والرهان عليه لدعمها ومؤازرتها في سباقها المحموم للبقاء في السلطة والإمساك بكلّ مفاصلها أطول وقت ممكن، قبل انقلاب المشهد السياسي العام الداخلي، وتقاطع المصالح الدولية والإقليمية، والتفاهم على تسويات مؤقتة أو دائمة تشمل كلّ او بعض المواقع والملفات والنزاعات المتعدّدة التي تتوزع على خريطة العالم، ومنها لبنان.
هذا البلد الصغير المنكوب والمنقسم الذي لا يزال يشكل مطمعاً سياسياً وجغرافياً وجاذباً لكثير من الدول والمحاور الإقليمية والدولية. لذلك لا غرابة أو استهجان من زحف عشرات الدول العربية والإقليمية والدولية إلى لبنان بعد انفجار المرفأ، بذريعة مساعدته وإغاثة شعبه، وقد يكون بعضها صادقاً وليست له خلفيات سياسية أو استخبارية، أو انتظار مثل هذه الفاجعة والكارثة الكبرى ليطأ قدمه أرض لبنان ويحقق حلمه التاريخي.
هناك دول موجودة فيه وفاعلة، تستغلّ ما حلّ بالبلد لتقوية نفوذها والإمساك بورقته لرفع سقف التفاوض والثمن. والأمثلة كثيرة، منها «الأمّ الحنون» فرنسا التي تعتبر نفسها وصية على لبنان ومسؤولة عنه، واهتمامها به يكون دائماً فوق العادة سياسياً وعاطفياً ومحاولات دعم وأخرها بعد انفجار المرفأ، حيث زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان مطلع شهر آب الحالي، وسيأتي بعد أيام قليلة بزيارة ثانية في أقلّ من شهر. ويتمثل بما أطلقه من مواقف ونصائح وتوجيهات للطبقة السياسية كمؤشر على حجم الاهتمام والخطر المتربص في لبنان وخوفه عليه.
هذه الزيارة المكملة للأولى هي للاستماع الى الأجوبة على تساؤلات واقتراحات وطلبات الزيارة الأولى، وإنْ كانت بعنوان المشاركة باحتفالية لبنان الرمزية بذكرى ١٠٠ سنة على إعلان ولادة لبنان الكبير ١٩٢٠ بل برعايته. ويكفي للدلالة على ذلك، إقامة الاحتفال في قصر الصنوبر، يعني على أرض فرنسية. والحديث عن أميركا وتدخلها الدائم في شؤون لبنان، وحصاره اقتصاديا وسياسياً وتشديد العقوبات والضغط عليه بما يسمّى بـ «صفقة القرن» و «قانون قيصر» وتطبيق قرارات دولية لمصلحة الكيان الصهيوني، لا حاجة للتدليل عليها لأنها تمارس على الأرض ضدّ لبنان وشعبه.
إضافة إلى دول أخرى تسللت إلى لبنان تحت جنح المساعدات الإنسانية. علها تحظى بفرصة التغلغل وموطئ القدم.
كلّ ما حصل والمتوقع حصوله سيزيد الأمور تعقيداً وتفاقماً وخطراً وتداعيات، خاصة أنّ الطبقة السياسية مشغولة بالبحث عن مصطلحات وأفكار شيطانية في كلّ قواميس ومعاجم السياسة واللغة، وتجند المستشارين والأتباع من أهل الاختصاص للبحث والتمحيص والابتداع لتثبت للخصم السياسي المفترض، وللشعب الذي هو في واد آخر ولديه همّ آخر، أنها الأقوى وأنها ربحت السباق وحققت إنجازاً غير مسبوق ليُضاف إلى إنجازاتها التي أفلست البلد وأغرقته بالديون وعمّمت فيه ثقافة الفساد والمحاصصة والنهب، وقتلت شعبه ودمّرت بيوته وهجّرته وشرّدته في الداخل والخارج وجعلت منه شعباً متسوّلاً يبحث عن رغيف الخبز.
ألا يكفي الطبقة السياسية ما فعلته بهذا الشعب من إفقار وتجويع وقتل ونهب لأمواله العامة وفي المصارف، حتى يطلع حاكم مصرف لبنان ويبشره بأنه بعد ثلاثة أشهر ستنفذ الأموال من المصرف المركزي وتنعدم القدرة على توفير الدعم لبعض المواد الأساسية كالغذاء والدواء، وقد وقع هذا الخبر المشؤوم على الشعب كالصاعقة وتلقاها بهلع وخوف من الآتي الشديد الخطورة، بحيث أنه لا يمكن لأيّ كان أن ينجو من هذا القرار الذي سيقضي على الناس إما جوعاً أو مرضاً أو قهراً أو في المصحات النفسية والعقلية٠ والأسوأ أنّ أحداً من السياسيين والمسؤولين لم يحرّك ساكناً أو ينفي إعلان الحاكم ويطمئن شعبه أو على الأقلّ بيئته الحاضنة التي تفتديه بالدماء والأرواح وفلذات الأكباد. لأنه على ما يبدو، ليس لدى هؤلاء الحاكمين عنوة الوقت للاهتمام بالشعب الذي يستحقّ الموت والجوع والذلّ وقد اعتاد عليهم وتقبّلهم بطيبة خاطر، لاعتقاده انهم أولياء أمره ونعمته ويستحقون الدعاء بالصحة وطول العمر، لما اقترفوه بحق البلد وناسه.
