هل يحمل ماكرون حلاً سحريّاً للانهيار اللبنانيّ؟
} د. وفيق إبراهيم
الانهيار اللبناني مزدوج بصفتيه السياسية والاقتصادية، ما يتطلّب حلاً سحرياً يجمع بين تشكيل معادلة حكم جديدة واستنهاض كل أنواع الدعم الاقتصادي من الإقليم والخارج وصناديق الأمم المتحدة والمؤتمرات.
فهل توصّل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى وصفة سحريّة تتضمّن هذه المواصفات؟
وتدفعه الى العودة الى بيروت في الموعد المحدد مسبقاً أي في الأول من ايلول المقبل؟
الحل ممكن، لكنه في الحالة اللبنانية يتطلّب سلسلة موافقات خارجيّة مسبقة من الأميركيين والسعوديين والإيرانيين الممثلين في الإقليم العربي بحزب الله.
هذا بالاضافة الى سلسلة مشاورات في الداخل اللبناني تشمل التيار الوطني الحر وحركة امل والمردة وحزب الله اللبناني والقوات اللبنانية والحزب الاشتراكي والمستقبل، وربما يجول السفير الفرنسي في بيروت على الكتائب وآخرين لإضفاء المزيد من الدبلوماسية على المشروع الفرنسي.
ما هو هذا المشروع الفرنسي وهل حاز على موافقات من القوى الخارجيّة المتحكّمة بالداخل اللبناني؟
حرصُ ماكرون على العودة إلى بيروت في الموعد المحدّد، يوحي بإيجابية نسبية، لأنه لو لم يتوصل الى شيء ما في مفاوضاته مع الأميركيين والسعوديين وحزب الله لما عاد الى لبنان بهذه السرعة.
الامر الذي يرجّح توصله الى قواسم مشتركة انما بحدود مقبولة، قد تحتاج الى مفاوضات مباشرة مع قوى سياسية محلية في بيروت.
هناك إيجابية ثانية وتتعلق بعزوف الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري عن ترؤس أي حكومة جديدة.
وهذا يعني أنه تلقى من الفرنسيين إشعاراً بضرورة الانسحاب من دائرة المرشحين لرئاسة الحكومة لأسباب تتعلق بحظر سعودي على اسمه يؤيدهم فيه الاميركيون.
هناك مؤشر ثالث على جدية زيارة ماكرون للبنان، فما أن انسحب الحريري حتى عاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى استقبال رئيس التيار الوطني الحر وممثل حزب الله حسين خليل، في مشاورات للاتفاق على رئيس جديد للحكومة.
وما كان هذا الأمر ليتم بهذه السرعة لولا وجود “غمزة” فرنسية اشترطت ترشيح هذا المحور لأسماء عدة لترؤس الحكومة المقبلة، من ضمن سلة اسماء مرشحة من جهات أخرى من بين قوى 14 آذار.
وقد تصل هذه الاسماء المرشحة الى قصر الاليزيه قبل وصول ماكرون الى بيروت، فيجري استمزاج آراء الأميركيين والسعوديين بها، للتوصل السريع الى حلول، مطلوب منها أن تسبق الانهيار السياسي – الاقتصادي اللبناني.
أما الإيجابية الإضافية فتجسّدت في تصريح جديد لوزير الخارجية الفرنسي لودريان حذر فيه من ان الدولة اللبنانية، وبالتالي الكيان السياسي مهددان، هذه المرة في حال انفجر الانهيار السياسي الاقتصادي.
ألا يكشف هذا التصريح عن إنذار فرنسي للقوى اللبنانية بأن “دولتكم هي المهدّدة واذا انفجرت فلن تتمكنوا من النجاة”.
يمكن إضافة أحداث منطقة خلدة في إطار إحداث فتنة مذهبية طائفية تعرقل محاولات ماكرون لتمرير هدنة سياسية تحول دون الانهيار.
هناك دليل يكشف أن هذه الحادثة مفتعلة من قبل مجموعات من عرب المسلخ وأخرى من شمالي لبنان اجتمعت على اطلاق النار لأسباب ضعيفة لا تحتاج الى هذا الانفجار الأمني، علماً ان علاقات هذه المجموعات المسلحة ببعض السفارات الخليجية وأجنحة متطرفة من تيار المستقبل وتأثرها بالارهاب الاسلامي دفعها الى اختلاق حادث أمني هدفه الاساءة الى صورة البلاد السياسية اثناء زيارة ماكرون للبنان.
هذه اذاً عناصر سلبية تريد إجهاضاً مسبقاً لزيارة ماكرون، وهذا واضح في دفع مسلحين آخرين ينتمون للجهات نفسها الى قطع الطرق في مناطق في بيروت تربطها بالضاحية الجنوبية ما يعني أن هناك من يعمل في هذين اليومين على توتير سني – شيعي لمنع تشكيل حكومة جديدة، بأسلوب قطع الطرقات حتى في مناطق عكار شمال لبنان.
الأمر الذي يدل على ان اعتداءات طائفية قد تنشب في مناطق مختلطة حتى بين السنة والمسيحيين في البقاع الغربي ومناطق الكورة وبين طرابلس وزغرتا وبشري.
فهل هي مصادفة أن يرفض الحريري ترؤس حكومة جديدة وتندلع في الوقت نفسه أحداث أمنية في مناطق فيها غالبية من الطائفة السنية وتستهدف أبناء الطوائف الأخرى الذين لا تزال قواهم السياسية مؤيدة بقاء الحريري لتشكيل حكومة جديدة؟
إزاء هذه المعطيات، لا بد من التساؤل عن مدى قدرة ماكرون على تمرير مشروعه، خصوصاً أن الأحداث الأمنية تحتوي أدواراً لمخابرات من السعودية والإمارات، فكيف يمكن للسعودية الموافقة على مشروع ماكرون وتعمل في الوقت نفسه على تفجير الوضع اللبناني؟
إلا أن آراء أخرى تعتقد ان هذه الاضطرابات الامنية لها وظيفة إقناع قوى الثامن من آذار بمشروع الرئيس الفرنسي وإلا “فإنكم ذاهبون الى انهيار نهائي لبلادكم”، فتغيبون ويأفل نجمكم ومعها مشاريعكم؟
لذلك، فالمرجّح أن تندلع اشتباكات أمنية بين أكثر من منطقة لنسف مبادرة ماكرون التي تشكل مشروعاً سياسياً لا يعترض على سلاح حزب الله ولا على اشتراكه في الحكومة المقبلة، وهذا ما ترفضه السعودية ويسكت عنه الأميركيون الذين يبدون في الظاهر غير راضين لمشاركة حزب الله، لكنهم يعملون في الخفاء على دفع لبنان نحو مزيد من الانهيار والحصار والخنق لتجويع اللبنانيين وخلق تناقض بينهم وبين 8 آذار.
يتبين أن المشروع الفرنسي لا يحظى بموافقات عميقة من الطرف السعوديّ ولا يدعمه الأميركيون بإسناد كافٍ، لذلك فإن الاجتماعات التي يرعاها الرئيس بري وضعت خطة ببديلين: الأولى خطة فرنسية معتدلة يتمثل فيها كل الأطراف بعد استشارات نيابية ملزمة تبدأ الاثنين المقبل، اما الثانية فهي ذهاب الأكثرية النيابية المتجسّدة في 8 آذار وتحالفاتها لتأييد مرشح معتدل لرئاسة الحكومة، وتشكيلها على نحو يمثل القوى اللبنانية بكاملها، أو أصحاب الأكثرية النيابية المستعدّين للذهاب بعيداً في الدفاع عن لبنان قبل انهيار دولته وتصدُّع كيانه.