رياض الحلبي: قدوتي الأولى عفيف الحسنية ذهبت لأوقّع مع التضامن فوقّعت للراسينغ!
} ابراهيم وزنه
في سن مبكرة ذاق مرارة اليتم، وفي بيت جدّه لأبيه المحاذي لملعب الحسني في عاليه ترعرع الحارس العملاق رياض حامد الحلبي متابعاً المباريات التي كانت تجري تحت مرمى نظره. في عاليه أبصر النور في العام 1948 ومنها انطلق إلى الأندية الكبيرة متسلحاً بالجهد والمثابرة لينجح سريعاً في فرض نفسه حارساً يُشار اليه بالبنان، لتسارع الفرق لضمّه حامياً لعرينها. ماذا نقرأ في تفاصيل رحلته مع الساحرة المستديرة التي أدّت إلى شهرته وأسهمت في توظيفه وتحسين وضعه المعيشي؟
البداية مع دينامو الأهلي عاليه
عن اندفاعه إلى الملعب الرملي المحاذي لبيت جدّه حيث كان يلعب فريقا الاخاء ودينامو الأهلي، يقول الكابتن رياض: «وجدت في كرة القدم ضالتي، أمضيت معظم وقتي في الملعب، تابعت الكثير من المباريات وراقبت العديد من الحرّاس، حتى صرت أقلّدهم في حركاتهم واستعراضاتهم البهلوانية، وفي الرابعة عشرة من عمري صرت مع فريق دينامو الأهلي عاليه الفريق الشعبي غير المرخّص، حرست مرمى الفريق مراراً وبرزت في هذا الميدان حارساً من العيار الطائر، ومن لاعبي الفريق في تلك الفترة، فؤاد الصايغ وشقيقه قاسم، يزيد وهادي وغالب وسامر حليمة، نبيل وغسان ومسعود شهيب ونهاد الشعّار».
وحول اختياره لمركز حراسة المرمى يقول: «كنت صغيراً عندما تابعت العديد من المباريات التي كان يلعب فيها حارس مرمى الصفاء، لاعب الجمباز المميز عفيف الحسنية، فأعجبت به كثيراً ورحت أقلّده، ومنذ تلك الأيام صممت على أن أكون مثله .. فصرت أحرس مرمى الفريق لأثبت وجودي وأظهر براعتي … كما أنني كنت أحرص على مراقبة أداء جميع الحرّاس الذين يشاركون في دورات عاليه الصيفية فأتعلّم منهم حركاتهم وأنهل من خبراتهم». ويضيف الكابتن رياض ذاكراً أصحاب الفضل عليه في مسيرته المجلّية: «الفضل الأول في مسيرتي يعود للأستاذ والمدرب أحمد أبو سعدى رضوان بالاضافة إلى فؤاد الصايغ وشقيقه قاسم والصديق يزيد حليمة … ومن جهتي أيضاً فقد تعبت على نفسي ولطالما تمرّنت بمفردي ومع الحائط أحياناً».
إلى الحكمة ثمّ الصفاء فالاخاء!
عن توقيعه الرسمي الأول، يخبرنا رياض الحلبي: «بسبب إنضمام فؤاد الصايغ ونبيل شهيب إلى فريق الحكمة تمهدت أمامنا الطريق، كمجموعة من لاعبي الأهلي للالتحاق بهما، فالتحقت إلى جانب يزيد حليمة وقاسم ونبيه الصايغ في العام 1967 بفريق الحكمة، كنا في أوّل «طلعتنا» ولعبنا إلى جانب طوني ابي راشد وغي حلو وادمون عساف وغيرهم … ومع الحكمة جلست على مقاعد الاحتياط مراراً والمرارة كادت تقتلني لعدم إثبات وجودي كما أتمنى، شاركت في عدد قليل من المباريات وفي الموسم التالي قررت مغادرة الفريق، في هذه الأثناء طلبني السيد أمين حيدر للانضمام إلى فريق الصفاء وكان يحرس مرماهم صبحي أبو فروة، فتمرّنت ولعبت على ملعب الصفاء الرملي حيث كان يوجد إلى جانبه ثلاث غرف، الأولى لتغيير الملابس والثانية لاستعمالها كحمامات والثالثة عبارة عن مخزن للكرات والشباك، لعبت لموسم واحد مع الصفاء ثم التحقت بنادي الاخاء عاليه الذي كانت تنتظره مهمّة صعبة في سياق سعيه الجاد للصعود إلى الدرجة الأولى. ففي ذلك العام 1969 ، أحرزت مع الاخاء بطولة محافظة جبل لبنان وخضنا بمواجهة التضامن بيروت النهائي المؤهّل إلى الدرجة الأولى فكان الصعود من نصيبهم بعدما تعادلنا في ثلاث مباريات .. وفي الرابعة على المدينة الرياضية فاز التضامنيون بنتيجة 1 ـ 0 وصعدوا للأضواء … يومها سجّل الهدف خالد غزيل بيمناه وهو اللاعب الأعسر!».