هذه الطبقة السياسية والمالية الفاسدة التي لم يرفّ لها جفن ولم تحزن وتتألم على الفاجعة التي حلت، والتي لم تتخذ قراراً أو قرارات على حجم الكارثة التي أصابت لبنان وهي المسؤولة مباشرة بسبب فسادها وإهمالها ولامبالاتها لم تتخذ قرار الإسراع بالتعويض على المنكوبين ومواساتهم والوقوف إلى جانبهم في محنتهم غير المسبوقة لا يمكن التعويل عليها والثقة فيها ولا تؤتمن على شيء، يجب أن ترحل إما من تلقاء نفسها وقد اسقطها انفجار المرفأ والدماء التي سالت والأرواح التي أزهقت والدموع التي انهمرت والبيوت والمستشفيات والمدارس والشركات التي دمّرت.
غير انّ الذي حصل كان مفاجئاً وعلى عكس المتوقع، فإنّ البعض من هذه الطبقة التي لا تستحي ولا تخجل ولا إنسانية او مشاعر تحركها أو كأنها من عالم آخر، فأسرع إلى المجاهرة بمواقفه اللاوطنية التي ليس وقتها وفتحت أبواب السجالات والتجاذبات والانقسامات على وسعها، وكأنها تنفذ أجندة مرسومة ومحضرة مسبقاً. والبعض الآخر انغمس في البحث والجدال عن جنس الحكومة، والبعض الثالث بانتظار زيارة الرئيس الفرنسي عله يحمل معه الترياق لتشكيل حكومة الإنقاذ الذي جرى تسريبها قبل وصوله٠
وكأن البلد الواقف على «صوص ونقطة» ستكون ولادته الحكومية الجديدة غير شكل، ولا قرابة لها او علاقة او تماهٍ مع الحكومات السابقة. لا يا قوم لا تستبشروا خيراً إنْ ولدت الحكومة على يد قابلة فرنسية أو أيّ قابلة من هذا العالم، لأنّ البذرة والإنتاج لن يتغيّرا، والطبقة السياسية التي حكمت وأنتجت كلّ الحكومات المتعاقبة نفسها لم تتبدّل او تتحوّل او تتطوّر، لأنّ الفساد والتحاصص والنهب والقمع وحرمان الشعب وإهماله باق معها ولن يغادرها ما دامت باقية ومتشبّثة بمواقع السلطة والمال والتبعية. فلا تراهنوا عليها، ولا تتأمّلوا منها بأية حكومة حتى لو كانت قادمة من جهات العالم الأربع أو من المريخ او على حصان عربي أصيل.
الامل الوحيد الذي يمكن الركون اليه هو الشعب الذي يصنعه وليس الحكام. والأمل الذي يراهَن عليه يكمن في الاستفاقة من الوهم والسراب وانْ كانت متأخرة. وإلا فإنّ التي سيكون أعظم وأخطر كثيراً مما يعانيه هذا الشعب. وعندها لن ينفع الندم، بل ستسدل الستارة على فصل جديد من الفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذلّ والعودة إلى مجاعة الحرب العالمية الاولى، وإلى البحث عن فتات خبز معفن كانت قد رمته أبواب السلطة الحاكمة العالية، التي سرقت مال الدولة والشعب على عينك يا شعب.
والاستشارات النيابية الملزمة بنتائجها والتي بدأ الحديث عنها، لا تقدّم ولا تؤخر، ولا تعدو كونها فولكلوراً أو جسّ نبض أو بروفة لمرحلة مقبلة تكون قد نضجت فيها الاتصالات والتوافقات، خاصة بعد قرار الحريري بسحب اسمه من التداول لرئاسة الحكومة، وضيق الخيارات والأسماء المقترحة التي لا إجماع على تسميتها، فلا استشارات ملزمة جدية في هذه المرحلة، التي ربما تكون إرضاء للرئيس الفرنسي الزائر، والمعلومات تتحدث عن مقاطعة بعض الكتل والنواب للاستشارات بنسختها الأولى، وبعضها الآخر إنْ شارك لن يسمّي، وان لا أحد من الأسماء المقترحة أقله في المرحلة الأولى للاستشارات سيقطف ثمارها…