مقالات وآراء

} د. أدمون ملحم

 

ـ النزعة الفردية هي مرض طارئ ومتفشٍّ في مجتمعنا. والاعتراف بوجود هذا المرض في نفوسنا ليس عاراً على أحد، ولكن العار في ان نتركه يتمكن من نفوسنا ويقضي على مواهبها الجميلة.

ـ لا يمكن لنا ان نحقق أي انتصار او نهوض قومي بدون هذا الدافع الأخلاقي الجديد، دافع «الوجدان القومي» الذي يحرّكنا ويكمن وراء أعمالنا وجهادنا ويدفعنا إلى التضحية والعطاء والاستشهاد.

ـ سعاده لم يتوصل إلى مسلّماته الفكرية وإلى اكتشاف حقيقتنا القومية وكيفية نشوء الأمم بطريقة استبدادية، كيفية، وارتجالية.. بل اعتمد قواعد البحث العلمي والدرس المنظم.

ـ النظام هو المصحّ الوحيد لمرض النزعة الفردية لأنه يلوي عناد الأفراد ويمنعهم من التصرّف حسب أهوائهم ورغباتهم ويهذّب نفوسهم.

الفكر القومي الاجتماعي يقوم على أسس علمية واضحة ويستمد حقائقه من علوم الاجتماع والإنتروبولوجيا والتاريخ والجغرافية البشرية والسياسة والاقتصاد وغيرها من العلوم الإنسانيةفسعاده لم يتوصل إلى مسلّماته الفكرية وإلى اكتشاف حقيقتنا القومية وكيفية نشوء الأمم بطريقة استبدادية، كيفية، وارتجالية.. بل اعتمد قواعد البحث العلمي والدرس المنظم فنقّب بتعمق في مختلف المعارف واستقرأ حوادث التاريخ متوخّياً الإجابة الصحيحة والعلمية على أسئلة مصيرية فأوصلته دروسه «الاجتماعية والسياسية والاقتصادية» إلى تعيين أمته «تعييناً مضبوطاً بالعلوم المتقدمة وغيرها» وإلى تعيين مصلحتها الاجتماعية والسياسية من حيث حالاتها الداخلية ومشاكلها الداخلية والخارجية1

وهذا الفكر القومي الاجتماعي يكوّن عقيدة قومية شاملة تتناول قضية آفاق مجتمعنا الإنساني وتطوره. وهذه القضية، الكلية والهامة، نحتاج لفهمها «بكامل أجزائها وفروعها وما تتكشّف عنه من مناقب وأهداف سامية وما تتعرّض له في سيرها من مثالب في الحياة..»2 إلى «درس طويل عميق» وتأمل طويل وإلى أبحاث منظمة متسلسلة «لا تجمعها محاضرة واحدة أو كتاب واحد بل هي تستمر، ويستمر الفكر يتغذى منها ويتفتح على شؤون العالم مطلقاً، ويظل مجتمعاً يجد في هذا التفتح وهذا الاستمرار مراقي إلى ذروة الحياة الجيدة التي تليق بالإنسان الراقي ويليق الإنسان الراقي بها».3

في ما يلي سنحاول تسليط الضوء على بعض أفكار سعاده وربطها بموضوع «دوافع السلوك الإنساني»، وهو من المواضيع الهامة التي يدرسها علم النفس بمختلف فروعه وخاصة علم النفس الاجتماعي.

وهنا لا بد من الإشارة إلى:

1 – إن علماء النفس يلجأون إلى دراسة دوافع الأفراد لأغراض عديدة منها: أغراض الدعاية والشائعات والحرب النفسيّة ودراسة الميول والاتجاهات الفردية والاجتماعية والشخصية الإنسانية والسلوك الفردي والجماعي ومعالجة الأفراد والتنبؤ بحالات معينة.. كما يلجأون لدراسة دوافع الفرد لمعرفة أهدافه واتجاهاته ومستوى طموحه ومدى كفاحه وسلوكه. ولقد وضع علماء النفس نظريات عديدة في الدوافع الفردية ليس المجال هنا لعرضها وتفصيلها. وربط بعضهم أو استبدل مفهوم الدوافع بمفاهيم أخرى كالحاجات والرغبات والميول والنزعات وغيرها. وتصنّف الدوافع كما يلي:

الدوافع الشعورية والدوافع اللاشعورية.

