الوطن

هل الطريق سالكة أمام التأليف بعد تجاوز قطوع الاستشارات والتكليف؟

} علي بدر الدين

لم يُحدث تكليف سفير لبنان في ألمانيا الدكتور مصطفى أديب لتشكيل الحكومة الصدمة الإيجاببة المنتظرة والمطلوبة سياسياً وشعبياً، التي كان من شأنها أن تؤسّس لمرحلة جديدة، تبدأ بولوج العملية الإصلاحية واجتثاث الفساد وكشف الفاسدين ومحاسبتهم، ووضع لبنان على السكة الصحيحة. غير أنّ الذي حصل لجهة التسمية والتكليف كان مفاجئاً وعلى عكس المتوقع، لأنّ الشعب اللبناني لم يعتد على رؤية الطبقة السياسية الحاكمة بهذه الأريحية، وهذا الحرص. كأنّ أحداً كسر قالبها المزمن الذي شكل على الدوام مصدر قلق وخوف وخطر على الحاضر والمصير، وحوّله إلى قالب يوحي زوراً بالأمل والتفاؤل، والعودة إلى الوطن لإنقاذه بعد أن أسقطته بسياستها الإفسادية والتحاصصية والارتهان إلى الخارج بالضربة القاضية والتي بفضلها انهار اقتصاده وجاع شعبه، ويكفي للدلالة على ما حلّ به وما ينتظره، التقرير المخيف للاسكوا الذي يتوقع أنّ أكثر من نصف سكان لبنان سيجوع مع نهاية العام الحالي. كأنّ وحياً نزل عليها وقلب حالها حيث نزعت أقنعتها وأزالت متاريسها وكلّ الخطوط الحمر المرسومة على قياس مصالحها وأجنداتها محلياً وخارجياً، وفككت ألغامها وفتحت الطريق لتسهيل عملية التكليف بسلاسة وبراءة الأطفال في عينيها، وقد تحوّلت إلى حمل وديع، وعادت إلى صوابها بعد ٣٠ سنة من التسلط والظلم والاستبداد والفساد والتحاصص، وقد استفاق ضميرها بعد غيبوبة طويلة، ولا بدّ لها من تصحيح توجيه البوصلة أقله من خلال الإتفاق على تكليف السفير مصطفى أديب لتشكيل الحكومة، وبعدها لكلّ حادث حديث.

يبدو أنّ المطلوب من الطبقة السياسية الحاكمة تمرير التكليف، أولا احتراماً لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهي الثانية له في أقلّ من شهر، لأنه من غير المعقول ان لا تقدّر المنظومة السياسية الحاكمة حرص الرئيس الفرنسي على لبنان وشعبه وعلى الزيارتين اللتين خصّ بهما لبنان في هذه المرحلة الصعبة، لتأكيد مدى حرصه وحبه للبنان، ولا يجوز أن يعود خائباً الى بلاده، وهو رئيس دولة عظمى ومؤثرة في العالم.

التكليف سيعبر بأقلّ الخسائر عند الطبقة السياسية على أكثر من مستوى سياسي وشعبي وشخصي، لأنّ التحدي الأكبر هو عند تشكيل الحكومة حيث يكمن الشيطان في تفاصيل هذه الطبقة، ولديها فائض من الوقت للتجاذبات والسجالات والتنمّر والكيدية والمناورة. وهي من ناحية تشغل نفسها وتستنفر بيئاتها، وتشغل اللبنانيين بتفاصيل التشكيل والأسماء والحقائب واسم الحكومة وعدد وزرائها وحجمها، وهي أساساً تأتي في ظرف خاطئ إما التسريع في التأليف أو اتخاذه ذريعة لتقطيع الوقت. خاصة أنّ التشكيل المرتقب وقع على حافة الإنتخابات الأميركية التي تجذب اهتمام العالم الذي لا وقت لديه للاهتمام بالتفاصيل الصغيرة لدول الهامش الغارقة بالفقر والجوع والبطالة والمحكومة من أنظمة فاسدة ومستبدة.

ليس لنا موقف شخصي من الرئيس المكلف، ولن نصدر أحكاماً مسبقة بحقه أو نستبق ما هو آت ومتوقع، ولن نطلب الى الشعب أن ينتظر ويأمل ويتفاءل، لأنها اصبحت مصطلحات تافهة لا أهمية لها ولا قيمة. وباتت مجرد ألفاظ خشبية مؤذية، وغير مشمولة في قاموس هذه الطبقة التي لازالت لتاريخه هي من يتحكم بكل كبيرة وصغيرة في هذا البلد ٠لم يعد مفيدا ان يتلطى البعض خلف إصبعه أو يتوهم سقوطها دوليا حيث ما زالت مدعومة والفعل أمامنا أميركيا وفرنسياً وغربياً. أو أنها ستسقط بفعل إنتفاضة الشارع الغارق بأوهامه والباحث عن موطئ قدم في السلطة. وان وجدت مجموعات شبابية صادقة وجدية ولكنها محاصرة من الحلفاء والخصوم.

ليس صدفة أن يكلف الدكتور مصطفى أديب، تشكيل الحكومة، ويبدو أنه مخطط له منذ البداية، وبقيت ورقته مستورة حتى لا يكشفها البعض ويطيرها، وكلّ الأسماء التي تمّ التداول فيها كانت لصرف النظر عن الإسم الحقيقي والذي يستدعي نضوج طبخته موافقة بعض القوى والكتل السياسية والنيابية، وهذا ما حصل وتمّت تسميته قبل حصول الاستشارات النيابية الملزمة التي اتقدت إلى المفاجآت وجاءت باردة إلا من بعض المواقف لزوم الحدث واللحظة، وهذا الإسم لا يشكل إستفزازاً لأحد، ولا يؤثر على «زعامة» سعد الحريري ولا على مستقبله السياسي أو في رئاسة الحكومة «المطوّبة» له حصراً.

إنّ حكومة أديب التي يبحثون لها عن عنوان، إذا ما كتب لها أن تشكل بالسرعة التي تمّت فيها تسميته وتكليفه، لن تختلف عن حكومة حسان دياب وانْ تبدّلت الأسماء والحقائب والعناوين بالطبع مع ثبات البيان الوزاري الذي يواكب كلّ الحكومات مع تغييرات في النقاط والفواصل والفقرات. وقد تكون الأمور مع الحكومة الموعودة أكثر تعقيداً بسبب تداعيات زلزال المرفأ والطروحات السياسية الحادة من الحياد الى الدولة المدنية إلى الدعوة لصياغة عقد جديد للبنان طرحه الرئيس الفرنسي في زيارته الأولى له، فضلاً عن جائحة كورونا والملفات الأقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، وغيرها من أزمات ومشكلات متراكمة.

الحكومة المرتقبة، أياً كان شكلها وحجمها وبيانها الوزاري أو جدية رئيسها وقد بدأ التصويب عليها قبل أن تتشكل، وعليه من خلال كشف خصوصياته الوظيفية والعائلية وارتباطاته وطريقة تعيينه سفيراً وحجم راتبه والإيحاء بأنه لن يقدر على فعل شيء، وليس بإمكانه اختراق المنظومة السياسية الحاكمة أو مخالفتها، لأنها إذا غضبت منه ولم ينفذ أوامرها ويحمي مصالحها، فإنها قادرة على الإطاحة به وبحكومته متى شاءت على قاعدة من صنع تمثال التمر يأكله كلما رغب في ذلك.

لا يتوقعن أحد من هذه الحكومة إذا ما كتب لها أن تولد وتبصر النور قريباً أيّ فعل فوق العادة أو أيّ إنجاز إلا ما يشبه إنجازات الحكومة السابقة التي إنْ لم تنفع، فلن تضرّ، عكس الحكومات المتعاقبة السابقة لها التي كانت وبالاً على لبنان وأغرقته وأفقرت شعبه وجوّعته وسرقت أمواله.

إنها ليست دعوة إلى اليأس بل حقيقة دامغة واضحة لا مجال لإنكارها وهي إذا ما استمرت الطبقة السياسية الحالية في مواقعها السلطوية وتتحكم بكلّ شاردة وواردة وفي تشكيل الحكومات تكليفاً وتأليفاً، لا أمل بالإصلاح ولا بالتغيير ولا بالإنقاذ.

ولا بدّ من الاعتراف بأنّ البديل غير موجود بل معدوم، والرهان على الشعب صعب ومعقد وغير مأمول به، وربما لم ينضج بعد. وقد يكون الرهان على التسويات والتفاهمات الاقليمية والدولية الكبرى الذي سيكون لبنان في صلبها. وانتظار ما تسفر عنه الإنتخابات الأميركية.

يعني الانتظار سيكون سيد الموقف، ولا خيار آخر أمام اللبنانيين سوى الرهان على عامل الزمن الذي قد يكون الآتي منه لصالحهم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى