عندما نحتفل بمئويّة موتنا التاريخيّ!
} نظام مارديني
بالتزامن مع الصخب الاحتفالي الذي واكب التحضير لمئوية لبنان الكبير، يمرُ شريط التاريخ أمامنا سريعاً، ونحن نتأمل شوارعنا التي لا يزال يزين اسماءها مندوبو الانتداب، كليمنصو وفوش وغورو وسبيرز، وغيرهم وغيرهم، وقد جاء مندوبهم المعاصر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليكرّس الانتداب باحتفال سورياليّ، أكد من خلاله أنه سيبقى وصياً على هذا الجزء من شعبنا، كما، أنه جاء لتكريس مفهوم التقسيم الذي هندسه المفوّض السامي دوجوفنيل، في دستور يستند الى التجزئة المناطقية والدينية من خلال المادة 95، وهي المادة التي كرست الحروب الأهلية وجعلت من لبنان شعوباً حضارية وشعوباً منحطة على مساحة 10,452.00 كم2.. بل هي المادة التي ألغت الهوية الواحدة وأبقت، الأهازيج والأغاني والدبكة والتبولة.. ليس إلّا.
لقد أظهر الاحتفال السوريالي بمئوية لبنان الكبير، أن ماكرون «لن يمنح اللبنانيين شيكاً على بياض وهو أنه، على خطى جدّه غورو، جاء ليهندس كل شيء بالبيكار على المقاس بعد أن استنفذ مشروع جده غورو قرناً من الزمن»، كما يقول الصديق الشاعر مصطفى بدوي. بمعنى أن الوصاية الفرنسية لا تزال تتجسّد في هياكل عظامنا لتستمر في تحقيق أهدافها على أرض الواقع ولأجيال لم تولد، ويبقى على عاتق أحزابنا الطائفية والمذهبية تهيئة الأجيال المقبلة على مسارح حروبها الأهلية، كما أرادها المفوض السامي دوجوفنيل في الدستورالى أبد الآبدين.
كان الحديث عن التنظيرات الحالمة بمئوية ولادة لبنان الكبير ورسم حدوده من النهر الكبير عند حدود فلسطين إلى البحر والجبل، البعيد عن الواقع المزري، هو كمن يحرث في أرض بور سواد الانقسامات الشعبية، والعنصريات الخبيئة والتي ما أن تغيب حتى تظهر في عقل «العائلات اللبنانية» الطائفية التي كان يتباهى بها الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون يوماً، وهو يردّد منتشياً: لبنان يتكوّن من العائلات المارونية، والسنية، والشيعية والدرزية!
كانت الاحتفالات مجرد تسلية نفسيّة وتنفيساً عن مكبوت.. وتبريراً من نوع آخر لدفن اللبنانيين أو إبقائهم على أعصابهم مئة سنة أخرى من الانقسامات والحروب الأهلية.. أليس الدستور الذي وقع على ولادته بقصر الصنوبر في الأوّل من أيلول العام 1920، الجنرال هنري غورو، وبمباركة بطريرك لبنان الياس الحويك، ورعاية المفتي الأكبر مصطفى نجا، هو أنهم وقعوا على موته حياً وبدماء ابنائه: رئيس الجمهورية ماروني، ورئيس البرلمان شيعي، ورئيس الحكومة سني.
إن الكمّ المعقد من القضايا الشائكة والمتشابكة في لبنان أفضى إلى ثلاث حقائق سيكولوجية:
أولاً: خلق تشوّش فكري لدى متخذ القرار (السياسي أو الطائفي) يضطره إلى التركيز فقط على القضايا التي فيها خطر على مصالحه السياسية والطائفية.
ثانياً: تعميق روح الشك في الآخر بين الفرقاء في بارانويا سياسيّة.
ثالثاً: تقوية الانتماءات والولاءات للأحزاب الطائفية والعشائرية ولدول خارجية على حساب الانتماء للمواطنة والولاء للوطن.
وقد أدّت هذه الحقائق إلى نتوءات كثيرة مبعثرة:
1 – نتوء سياسيّ يفتك بالمتحد.
2 – نتوء اقتصاديّ يشق عصا الطاعة البايلوجيّة.
3 – نتوء فوضويّ من هنا ونتوء عاصف المزاج من هناك، لتتشكل صورة هي عبارة عن لوحة من النتوءات الاجتماعية.
انظروا إلى ما حدث في العراق بعد احتلاله، ووضع «المندوب السامي» الأميركي، بريمر، عوامل تقسيمه بدستور طائفي وعرقي (رئيس الجمهورية كردي، ورئيس البرلمان سني، ورئيس الحكومة شيعي)، ويُراد لسورية أيضاً التقسيم ذاته، لإبقاء الحروب الأهليّة قائمة، وجعل الهلال الخصيب مجرد ولايات تتبع المركز تل أبيب!