الدوافع الدائمة والمؤقتة.

الدوافع الأولية والثانوية.

الدوافع الفيزيولوجية والدوافع النفسية والدوافع الاجتماعية وغيرها..

ولكن بداية نشير بأننا لا نحاول استنباط نظرية نفسانية من هذه الأفكار ولا الإيحاء بأن لسعاده نظرية جديدة في الدوافع تُضاف إلى النظريات العديدة التي وضعها علماء النفس مثل سيموند فرويد (Sigmund Freud) وابراهيم مازلو (Abraham Maslow) وهنري ماري (Henry Murray) وغوردن أولبرت (Gordon W. Allport) وغيرهم. فهذا لم يكن قصده، لأنه لم يكن عالماً نفسانياً مهتماً بتحليل الظواهر النفسية، بل ان اهتمامه كان منصبّاً على قضية شعبه ووطنه، قضية إنقاذ أمته من ويلاتها وأعدائها وصيانة حقوق هذه الأمة ومصالحها وسيادتها على نفسها. هاجسه الدائم كان هذه القضية القومية التي تعني حياة الأمة واستقلالها وحريتها ونهوضها من مستنقع الانقسامات والاتجاهات المتضاربة لتأخذ المكان اللائق بها بين الأمم ولتستعيد حيويتها وقوتها في ظل نظام قومي اجتماعي جديد.

سعاده إذاً، لم يقصد أن يأتي بنظريات مجرّدة تضاف إلى النظريات الموجودة في مختلف الحقول والمجالات، بل كان قصده تحسين حياة أمته والسير بها نحو الأفضل والأجمل. وفي سبيل هذا الهدف، استعان سعاده بحقائق العلوم واعتمد مناهجها واستفاد من نظريات علمية ودراسات أكاديمية عديدة وضعها علماء الطبيعة والاجتماع والإنتربولوجيا والجيولوجيا والجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والسياسة وغيرهم..

إن إنتاج سعاده الفكري الظاهر في كتاباته وشروحاته وخطبه يكوّن بمجموعه نظاماً فكرياً فلسفياً جديداً هو بمثابة العقيدة الجديدة للحياة الجديدة التي أرادها سعاده لأمته. وهذا النظام الفكري يتضمن مفاهيم وتعاريف وقواعد فكرية جديدة تخرجنا من فوضى المفاهيم والتعاريف والبلبلة الفكرية وتساعدنا على تحقيق النهوض في حياتنا بجميع وجوهها الاجتماعية والسياسية والثقافية والفنية والأدبية والروحية والأخلاقية..

ففي ميدان حياتنا الأدبية، على سبيل المثال، جاء سعاده بنظرية أدبية جديدة هي بمثابة الاتجاه الجديد لأدبائنا وشعرائنا لكي يُقيموا أدباً جديداً له أصول حقيقية في نفوسنا وفي تاريخنا، أدباً صحيحاً يعبّرُ عن فهم جديد للوجود الإنساني وقضاياه ويساهم في معركة نهوضنا القومي.

وفي ميدان حياتنا الموسيقية، وضع سعاده قواعد فكرية جديدة لكي يعتمدها الموسيقيّون في بلادنا فيصبح لنا «موسيقى ُتعدُّ من نتاج نفسيتنا نحن السوريين..»4 وتساهم كالأدب في معركة النهوض القومي بحيث «ترفع الأفكار والتصورات العقلية» وتكون «الحرية الثائرة على الظلم والاستبداد» و»المعبّرة عن الصراع بين عوامل الفناء وعوامل البقاءبين الموت والحياة».5

وبالنسبة لموضوع «دوافع السلوك»، فنرى أن كتابات سعاده قد تضمّنت مواصفات لنوعين أساسيين من الدوافع التي تحرّك السلوك الفردي في مجتمعنا، أحدهما سلبي والآخر إيجابي.

وفي ما يلي توضيح لمواصفات وعوارض هذين الدافعين ولأسباب بروزهما في حياتنا الاجتماعية:

أولاً: دافع النزعة الفرديّة

عندما بدأ سعاده التفكير بكيفية إنقاذ أمته أدرك انه لا بد له من ان يحّدد طبيعة المشكلات التي تعاني منها هذه الأمة قبل ان يقدّم الحل الصحيح لها. وبمعنى آخر، رأى أنه يجب تشخيص الداء قبل وصف الدواء.. ومن جملة المشكلات التي اكتشفها ورأى أنها تكوّن مشكلة خطيرة تهدد سلامة المجتمع وتمنعه من التقدم والنهوض، مشكلة اجتماعية تستحق اهتماماً كبيراً ومعالجة جدية هي بمثابة مرض عام خطير يفوق خطر الاحتلال الأجنبي، ونقصد به مرض النزعة الفردية.

مرض النزعة الفردية:

مرض النزعة الفردية هو دافع يقع وراء العديد من التصرفات والسلوكيات الاجتماعية السلبية التي تضّر بالمجتمع وتؤدي في معظم الأحيان إلى نتائج غير مستحبّة. وفي ما يلي سنعرض إلى بعض المواصفات لهذا الدافع ولأنواع السلوك التي يقدم عليها الأفراد بنتيجته:

هذا الدافع غير طبيعي. أي أنه دافع مَرَضي (مرض عام، داء وبيل).

النزعة الفردية (كدافع) هي مسألة نفسية، أي انها، وحسب تحليل سعاده، تكمن في النفوس. وفي هذا الخصوص يقول «إن النزعة الفردية مرض عام فينا وليس الاعتراف بوجوده عاراً على أحد، ولكن العار في تركها تتمكن من النفس وتقضي على مواهبها الجميلة وفوائدها الجليلة..».6

دافع النزعة الفردية يشكّلُ ظاهرة اجتماعية أي انها مرض يطال عدداً كبيراً من أفراد مجتمعنا. وفي هذا المجال يعتبر سعاده ان «هذه الظاهرة الاجتماعية» «ترافق جميع أعمالنا العمومية التي تحتاج إلى تآلف عدد كبير من الأفراد وتعاونهم في عمل مشترك».7 كما يقول: «إن في حياتنا الاجتماعية، في الوطن وفي المغتربات، ظاهرة تستحق اهتماماً كبيراً ومعالجة جدية هي ظاهرة النزعة الفردية في تصرفاتنا الاجتماعية وأفكارنا وميولنا، وما يوجب الاهتمام الكبير لهذه الظاهرة هو انها تدخل في جميع أسباب حياتنا الاجتماعية، العائلية والعمومية على حد سواء، وهي مع الظاهرة الأخرى المصاحبة لها، أي ظاهرة الاستهزاء والاستخفاف، في مقدمة الصعوبات التي تواجه الحركة القومية في عمل التربية والتنظيم القوميين».8

النزعة الفردية هي دافع غير بيولوجيّ أي انها ليست صفة كامنة في طبيعة شعبنا وملازمة، بحيث لا يمكن تغييرها او معالجتها. فكما يؤكد سعاده «ان النزعة الفردية ليست طبيعة في السوري وإن تكن متفشية في أبناء الجيل الحاضر…».9

النزعة الفردية هي دافع غير دائم. «إنها مرض طارئ يجب التغلب عليه».10

دافع النزعة الفردية لا نراه أو نلمسه بل نرى نتائجه الظاهرة في السلوك والتصرّفات الناتجة عنه.

عوارض النزعة الفردية:

دافع النزعة الفردية يقود الفرد إلى أن يبحث برأيه حتى ولو كان على خطأ.

يقود الفرد إلى ان يستهزئ ويستخفّ بالآخرين.

يقود الفرد إلى ان لا يحترم الآخرين وآراءهمإذ يسفّه رأي غيره.. («لماذا يجب أن يحترم رأي غيره ويُصغي إليه؟»).11

يدفع بالفرد إلى أن يدّعي العلم او المعرفة او الفهم.

يملأ الفرد بالغرور ويقوده إلى «الطموح بغير استحقاق».12 فيتنطّح لمهام ليست بحجم كفاءاته ويدّعي أموراً فوق طاقته ومؤهلاته. يقول سعاده: «بعض الأفراد تصل بهم النزعة الفردية إلى حد لا يرون عنده فارقاً بين الاختصاص في فن من الفنون ومن لا علم له به أو بين المعلم والتلميذ والقائد والجندي او الضابط الصغير. وتشتد هذه النزعة في مَن شعر بذكائه ونجاحه في ناحية من النواحي او من ظهر بشكل من الأشكال في عالم الأدب وحمله ذلك على الاغترار بنفسه».13

يدفع بالفرد لاعتبار نفسه مقياساً لكل الأمور. وكما يشير سعاده إلى أنّ «النزعة الفردية لا ترى في الكون إلا صاحبها ولا تراه إلا جديراً بأرفع المناصب. فإذا شاء الفرد أن لا يطلب أرفع المناصب فذلك منّةٌ منه على الناس».14

يقود الفرد إلى اعتبار كرامته الخاصة فوق كل الكرامات.

يقود الفرد إلى ان يمارس الفوضى وأن لا يتقيد بالنظام. فهو يعتبر نفسه فوق النظام، لا بل يتوهّم أنه سيد النظام ومعيّن حدوده.

يقود الفرد إلى تخطي المراتب والحدود. فكما يقول سعاده: «ذو النزعة الفردية لا يعرف، ولا يريد أن يعرف، أنّ هنالك حدوداً واختصاصاً ومراتب للشؤون والأعمال، أو هو يعرف أنّ هذه الأمور موجودة، ولكنه هو فوقها».15

يمنع الفرد من الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ومن التعاون مع المجموع.

يمنع الفرد من الالتزام بالقسم وبالعهود ويدفعه إلى الحنث بيمينه. يقول سعاده: «لا يستحي الفرد أن يحنث بيمينه، أو أن يتخلى عن عمل قومي اجتماعي أو سياسي أو غيره، لمجرّد أنّ الأمور لم تجرِ حسبما يشتهي أو لأن يعدّ نفسه أكبر من أن يقبل حكم المنظمة ويعمل بموجبه».16

يمنع الفرد من التقيد بواجب دائم.

يدفع بالفرد إلى استغلال الآخرين واستغلال جهودهم.

يدفع بالفرد إلى حبّ الظهور.

يفقد ثقة الفرد بالمسؤولين والرؤساء او بالزملاء..

نتائج النزعة الفردية:

النزعة الفردية كمرض ودافع يحرّك السلوك والتصرفات لها نتائج وأضرار فادحة في المجتمع. ومن نتائجها ما يلي:

تؤدي إلى المنافسات والمشاحنات والنزاعات الفردية وإلى التصادم الفردي وكثير من المنافسات الهدّامة.

تدفع بالفرد إلى الكذب والتحايل والرياء.

تدفع بالفرد للابتعاد عن أغراض الجماعة.

تؤدي إلى انعدام الثقة المتبادلة بين أفراد الجماعة. وفقدان الثقة، يؤكد سعاده، «هو أعظم النكبات التي يمكن أن تحلّ بكيان أو نظام».17

تحول دون نشوء تقاليد وأعراف جديدة على أساس المناقب السامية، وبالتالي، تساهم في هدم كيان الجماعة وفي تفكك المجتمع وانحلاله.

تدفع المصاب بها إلى «ازدراء النظام واحتقار العرف وجعل الشذوذ عن القواعد المؤسّسة قاعدة. وهو أسوأ أنواع الانحطاط الاجتماعي وشر ضروب الانحلال القومي».18

أسباب بروز النزعة الفردية:

وجدنا أن النزعة الفردية هي دافع نفسي طارئ. أي أنها ليست طبيعة في السوري ولا تشكل جزءاً من طبيعة نفسيتنا. فما هي أسبابها؟

أسباب هذه الظاهرة تعود إلى تفكك مجتمعنا وانحلال نظمه وانحدار أخلاقه وإلى تخلفه وتفشي الثقافات اللاقوميّة والفوضى فيه، وذلك نتيجة خضوعه لسيطرة الاستعمار الأجنبي لأزمنة طويلة. وفي هذا الخصوص، يعتبر سعاده ان «هذه الظاهرة هي نتيجة انحلال نظامنا الاجتماعي السياسي وانحطاط مستوى ثقافتنا وتهذيبنا».19

حل مشكلة النزعة الفردية:

بعد أن حدّد سعاده مشكلة النزعة الفردية الخطيرة وتعرّف على أسبابها وعوارضها ونتائجها، بادر عندئذ إلى تقديم الحل لهذه المشكلة. والحل بالنسبة له هو ان نكافح هذا المرض ونتغلب عليه. ويتم ذلك بخطوتين:

الخطوة الأولى، هي الاعتراف بوجود المرض.

الخطوة الثانية: هي بقبول العلاج حلواً كان أو مراً.

وكثيرون من المصابين بهذا المــرض والممتلئين غــروراً، ينكرون وجود النزعة الفردية في نفوســهم، لا بل هم يحاضرون في أضرارها ونتائجها.. وعندما تتصــادم مصلحة أحدهم الشخصية بمصالح الجماعة التي ينتمون إليها وبأغـــراض نظامها الذي يطال الجميع، يدوسُ هذا الفرد على النظام ويرمـــي به جانــــباً لأنه يعتبر نفســه فوق النــظام ولا تجوز محاسبته. وسعاده يحذّرنا من هؤلاء قائلاً: «لا يقـــولن أحد منهم «ان الــداء في غيري وليس فيَ» فهذا القول من أقوى الأعراض الــدالة على وجود الداء في القائل.

أما الصحيح فالإدارة القومية الاجتماعية لا تغفل عن صحته وهي تعطيه براءة بها. ولكن الذي يعطي نفسه براءة شخصية ويستغني بها عن براءة المنظمة القومية الاجتماعية فهو من الذين لا يريدون الاعتراف بوجود المرض ولا يقبلون علاجاً. أنهم أصحاء لأنفسهم، ولكنهم ليسوا أصحاء للمجتمع».20

المصحّ لهذا المرض:

يعتبر سعاده ان «المصح الوحيد لهذا المرض، كما لغيره من أمراضنا الاجتماعية هو نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي».21 فالمقبلون على هذا النظام يجب ان يضعوا نصب أعينهم وجوب وضع جميع قواهم تحت تصرف الإدارة العليا لمكافحة هذا الداء الوبيل في نفوسهم كما في نفوس رفقائهم..».22

ويعتبر النظام هو المصحّ الوحيد لمرض النزعة الفردية لأنه يلوي عناد الأفراد ويمنعهم من التصرّف حسب أهوائهم ورغباتهم ويهذّب نفوسهم. فالنظام يرسم الحدود للأفراد ويحدد علاقاتهم ببعضهم ومع المسؤولين ويدفعهم للعمل بمقتضى الصلاحيات والوظائفومن تسوّله نفسه بالعبث بمصلحة الأمة وبالشذوذ عن اتجاه مسيرة الحزب كما تحدّدها الإدارات يتدخل النظام لكبح هذا الفرد وتصرفاته.23

خلاصة: النزعة الفردية هي مرض طارئ ومتفشٍّ في مجتمعنا. والاعتراف بوجود هذا المرض في نفوسنا ليس عاراً على أحد، ولكن العار في ان نتركه يتمكن من نفوسنا ويقضي على مواهبها الجميلة. لذلك فإن الزعيم، في مقال له عن النزعة الفردية، يشدّد بأنه «يجب على القوميين الاجتماعيين ان يكافحوا النزعة الفردية مكافحتهم الاحتلال الأجنبي، بل أشد، فخطر الاحتلال الأجنبي من الخارج اما خطر النزعة الفردية على سلامة المجتمع فمن الداخل».24 وفي مقال آخر، يقول سعاده: «قلنا ونكرر القول بوجوب مكافحة النزعة الفردية مكافحة شديدة على نسبة شدة خطرها. فهي من ألدِّ أعداء نهضتنا النفسيين».25

ثانياً: دافع الوجدان القوميّ

إن نقيض النزعة الفردية السلبية هو دافع إيجابي يقود الفرد إلى القيام بتصرفات وسلوكيات مناقضة تماماً للتصرفات التي تصدر عن صاحب النزعة الفردية. هذا الدافع الإيجابي تزرعه تعاليم الحركة القومية الاجتماعية في عقل الإنسان السوري الذي أعلن استعداده للمساهمة في نهوض أمته وشعبه ووضع جميع قواه وإمكانياته في تصرّف حزبه وقضيته. فهذه التعاليم المناقبية تكبت دافع النزعة الفردية في النفوس وتحاول القضاء عليه وتزرع مكانه دافعاً جديداً هو دافع «النزعة الاجتماعية» او ما يسميه سعاده «الوجدان القومي». وهذا الدافع هو ليس إلا «العقلية الأخلاقية الجديدة التي نؤسسها لحياتنا بمبادئنا» والتي «هي أثمن ما يقدمه الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة لمقاصدها ولأعمالها ولاتجاهها».26

فما هي خصائص ومواصفات هذا الدافع الإيجابي؟

خصائص الوجدان القومي:

الوجدان القومي هو دافع طبيعي وليس مرضي.

الوجدان القومي هو من طبيعة الإنسان السوري.

الوجدان القومي هو ظاهرة اجتماعية عصرية.

الوجدان القومي هو ظاهرة نفسية ونوع من الشعور والعواطف الحية والصادقة. إنه عبارة عن جهاز روحي وعوامل نفسية تدفع بالفرد إلى الإحساس مع الآخرين وإلى الشعور بحاجات مجتمعه..

الوجدان القومي هو سلاح مناقبي جديد للتغيير ولتحويل الوجود بالقوة إلى وجود بالفعل. إنه عبارة عن قوة روحية تعبيرية، هجومية، تعتمد الصراع والبطولة المؤمنة في سبيل تقدم الشعب وإنقاذه من الصعاب والمحن.

عوارض ووظائف الوجدان القومي:

الوجدان القومي يقوّي الارتباط الاجتماعي والشعور بوحدة الحياة ووحدة المصير.

الوجدان القومي يقوي الإخاء القومي والتضامن الاجتماعي والشعور بوحدة المصالح الحيوية والنفسية.

الوجدان القومي يوحّد الأفراد ويولّد فيهم محبة الوطن ويدفعهم للتعاون معاً لتوسيع موارد الأمة ولمواجهة الأخطار وللدفاع عن الوطن وعن الحقوق العامة والمصالح المشتركة.

