عون: هناك حاجة لتطوير النظام أو تغييره والدولة المدنية قادرة على حماية التعددية
«المئوية زخرت بالخضات والأزمات والحروب»
دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى «إعلان لبنان دولة مدنية»، متعهداً «الدعوة إلى حوار يضم السلطات الروحية والقيادات السياسية توصلاً إلى صيغة مقبولة من الجميع تترجم بالتعديلات الدستورية المناسبة»، ومجدداً الإيمان بأنه «وحدها الدولة المدنية قادرة على حماية التعددية وصونها وجعلها وحدة حقيقية».
وخلال الكلمة التي وجهها إلى اللبنانيين، عشية الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول، حيث رأى عون «أن هذه المئوية، وإن كانت قد عرفت بعض حقبات من الإزدهار والنهضة الاقتصادية والثقافية والمؤسساتية، إلاّ أنها وبمجملها كانت زاخرة بالخضات والأزمات والحروب، لم يعرف فيها شعبنا استقراراً حقيقياً ولا الإطمئنان إلاّ لفترات قصيرة تشبه الهدنة ما بين أزمة وأزمة».
وإذ أشار إلى «ان النظام الطائفي القائم على حقوق الطوائف وعلى المحاصصة بينها كان صالحاً لزمن مضى»، اعتبر «أنه صار اليوم عائقا أمام أي تطور وأي نهوض بالبلد، عائقاً أمام أي إصلاح ومكافحة فساد، ومولّداً للفتن والتحريض والانقسام لكل من أراد ضرب البلد»، مؤكداً «أن هناك حاجة لتطوير النظام، لتعديله، لتغييره. سمّوها ما شئتم، ولكن الأكيد أن لبنان يحتاج إلى مفهوم جديد في إدارة شؤونه، يقوم على المواطنة وعلى مدنية الدولة».
وشدد على «أن تحوّل لبنان من النظام الطوائفي السائد إلى الدولة المدنية العصرية، دولة المواطن والمواطنة، يعني خلاصه من موروثات الطائفية البغيضة وارتداداتها، وخلاصه من المحميات والخطوط الحمر والمحاصصات التي تكبّل أي إرادة بناءة وتفرمل أي خطوة نحو الإصلاح». وقال إن «لبنان واللبنانيين يستحقون بعد طول المعاناة دولة تكون فيها الكفاءة هي المعيار، ويكون القانون هو الضامن لحقوق الجميع بالتساوي، والانتماء الأساس هو للوطن وليس لزعماء الطوائف»، مشيراً إلى «ان هذه الدولة هي مطلب شعبي، أصوات الشباب في الساحات تطالب بها»، ومتسائلاً «هل تلتقي عليها الإرادات السياسية وتبحث جدياً آلية الوصول اليها؟».
وفي حوار مسهب أجراه مع عون الإعلامي ريكاردو كرم لمناسبة المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، شدد رئيس الجمهورية على أنه لم يتغير، بل لا يزال هو نفسه «إنما القوى المتصارعة خارجياً وداخلياً والارتباطات الخارجية للبعض، كانت الحاجز الذي وضع أمامي وهي ليست بقليلة». ورأى أن النظام التوافقي وشرط الإجماع «كان يشلّ الدولة ويوقف القرارات مهما كانت أهميتها»، مشيراً إلى أنه حالياً هناك عدة جمهوريات، ويجب إعادة إحياء الجمهورية الواحدة.
وأكد أن «من يريد إسقاط ميشال عون هو كل من يلصق بنا الأخطاء التي يصنعها»، وأضاف «ما زلت أنا نفسي، برغم كل ما تحملته من انهيار اقتصادي، وتفليسة حصلت منذ 30 سنة إلى اليوم وتجمّعت حتى انفجرت في عهدي، ونتائج الحرب في سورية، وتداعيات فيروس كورونا، والكارثة الأخيرة في المرفأ».
ورأى أن لبنان كان عصيا على التغيير «ولكن الاحداث التي حصلت الآن ستكسر هذا الواقع، فأحياناً لا يحصل إصلاح إلا بعد كارثة، ويجب على كل شخص، أكان حاكماً أو مواطناً مغشوشاً أن يعي أن هذا الوضع يجب أن يتغيّر، والأمراض التي كنا نعيشها يجب أن نشفى منها».
وكشف أن «الغاز موجود في الحوض الرابع، وستُعرف بعد حين الظروف السياسية التي أوقفت استخراجه، نظراً إلى الوضع الجيوسياسي الحالي وصراع النفوذ الإقليمي والدولي ومحاولة الضغوط، فالشرق الأوسط يعيش معادلات قوة وليس معادلات حق».
وعما توصلت إليه التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، أكد أن «هذه التحقيقات هي سريّة، ولكن عليها أن تبدأ ليس من فترة وجود المواد المتفجرة في المرفأ، بل أن توضح من أين وصلت الباخرة، وأين حملت بالنيترات، ولماذا وصلت إلى هنا مع أنها كانت متوجهة إلى مكان آخر، ومن هو المسؤول عنها».
وإذ إعتبر أن من يهرب من المسؤولية غير جدير بالحكم، قال إنه «ليس خائفاً من مواجهة اللبنانيين على خلفية قضية انفجار المرفأ، وإن يديّ وضميري نظيفون»، لافتاً إلى انه لم يكن على علم بقضية المتفجرات وعندما وصله الخبر كان الأمر متأخراً جداً».
وإذ ميز الرئيس عون بين ثورة الـ89 وثورة 17 تشرين، إعتبر أن «حركة 17 تشرين كانت ممتازة لو أكملت بعقلانية معينة، وإذا لم يأت الشعب بالإصلاح فانه لا يدوم».
ورداً على سؤال، قال «لدينا برنامج كامل للإصلاحات الضرورية لكي نسترجع موقعنا وثقة العالم بنا، فإذا ما قمنا بهذه الإصلاحات يمكننا الانتقال إلى مرحلة ثانية والإتيان بأرصدة تحقق البرنامج الاقتصادي»، لافتاً إلى أنه «أعرب عن سعيه لتثميل الثوّار بوزراء إلاّ أن أحداً لم يتقدم ليعلن عن نفسه أو ليتعرّف علي عن كثب».
وإذ أشار إلى أن اتفاق مار مخايل لم يكبّله أبداً، إعتبر أنه كان بمثابة نوع من المصالحة «وقد دعونا الجميع إليها»، وعن سبب استمراره فيما سقط تفاهم معراب، أوضح «أن القضية هي قضية التزام ولا أريد أن ادخل في الكثير من التفاصيل، إن الاتفاق يُنجز عندما يلتزم الفريقان بشروط التفاهم، وأنا لا أريد الدخول في نقاش هذا الأمر».
واعتبر «أن العلاقة مع بكركي طبيعية، والمواقف السياسية لبكركي متقدمة»، وعن أحوال التيار العوني، أجاب «انا لست في قيادة التيار العوني حالياً، ولدي اليوم بصفتي «بيّ الكل» مسؤولية تجاه جميع اللبنانيين من 18 طائفة، والعدالة لا تفضيل فيها إلاّ بالحق».
وأعرب عن ترحيبه الدائم بلقاء الشباب في قصر بعبدا في حوار مباشر لتبديد هواجسهم.
تقرير أضرار الإنفجار
إلى ذلك، تسلّم الرئيس عون من وفد مشترك من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ضم المدير الإقليمي للبنك الدولي في الشرق الأوسط ساروج كومار جا، سفير الاتحاد الأوروبي في لبنان رالف طراف، المنسقة المقيمة للمساعدات الإنسانية للأمم المتحدة نجاة رشدي والخبير في البنك الدولي رجا ريهان أرشاد، التقرير الذي أعده البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي حول الأضرار التي تسببب بها الانفجار في مرفأ بيروت والذي تضمن تقييماً أولياً للأضرار، وسيتم تباعاً تحديثه كلما توافرت معلومات إضافية.
وأوضح كومار جاه أن «الخسائر الأولية بلغت حوالى 8,1 مليار دولار، وهي تشمل أضرار البنى التحتية والخسائر التي تكبدتها الحركة الاقتصادية»، لافتاً إلى أن لبنان «سيحتاج في مرحلة أولى تنتهي في كانون الأول 2021 إلى مبلغ مليارين و 200 مليون دولار من أجل النهوض وإعادة الإعمار، إضافة إلى الإنكماش الذي سيحصل في الاقتصاد الوطني»، وأوضح أن «مستويات الفقر والفقر المدقع سترتفع نسبتها»، وأشار إلى أن «الجهد سينصب ليكون العمل مستقبلاً فرصة لتحقيق الأفضل».