الانتقال إلى سندباد الكرة اللبنانية
عند استذكاره الطريقة التي جعلته يحط رحاله في نادي الراسينغ (سندباد الكرة اللبنانية)، يضحك قائلاً : «الصدفة لعبت دورها بشكل كبير» ثم يوضّح: «في ضوء ما قدّمته من أداء لافت خلال مبارياتنا الأربعة ضد التضامن بيروت، طلب منّي أمين سر التضامن محمد حمندي أن أوقّع لفريقه الصاعد إلى الدرجة الأولى لقاء مبلغ من المال مع سيّارة فيات سبسيال 125 من الشركة، فوافقت على العرض ورافقته في اليوم التالي إلى مقر الاتحاد للتوقيع، وكان يتواجد في الاتحاد الحكم ابراهيم صبرا واداري النجمة عاطف سنان ورئيس نادي الراسينغ غابي أبو مراد، وهناك عرض عليّ أبو مراد التوقيع للراسينغ وإلغاء فكرة التوقيع مع التضامن من رأسي، مقدّماً الاغراءات التي يتمنّاها كل لاعب، فارشاً الطريق بالورود … «فريقنا سفير لبنان … دائم السفر … راتبك الشهري 300 ل.ل والوظيفة بانتظارك» ، وافقت على الانتقال للراسينغ بناء على العرض المغري ورغبة منّي بأن ألعب إلى جانب معلّمي الأول فؤاد الصايغ، وكان التوقيع لموسم 1970 ، ففي ذلك الموسم غادر الحارس بسام همدر ومعه الحارس ـ المهاجم يوسف الغول تاركين الراسينغ باتجاه التضامن فريقهم الأول بعد صعوده إلى الدرجة الأولى، وفي العام 1971 عاد بسام همدر مجدداً إلى الراسينغ مع حرص الاداريين على تفضيلي عليه في كثير من المباريات».
مباريات وذكريات مع الراسينغ
عن ذكرياته مع الراسينغ، ومن صفوفه تم استدعائه للالتحاق بصفوف منتخب لبنان، يقول الحلبي:
«سافرت مع الراسينغ إلى بلاد كثيرة، أذكر منها، بلغاريا والصين وكوريا الجنوبية ورومانيا والاتحاد السوفياتي إلى عدد من الدول العربية، برزت في العديد من المباريات المحلية والخارجية وذات مباراة بمواجهة فريق ستيوا بوخارست الذي زار لبنان وقفت سدّاً منيعاً وأقفلت المرمى وفاز الراسينغ عليه بنتيجة 2 ـ 0 بعدما سبق وفاز ستيوا في جميع مبارياته التي خاضها مع الفرق اللبنانية، وقد أشارت الصحف صراحة إلى دوري في تحقيق الفوز». ثم يقلب الحلبي صفحة المباريات ليقرأ في صفحة أخرى عنوانها الخوف والمغامرات، فيقول: « في مطلع السبعينيات وعند عودتنا من الصين بعد أسبوعين من المعسكر الخارجي المعتاد سنوياً، طارت بنا الطائرة فجراً من مطار بكين، وبعد ساعتين من الاقلاع حصل ما لم يكن بالحسبان … تبدّلت أحوال الطقس، الأجواء عاصفة والثلوج تنهمر بغزارة، والمطبّات الهوائية لا ترحم، فصرنا نودّع بعضنا، ذاك يبكي وآخر يشتم ومنهم من كتب وصيته فيما نائب الرئيس يوسف بك عمّار راح يصرخ بأعلى صوته شاتماً كل من يتحرّك داخل الطيارة وحالفاً على السفر مجدداً … عند ذلك عمد الطيار إلى اطفاء الأنوار في الداخل، فشاهدنا الثلوج تغطّي أجنحة الطائرة المضاءة بسماكة عدّة سنتيمترات، وأخيراً قرر الطيار العودة مجدداً إلى مطار بكين … وبالفعل عدنا أدراجنا وما أن هبطنا على الأرض رحنا نعانق بعضنا ثم عمد اللاعبون إلى حمل الطيّار من أمام سلّم الطائرة وسط فرحة عارمة …. بعد ذلك انتظرنا لعدّة ساعات قبل معاودة السفر في ظل تحسّن المناخ … إنها حادثة لا تنتسى، ولغاية اليوم ما شاهدت أحداً من رفاق تلك الرحلة إلا واستذكرناها سوياً… مع الترحّم على من غادر الدنيا من أفراد تلك البعثة». والجدير ذكره أن الحلبي تمّ اختياره ضمن بعثة منتخب لبنان التي سافرت إلى كوريا الجنوبية في مطلع السبعينيات، وهناك شارك في عدد من المباريات التحضيرية.