الوجدان القومي يدفع الأفراد للخضوع لنظام الجماعة والمؤسسات «التي تحفظ وحدة الاتجاه ووحدة العمل».27

الوجدان القومي يعزز الثقة بالنفس ويقود إلى الصراحة القومية والصدق القومي والمحبة القومية.

الوجدان القومي يدفع بالفرد إلى ان يقوم بأعمال يعبّر من خلالها عن مصلحة المجموع وعن حق الأمة وخيرها..

الوجدان القومي يدفع بالفرد إلى ان يعطي من وقته وماله وأن يساهم بإمكانياته من أجل المصلحة العامة. فكما يقول سعاده في مقدمة كتابه نشوء الأمم: بفضل الوجدان القومي:

«الفرد يضيف إلى شعوره بشخصيته شعوره بشخصية جماعته. أمته» (الولاء للأمة).

«الفرد يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه».

الفرد يجمع إلى فهمه نفسه فهمه نفسية متحده الاجتماعي.

الفرد يربط مصالحه بمصالح قومه.

الفرد يشعر مع ابن مجتمعه ويهتم به ويود خيره، كما يود الخير لنفسه

خلاصة: لا يمكن لنا ان نحقق أي انتصار او نهوض قومي بدون هذا الدافع الأخلاقي الجديد، دافع «الوجدان القومي» الذي يحرّكنا ويكمن وراء أعمالنا وجهادنا ويدفعنا إلى التضحية والعطاء والاستشهاد. فمهما حققنا من مكاسب سياسية، ومهما كانت مشاريعنا بديعة وجذّابة، فنحن بحاجة لفهم هذه العقلية الجديدة والتسلح بها لكي نحقق النجاح.

وكما يقول سعاده: «في رسالات وخطب ومحاضرات عديدة وجهتها إلى القوميين الاجتماعيين أظهرت كم هو أساسي وضروري فهم العقلية الأخلاقية الجديدة التي تؤسسها تعاليم الحزب السوري القومي الإجتماعي».28 ويقول: «كل نظام يحتاج إلى الأخلاق. بل إن الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن ان يكتب له ان يبقى».29

 

 

1 ـ  سعاده. المحاضرات العشر، ص 49.

2 ـ  المرجع ذاته، ص 27.

3 ـ المرجع ذاته، ص 27-28.

4 ـ  سعاده، أنطون. الآثار الكاملة 1 أدب _ طبعة 1960، ص 144.

5 ـ  المرجع ذاته، ص 144.

6 ـ  انطون سعاده في مغتربه القسري، الآثار الكاملة، الجزء العاشر، 1942، «النزعة الفردية»، ص 38.

7 ـ  المرجع ذاته، ص 35.

8 ـ  المرجع ذاته، ص 34.

9 ـ  المرجع ذاته ص 37.

10 ـ  المرجع ذاته ص 37.

11 ـ  المرجع ذاته، ص 35.

12 ـ  المرجع ذاته، ص 60.

13 ـ  المرجع ذاته، ص 35-36.

14 ـ  المرجع ذاته، ص 60.

15 ـ  المرجع ذاته، ص 45.

16 ـ  المرجع ذاته، ص 60.

17 ـ  المرجع ذاته، ص 60.

18 ـ المرجع ذاته، ص 44.

19 ـ المرجع ذاته، 37.

20 ـ  المرجع ذاته، ص 37.

21 ـ المرجع ذاته، ص 37.

22 ـ  المرجع ذاته.

23 ـ  أنطون سعاده في مغتربه القسري، الآثار الكاملة 11، 1943، ص 78.

24 ـ  المرجع ذاته، ص 37.

25 ـ المرجع ذاته، ص 60.

26 ـ  سعاده، المحاضرات العشر، طبعة 1976، ص 178.

27 ـ  سعاده في أول آذار 1956، ص 48.

28 ـ  أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 178.

29 ـ  المرجع ذاته، ص 177.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى