أكثر من تسمية… خطوة نحو التسوية
ناصر قنديل
– التوافق الذي أظهرته تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة الدكتور مصطفى أديب، وانطلاق التسمية من منصة رؤساء حكومات سابقين يصعب تلاقيهما على المشاركة بتسمية توافقية تحظى بقبول الغالبية النيابية وفي قلبها حزب الله، وتالياً العهد الرئاسيّ للعماد ميشال عون، من دون وجود موافقة خارجية تتخطى حدود باريس لتحطّ رحالها في الرياض وواشنطن، خصوصاً مع تولي الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة تلاوة التسمية تأكيداً للمشاركة فيها، وتزامن التوافق مع زيارة الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون الثانية إلى بيروت، بعد تحديد واضح لمضمون المبادرة الفرنسية، بقيامها على دعوة المكوّنات السياسية والطائفية إلى التعاون من ضمن حكومة جديدة تعمل على خطة إنقاذ مالي واقتصادي، والدعوة لوضع القضايا الخلافيّة جانباً، في توقيت كانت القوى الحليفة لباريس وواشنطن والرياض قد أعلنت رفضها الشراكة في حكومة في ظل عهد الرئيس ميشال عون، ولا تعتبر مهمتها المحورية مواجهة سلاح المقاومة، باعتباره المشكلة الرئيسية في البلد، ضمن خطة للتصعيد شقت صفوف مكونات الحراك الشعبي حول الموقف من سلاح المقاومة، ووضعت في إطار الخطة استقالات متتالية للنواب تمهيداً لانتخابات نيابية مبكرة كانت تأمل بنقل الأغلبية النيابية خلالها إلى صفوف معاكسة للغالبية الراهنة، وتعتبر أنها بذلك تلاقي التوجهات التي تلتقي عليها العواصم الثلاث باريس وواشنطن والرياض.
– تلقت القوى التي لا تزال تعزف اللحن القديم صفعة عجزها عن التقاط حجم التغيير الحاصل في مراكز القرار، وذهب بعضها للإيحاء بأن هناك تفرّداً فرنسياً من خارج التفاهم مع واشنطن والرياض متجاهلين أن فرنسا لا تملك مقومات التفرد بهذا الحجم وتنجح، وأن حجم التوافق يتخطى التفرد الفرنسي، خصوصاً الإشارة التي يقدمها منتدى رؤساء الحكومات السابقين، وبات واضحاً أن هناك اتفاقاً خارجياً داخلياً على تجديد الشراكة التي كانت قائمة منذ اتفاق الطائف، وبدأت تهتزّ منذ العام 2000 بعد تحرير الجنوب وفشل المفاوضات السوريّة الإسرائيليّة، بالتزامن مع بدء حروب المحافظين الجدد، وترنّحت هذه الشراكة إقليمياً خلال خمس سنوات وانتهت بالقرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري، لتتحوّل حرباً في 2006، وحرباً أكبر شهدتها سورية منذ العام 2011، وبلغت الذروة في دفع لبنان نحو الانهيار، مع تجفيف كل موارده وفرصه في الاستقراض، أملاً بجعل سلاح المقاومة موضوعاً أوّلَ على طاولة التفاوض، وجاءت مخاطر هذا التوجه لتثبت تباعاً تهوره من وجهة نظر المصالح الغربية بما يتيحه من سلوك بدائل تملأ الفراغ الناجم عن التخلي الغربي عن لبنان، كما قال ماكرون علناً، في تفسير ما قاله للأميركيين، مكرراً دعوة وزير ماليته لفصل مسار تعافي لبنان عن المواجهة الأميركية عن إيران، كما ظهرت المخاطر الأمنيّة على ضفاف المتوسط، وبرز الحضور التركي المنافس وبنسبة أكبر الحضور الصيني.
– خطوة تسمية الرئيس مصطفى أديب، تتخطّى مجرد الاتفاق على اسم رئيس مكلف بتشكيل الحكومة، وتفتح الباب للانتقال من التسمية إلى التسوية، حيث للتسوية أبعاد داخلية وخارجية، فمن الثابت استحالة تعويم النظام السابق سياسياً واقتصادياً، ونضوج لبنان للانتقال إلى نظام سياسي قاعدته قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس للشيوخ، كما نضوجه لنظام اقتصادي يعتمد على الإنتاج، وخارجياً سيصعب تخيّل نجاح المبادرة الفرنسية ومعها الحكومة الجديدة دون الالتفات إلى حجم الترابط بين الوضعين اللبناني والسوري، واستحالة تحقيق التقدم دون الانفتاح الفرنسي على سورية، وتعبيد طريق العلاقة بين الحكومتين اللبنانية والسورية كحاجة ملحّة في كل صعيد.