فشل محاولة إطفاء شعلة المقاومة وتكريس واقع الاستسلام
ذكرى اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى...
} حسن حردان
انّ التوقف عند ذكرى استشهاد أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القائد الشهيد ابو علي مصطفى رفيق درب القائد جورج حبش مؤسّس الجبهة الشعبية، بصاروخ صهيوني غادر استهدفه وهو في مكتبه في رام الله في 27 آب عام ٢٠٠١، إنما يجب أن يكون مناسبة لأخذ الدروس والعبر من تجارب الصراع مع العدو الصهيوني.. وكيفية ترجمة وصايا الشهيد وغيره من الشهداء القادة الذين استشهدوا على درب المقاومة لتحرير فلسطين كلّ فلسطين المحتلة، ورفض المساومة على الحقوق…
أولاً، إنّ العدو الصهيوني لا يمكن أن يؤمن جانبه او ننخدع بأوهام التسوية والمساومة معه، فالصراع مع الاحتلال الصهيوني الاستيطاني الاستعماري ليس ولن يكون صراع حدود، وانما كان وسيبقى صراع وجود، صراعاً على الأرض والهوية، فإما فلسطين هي وطن الشعب الفلسطيني التي شرّد منها بقوة الإرهاب، وعلينا ان نكافح ونناضل من أجل تحريرها، أو نخسرها ويستولي عليها الصهاينة المحتلون… كما فعل المستعمرون الغربيون في الاستيلاء على أميركا بعد إبادة شعبها الأصلي من الهنود الحمر…
الشهيد أبو علي مصطفى كان من الذين يرفضون الدخول في مساومة على أرض فلسطين، لأنه كان من المؤمنين بأنّ من يساوم على جزء من أرضه إنما يكون قد ساوم على الجزء الآخر من هذه الأرض، ومن يدخل في مساومة مع المحتلّ، على جزء من حريته، إنما يكون قد ساوم على الجزء الباقي من حريته، وتحوّل ليصبح رهينة هذا العدو وخاضعاً له وجزءاً من منظومة احتلاله..
والتجربة بعد توقيع اتفاق أوسلو أكدت ذلك بشكل لا لبس فيه، حتى بات من وقع على أوسلو يقرّ اليوم بهذه النتيجة من الخنوع والإذلال الوطني، وعندما يحاول التخلي عن التنسيق الأمني مع المحتلّ الذي حول السلطة الفلسطينية إلى أداة قمع وملاحقة للمناضلين والمقاومين ومساعدة العدو على النيل من كلّ فدائي نفذ عملية بطولية ضدّ الاحتلال، أملاً أن يحصل على دويلة مرتبطة بوشائج التبعية للكيان الصهيوني، يواجه بخطة صهيونية أميركية لضمّ الضفة الغربية والقدس وتصفية كامل الحقوق، لأن العدو أراد من الاتفاق تمكينه من الاستيلاء على كلّ الأرض وشطب حقوق الشعب الفلسطيني..
ثانياً، انّ العدو الصهيوني إنما يستهدف من اغتيالاته للقادة المقاومين، أمثال الشهيد ابو علي، محاولة إطفاء شعلة المقاومة باعتبارها العقبة الأساسية التي تقف في طريق مشروعه لتصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتهويد كامل أرض فلسطين، ولهذا فإنّ العدو لا يتورّع عن اغتيال اي رمز او قائد يعمل على تعزيز خط ونهج المقاومة…
ثالثاً، انّ الشهيد القائد كان هدفه الأساسي تكريس قاعدة أساسية رداً على خيار أوسلو، قاعدة تقول، “جئنا لنقاوم لا لنساوم”، وكان كلّ همّه العمل لأجل استعادة دور منظمة التحرير َكحركة تحرّر وطني ناظم لكلّ القوى والحركات الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية على أساس أولوية مقاومة الاحتلال… وكان يرى انه بعد توقيع اتفاق أوسلو جرى إفراغ المنظمة من هذا الدور الذي قامت ونشأت على أساسه، وأنّ الاتفاق أدّى إلى إحداث انقسام خطير في الساحة الفلسطينية انعكس سلباً على نضال الشعب العربي الفلسطيني وكذلك على الواقعين العربي والأممي.. لذلك وضع الشهيد نصب عينيه مهمة النضال لإنهاء الانقسام وإعادة توحيد حركات المقاومة تحت راية منظمة التحرير لتعود إلى لعب دورها التحرّري..
من هنا أدرك العدو خطورة هذا الدور الذي كان يقوم به القائد أبو علي مصطفى، على المخطط الصهيوني وأهدافه التي أرادها من وراء اتفاق أوسلو، فعمد إلى اتخاذ قرار اغتيال الشهيد علناً ليوجه رسالة واضحة لكلّ القيادات الفلسطينية في الداخل بأنه ممنوع عليها الخروج على ما نص عليه أوسلو…
رابعاً، انّ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رفضت الخضوع لإرهاب المحتلّ وظلت أمينة على خط ونهج الشهيد، وتجسّد ذلك بوضوح من خلال…
1 ـ ردّها سريعاً على جريمة الاحتلال باغتيال احد أبرز رموز الإرهاب والاستيطان وزير السياحة الصهيوني رحبعام زئيفي في القدس المحتلة…
2 ـ انتخاب أمين عام جديد الجبهة من قيادات الداخل وهو المناضل المقاوم أحمد سعدات الذي جسّد قولاً وممارسة النهج الذي سار عليه واستشهد من أجله الشهيد أبو علي.. الأمر الذي أدّى إلى اعتقاله من قبل قوات الاحتلال، لكن ذلك لم يزده إلا صلابة في مواصلة المقاومة من داخل سجنه، فتحوّل مدرسة في النضال والكفاح في مواجهة السجان الصهيوني…
انّ اغتيال أبو علي مصطفى لم يطفئ شعلة المقاومة بل زادها اشتعالاً وقوّة وقدرة وها هم مقاومو الجبهة وكلّ الفصائل وحركات المقاومة في قطاع غزة وفي الأرض الفلسطينية المحتلة، يواصلون بعزم وتصميم نهج القادة الشهداء الذين شكل استشهادهم محطة لتعزيز وتزخيم المقاومة… التي أثبتت القدرة على مقارعة العدو وفرض معادلات الردع والرعب في مواجهة اعتداءاته، عندما جعلت من غزة المحررة قاعدة للمقاومة وقوة تضرب العمق الصهيوني وتطيح بمنظومة أمن الكيان الغاصب…