الإمام الصدر و«الشر المطلق»
معن بشور
من يتابع خطب الإمام المغيّب السيد موسى الصدر ومحاضراته وأقواله يدرك أنه لم يكن يقصد بمقولته الشهيرة «إسرائيل شر مطلق» مجرد الاغتصاب الصهيوني لفلسطين والاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية فقط، بل كان يشير الى ما هو أخطر من ذلك بكثير وهو انّ الشر الصهيوني هو ذلك المشروع المتوغل في عمق مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هو مشروع تقسيم الأمة وتفتيتها والإشعال الدائم للفتن بين أبنائها، والإشغال المستمر لها عن قضاياها الكبرى.
لم تكن صورة التردّي في واقعنا اللبناني والعربي والإسلامي واضحة حين قال الإمام الصدر مقولته الشهيرة، لكن بوادرها كانت قد بدأت تظهر في لبنان من خلال الحرب اللعينة (نيسان عام 1975) والاحتلال الإسرائيلي الأول للجنوب (آذار 1978) أيّ قبل إخفائه بأشهر مع رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين…
وما قائمة الاغتيالات الطويلة التي شهدها لبنان مستهدفة زعماء كانوا رموزاً لوحدة لبنان وعروبته، بدءاً من القائد معروف سعد(1975) الى الزعيم كمال جنبلاط (1977)، الى الوزير طوني سليمان فرنجية (1978 ) الى العلامة الشيخ صبحي الصالح (عام 1986) الى الرئيس الشهيد رشيد كرامي (عام 1987)، الى المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد (1989)، الى الرئيس الشهيد رينيه معوض (عام 1990) الى القائد الشهيد السيد عباس الموسوي (عام 1992) الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري (عام 2005)، والاغتيالات التي تلت، وما الحروب التي شهدناها بين الطوائف والمذاهب اللبنانية، داخل كلّ منها، إلا عناوين بارزة لمخطط الشر الإسرائيلي آنذاك، والمستمر حتى اليوم، الذي نبّه إليه الامام المغيّب.
وما ينطبق على الواقع اللبناني، ينطبق كذلك على الواقع العربي والإسلامي، حيث شهدنا على مدى العقود الأربعة التي تفصلنا عن تغييب الإمام، مشاهد مرعبة من حروب بين الدول، وحروب داخل كلّ دولة، لها غاية واحدة هي خدمة المشروع الصهيوني…
فهل تكون ذكرى تغييب الأمام ورفيقيه هي فرصة لاستحضار الدروس والعِبر من تجارب مرحلة توغل الشر الإسرائيلي في مجتمعاتنا، فنسعى الى مراجعة تجاربنا جميعاً، نطوّر ما فيها من إيجابيات، ونتحرّر مما علق بها من سلبيات، ونعلي شأن التلاقي على شر التناحر، ودواء الوحدة على داء التفرقة، ونور التضامن على ظلام الاحتراب، وعقلانية الحوار على همجية الإقصاء، والاستماع الى نبض الناس وأوجاعها بدلاً من الانسياق الى جشع المصالح التي مهما بدت مغرية فهي زائلة وعابرة ومدمّرة…
وبهذا المعنى لم يكن الإمام السيد موسى الصدر مجرد رجل دين مميّز، وقائداً وطنياً وإسلامياً بارزاً، بل كان أيضاً رسالة انطلقت من جبل عامل الى عموم الوطن والأمة، ومنارة أطلت من مرفأ صور، مدينته المحبّبة، الى رحاب العالم كله…