عرض ضائع من النصر الاماراتي
سألته، هل تلقيّت عروضاً خارجية خلال مسيرتك الكروية، فأجاب أبو مروان: «بالطبع، وتحديداً من الامارات وقطر، فأخوتي يعيشون في دبي، وقد سبقني للنصر لاعب الصفاء حسان حيدر «أبو مانع» في العام 1975 ، وكذلك الصديق شبل هرموش، لكن إدارة نادي الراسينغ لم تسهّل لي عملية الانتقال فرفضت اعطائي الاستغناء وبذلك قضت على آمالي بالاحتراف الخارجي، أذكر يومها طالبت ادارة الراسينغ بـ 20 ألف ليرة لقاء الاستغناء الحر، وأذكر في تلك الفترة سافرت إلى دبي ولعبت مباراة ودّية واحدة، وسألني الشيخ مانع بن خليفة بن سعيد آل مكتوم والذي كان يلعب ضمن صفوف النصر في حينها، كم يريد نادي الراسينغ لاعطائك الاستغناء فقلت له 10 آلاف ليرة لبنانية، وهذا ما سبق وأبلغني به ايلي كوبالي، أحد أبرز اداريي نادي الراسينغ عبر التاريخ، والذي تمنّى عليّ أن ألغي فكرة السفر والمشاركة في المباراة التي ستجمع بين الراسينغ والنجمة خصوصاً وأن الحارس بسام همدر موقوفاً عن اللعب، وقبل المباراة بيومين حضر السيد جمعة الحطروشي منتدباً من قبل الشيخ مانع لدفع المبلغ ونيل الاستغناء، يومها اتصل بي يزيد حليمة وقال لي أذهب الى فندق البوريفاج حيث ينتظرك اداري النصر برفقة الشيخ شبل هرموش لتسهيل عملية انتقالك إلى فريق النصر الاماراتي، وبالفعل نزلت إلى بيروت تاكسي بخمس ليرات، وهناك ذهبت برفقة الحطروشي لملاقاة أيلي كوبالي في محله لبيع التجهيزات الرياضية «سبورتكس» في المعرض، ولما أنقلب على الاتفاق السابق حيث طلب 20 ألفاً بدلاً من 10 آلاف كما كنت قد أبلغت الشيخ مانع سابقاً، قال لهم الحطروشي «صرفنا النظر عن ضمّه» ثمّ قفل عائداً إلى دبي».
وقبل يوم واحد من المباراة المرتقبة بين النجمة والراسينغ، زارني في عاليه في بيت جدّي المتواضع جدّاً، وفد راسنغاوي عريض يتقدّمه عزيز شبير وروبير سابا وأبو فاروق، أهدوني ثريا عملاقة وناولوني مبلغاً من المال أملاً بطيّ صفحة الخلافات، وخلال اللقاء طلبت منهم العمل على توظيفي بأسرع ما يمكن لأنني قد أصبحت على عتبة الثلاثين من عمري، وبالفعل لعبت المباراة وتمّ توظيفي في بنك الاعتماد اللبناني ـ فرع الرميل بالقرب من شركة كهرباء لبنان، وبعدها بفترة قصيرة تجددت الحرب الأهلية بين «الشرقية» و «الغربية» اشتدت حدّة المعارك … وتعكّرت أجواء البلد، فلم أعد أنزل إلى بيروت حتى طارت مني الوظيفة، ثم عدت والتحقت في العام 1980 مع الصفاء وكذلك توظّفت في بنك بيروت والبلاد العربية بواسطة ودعم وتسهيل من الشيخ أمين حيدر وبقيت في عملي لحين بلوغي السن القانوني في العام 2013… وفي مرحلة لاحقة في مطلع التسعينيات عملت مع نادي الصفاء كمدرب للحراس فأشرفت على صقل أداء الحارسين عدنان عيتاني وبلال هاشم».
في دورات عاليه وجدت سعادتي
بحسرة بادية على تعابير وجهه، يرد الحلبي على سؤالي القاسي، هل تمّ تكريمك بناء على مسيرتك الكروية الطويلة، ومن هم المقصّرين في أداء هذا الدور؟ قائلاً: «بالرغم من رحلتي الطويلة مع الأندية الرسمية، إلا أنني كنت أجد سعادتي في المشاركة في دورات عاليه ضمن صفوف فريق دينامو الأهلي عاليه، وأجمل مباراة لعبتها ولم تزل في ذاكرتي تلك التي حرّك ضربة بدايتها رئيس الحزب التقدمي وليد بك جنبلاط في العام 1980 ، وفزنا بنتيجة 2 ـ 0 على فريق الصفاء المتخم بالنجوم … وبالرغم من سعادتي مع الأهلي عاليه مدرستي الكروية الأولى، إلا أنني عاتب على عدم تكريمي إلى جانب عدد لا يستهان به من الرياضيين المميزين من أبناء عاليه وفي مقدّمهم فؤاد الصايغ من قبل فعاليات المدينة البلدية والاجتماعية والرياضية، والعتب ينسحب أيضاً على ادارة نادي الراسينغ، للأسف وكأنني لم ألعب أجمل سنوات عطائي الكروي مع هذا الفريق! أسمع عن احتفالات ومناسبات ولقاءات للعائلة الراسنغاوية، يبدو أنهم لا يقرأون تاريخ النادي ومن أسهم في انجازاته». وحول علاقة الأهلي بشقيقه الاخاء يوضح الحلبي: «للاخاء رخصته الرسمية منذ العام 1966 بجهود الأستاذ عادل باز، إلا أن دينامو الأهلي جمع أبناء عاليه حوله بحكم شعبيته، وأذكر أن النائب أكرم شهيب والشيخ بهيج أبو حمزة كانا لاعبين في صفوف الاخاء عاليه، وحسناً فعل القيّمون على الكرة في عاليه بدمجهما في العام 1990 بجهود لافتة من أبي حمزة … فكان الاخاء الأهلي عاليه جامعاً لكل اللاعبين المميزين من أبناء عاليه والجوار وهذه خطوة محمودة وجيّدة».
المسيرة العملية
استهل رياض الحلبي مسيرته العملية باكراً في ضوء وفاة والده، فعمل في مطلع شبابه في مهنة الحدادة الافرنجية، ولما أصبح شاباً استوته مهنة الكوافير فعمل فيها لعدّة سنوات في احد صالونات عاليه، ومن خلال مسيرته الكروية توظّف في بنك الاعتماد اللبنانين ومن ثم في بنك بيروت والبلاد العربية لحين تقاعده، وهو اليوم يمضي معظم أوقاته في بيته في عاليه مع هوايته في تربية الحمام وتفريخها، مع الاهتمام بمتابعة أخبار أولاده الأربعة (مروان وبهاء الدين ودانيال ومكرم).
وحول توجيهه أولاده إلى الملاعب، يخبر: «بطبيعة الحال تأثر أولادي بتاريخي الكروي، فلعبوا جميعهم ضمن صفوف الاخاء الأهلي عاليه، مروان ودانيال في مركز حراسة المرمى .. وبهاء الدين في مركز الوسط، أما مكرم فتخصص في العلاج الفيزيائي، ويعمل حالياً معالجاً لاصابات لاعبي الأخاء الاهلي عاليه».
خيارات الحلبي الكروية
سألته، من برأيك الحارس الأفضل بتاريخ لبنان، فقال دون تردد : «عبد الرحمن شبارو … ويوسف الغول كان حارساً عملاقاً ومهاجماً خطراً. أما الحارس العالمي الذي أعجبت به فهو الروسي ليف ياشين. ومن المدافعين المحليين أعجبني سهيل رحال وكذلك حبيب كموني… فيما محمد حاطوم هو الأفضل في ميادين خط الوسط دون منازع». ولما سألته من كان يزعجك من المهاجمين أجاب: «الثنائي جمال الخطيب وحسن شاتيلا .. كنت أحسب لهما ألف حساب». أما الفريق المحلي الذي يعجبه، فهو النجمة، وأبدى احترامه لاخلاص جماهيره، ليختم «البرازيل أفضل منتخب عالمي وكرتهم فيها الكثير من المتعة والتشويق».
بطاقة شخصية
رياض حامد الحلبي (أبو مروان)
ـ تاريخ ومحل الولادة: 1948 ـ عاليه.
ـ الوضع الاجتماعي: متأهل وله 7 أبناء (4 صبيان و3 بنات).
ـ الفرق التي لعب معها: دينامو الأهلي عاليه، الاخاء عاليه، الحكمة، الراسينغ والصفاء.
ـ المركز: حارس مرمى.
ـ سنة الاعتزال: 1981 .