أولى

طواويس لبنان يمثلون أمام نسر فرنسا!

 

 د. عدنان منصور _

أطل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مجدّداً على لبنان، معيداً عقارب الزمن الى مائة عام، ليذكّرنا بالمندوب السامي الجنرال هنري غورو، الذي صكّ و»أنعم» على لبنان، نظاماً فريداً، طائفياً، بغيضاً لا مثيل له، لا زلنا حتى اليوم، نعاني من آثاره وتداعياته المدمّرة، على البلد وعلى النسيج الوطني لشعبه ووحدته على السواء.

المندوب السامي، باسم فرنسا في ذلك الوقت، رسم، وقرّر، وأمر، ونفذ، وألزم «زعماء» لبنان، وإقطاعيّيه السياسيّين والطائفيّين، بالقبول بالأمر الواقع، والإذعان له، والالتزام بالطاعة. فلا اعتراض على قراراته وإملاءاته وسياساته، ولا رفض من قبل اللبنانيين، على كلّ ما يرسمه ويخططه ويطبّقه على الساحة اللبنانية.

بعد مائة عام، كانت فرنسا هذه المرة حاضرة مباشرة برئيسها، لا بمندوبها السامي، يستدعي الأعيان وجهابذة السلطة، وكلّ الذين اقترفوا الخطايا وشاركوا عن عمد في جريمة انهيار وطن، وإفلاس شعب، والعبث بكرامة المواطن وحريته ومستقبله وحقوقه.

أهي مذكرة جلب واستدعاء لطواويس يستحقونه ويليق بهم، حيث لم يستطع جمعهم، رئيس البلاد بسبب تعنّت وصلف وحقد البعض، فجمعهم رئيس فرنسا، يوعظهم، ينبّههم، يحذرهم، يلومهم، يحمّلهم المسؤولية، يعرب لهم بأسلوب لبق، وبكياسة فرنسية ناعمة من قبل «الأمّ الحنون»، عن استيائه لسياساتهم، وسلوكهم، ونهجهم، وأدائهم، وفشلهم الذريع، الذي أفسد كلّ شيء، وشوّه صورة لبنان في الداخل والخارج، من جراء أدائهم الفاسد.

كان الرئيس ماكرون، المعلم الأصغر عمراً، بين تلاميذ «معمّرين» سياسيّين فاشلين، ما كان همّهم يوماً، وطناً او شعباً، أو سيادة، أو استقلالا أو كرامة. فقد وجد أمامه وعن قرب، زمرة طبقة سياسية، أكل الدهر عليها وشرب، فاشلة بكلّ المقاييس، لفظها اللبنانيون، الذين أصرّوا على اجتثاثها، وقلعها من الجذور بأيّ شكل من الأشكال.

بعد مائة عام، تقف الطغمة السياسية أمام محكمة رئيس الدولة التي انتدبت لبنان، ليكاشفها علناً وصراحة في جلسة علنية، يعرّيها بكلمات ناعمة، لها وقعها عليهم كحدّ السيف دون ان يبالوا، يحكم عليها، وعلى دروسها وفروضها وكسلها الذي فاق كلّ حدود.

فبأيّ شكل واجه طواويس الطبقة الحاكمة الفاسدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما جمعهم والتقوا به، وهو الذي يعرف بكلّ دقة وتفصيل من خلال سفرائه ومبعوثيه وأجهزته، سيرة، وسلوك، وأخلاق كلّ واحد منهم، وما فعله وارتكبه بحق لبنان وشعبه، ومدى انغماسه في الفساد والصفقات والنهب المنظم للمال العام، وكلّ أنواع الموبقات.

بأيّ وجه قابل طواويس المنظومة السياسة رئيس فرنسا، وما هو الانطباع الذي كونه عنهم؟!

متى سيحفظ سلاطين السياسة اللبنانية، ماء وجههم وكرامتهم أمام العالم، وفي كلّ مرة يأتيهم زائر كبير، ومسؤول رفيع، يعرف حقيقتهم المرة بكلّ تفاصيلها وأسرارها وخفاياها، ليملي عليهم الأوامر والمواعظ والدروس، ويلوّح لهم كما يلوّح المعلم لتلاميذه بالقصاص ويمطرهم بالتوبيخ!

سيعود الرئيس ماكرون مجدّداً إلينا، ليرى على الأرض ما الذي حققه وفعله زعماء لبنان وطواويسه، وما أنجزوه. هل قاموا بواجباتهم المدرسية، وحفظوا دروسهم جيداً، وأدوا فروضهم كما يجب!

المحاكمة والمحكمة بانتظار أمراء الطبقة السياسية المتسلطة، لتقييم «إنجازاتهم العظيمة»، ومعرفة مدى الالتزام بما هو مطلوب منهم، لإعطائهم بعد ذلك دفتر العلامات التي حصلوا عليها، ومن ثم تقييم التلاميذ وإعطائهم الدرجة المناسبة التي يستحقونها.

ما أحوجنا اليوم لنستعين بحكمة شاعر عظيم من حكماء أمتنا، أبي الطيب المتنبي، عندما قال:

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميّت إيلام.

الحياء الحياء، والكرامة الكرامة،

يا من تعرفون كلّ شيء إلا الحياء وعزة النفس والكرامة.

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى