البديل الإقليمي للأميركيّين ليس جاهزاً!
} د.وفيق إبراهيم
ظروف التغيير في المنطقة العربية، جاهزة لتشكيل أنظمة سياسية جديدة تجسّد طموحات شعوبها أكثر من سياسات الأنظمة الحاليّة.
ما يمنع هذا التحوّل، هو استمرار الأميركيّين في دعم العناصر الأساسية للسياسات العربية، وهي الطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية والجهوية.
فهذه عناصر شكل المستعمرون البريطانيون والفرنسيون كامل المنطقة العربية استناداً اليها ولم يشذوا في اي ناحية من مناطقها.
الآن وبعد مئة عام تقريباً، بدأت معادلة التأسيس الغربية بالتصدّع، فمصر التي رحل منها تسعة ملايين من أقباطها نتيجة لفقر الدولة والارهاب الديني، تنقسم بين جيش يحكم واخوان مسلمين يعملون في الخفاء للسيطرة على الدولة، والسودان الذي سقطت دولته أعاد الغرب تشجيع الجيش على الإمساك بالسلطة ومنع التغيير وكذلك الحال في الجزائر التي لم تؤد انتفاضاتها الشعبية إلا الى إعادة تجديد سلطة النظام الحاكم بدعم فرنسي – أميركي.
لقد شملت الانتفاضات الشعبية في كامل العالم العربي باستثناء دول الخليج، لأنها مجرد قواعد أميركية مباشرة جرى تأسيسها على مساحات تفوق عديد سكانها المتواضع ومع ثروات ضخمة، حتى أصبح أي تحرك داخلي فيها بمثابة اعتداء مباشر على الأميركيين القادرين على إجهاضه بسرعة البرق وربما قبل أن يتشكل.
هناك ثلاث دول اظهرت جنوحاً للتمرد على هذا الإرهاب الأميركي وهي سورية والعراق وحزب الله في لبنان والدولة اليمنيّة في صنعاء.
لجهة سورية يكفي أنها جابهت بتمكن مشروعاً أميركياً لتفتيتها بواسطة عشرات التنظيمات الارهابية وتحالف دولي بقيادة واشنطن واحتلالاً تركياً لمناطقها في الغرب والشمال ومشروعاً كردياً للانفصال وتدخلاً سعودياً – اماراتياً – قطرياً – بالتمويل والتسليح والتحشيد الطائفي.
لا بد من التأكيد على ان سورية هي البلد الاقليمي الوحيد الذي تحالف مع ثلاث قوى الاولى دولية هي سورية واقليمية هي ايران والثالثة هي حزب الله اللبناني.
لذلك تمكنت الدولة السورية من تحقيق هذه النجاحات الكبيرة في وجه مشروع لا يمكن لاي دولة اخرى مهما تعاظمت قدراتها ان تجابهه.
اما العراق فلم تتمكن القوات الاميركية التي تحتله منذ 2003 من تقسيمه الى ثلاثة مكونات كردية وسنية وشيعية كما لحظ مشروعها منذ 1990.
وهذا سببه الدعم الايراني لقوى عراقية لا تزال تكافح الاميركيين والارهاب منذ عقد تقريباً، ونجحت في تأسيس تسوية مع الاميركيين تتعامل مع الاوضاع حسب موازنات القوى الداخلية، والإقليمية، وسط انقسام مذهبي وعرقي كبير.
على المستوى اللبناني، هناك دعم غربي مفتوح لنظامه السياسي الطائفي ادى الى اكبر فساد موجود في العالم انما على حجم لبنان.
لكن حزب الله اللبناني نجح في تأسيس مقاومة طردت العدو الاسرائيلي من 1982 حتى 2006 ودحرت الارهاب من شرقي البلاد، كما ادى دوراً مباشراً في سحق الارهاب في سورية الى جانب دور ثقافي في فنون الجهاد من اليمن الى العراق لذلك فان طبيعة المنطقة العربية اليوم تبدو منقسمة بين تيار جديد يتجسّد في الدولة السورية والحشد الشعبي في العراق وحزب الله من دون نسيان انصار الله في اليمن الذين يواصلون مجابهة مشروع أميركي سعودي – اماراتي – إسرائيلي بنجاح لافت.
ما هي نتائج هذه الصراعات؟
هناك قوة دولية وحيدة هي الولايات المتحدة الاميركية تلعب في الإقليم العربي بمفردها ومن دون منافسات من أطراف دولية موازية. فإيران دولة إقليمية قوية، لكنها محاصرة وتتعرّض لأعنف تحشيدات سياسية وعرقية وطائفية تجعل حركتها ثقيلة في المنطقة العربية.
هذه ليست دعوة لتدخلات دولية جديدة في الشرق الاوسط، لكن الصراعات الدولية تستند دائماً الى موازين قوى محلية تتعلق بالميادين المباشرة وخارجية ترتبط بالتحالفات الدولية لمنع التسلط الخارجي والحدّ من حركته.
لكن الأوضاع في المنطقة العربية ليست على هذه الصورة، فهناك وضع يد أميركية على العالم العربي مقابل انتفاضات سورية وعراقية ويمنية مع حزب الله، ليس لديها نصير دولي وازن يدعمها كما يفعل الأميركيون مع الموالين لهم في الإقليم.
وحدها سورية تلقت دعماً روسياً وازناً لحاجة موسكو الى مدخل الى المنطقة، لكن روسيا لا تزال في طور تأسيس دورها القطبي كما أن الصين تفضل تجميد حركتها السياسية العالمية مقابل المحافظة على صعودها الاقتصادي التدريجي الذي يتدحرج نحو قطبية كبيرة.
هذا ما يجعل الأميركيين يخسرون عسكرياً في الشرق الأوسط مع تجميد خسارتهم السياسية لعدم وجود منافسين من أوزانهم، وسرعان ما يجددون آليات هيمنتهم فيعود الصراع الى بداياته من جديد.
والدليل أن مشروعاً أميركياً كان يسيطر مع آلياته على 75 في المئة من سورية، تراجع حالياً الى حدود 25 في المئة فقط وفي مناطق داخلية مقفلة، ولا يزال قادراً على الحركة السياسية في سورية عبر الأكراد وبعض المعارضات المشبوهة.
كذلك هو الحال في العراق الذي تراجع الاحتلال الأميركي فيه بمعدلات كبيرة واصبح الحشد الشعبي أكبر قوة فعلية في ميادينه، لكن غياب المنافس الدولي للأميركيين والحصار المفروض على إيران أنتج تسوية متوازنة بين الاميركيين والإيرانيين مع غياب صيني روسي كامل.
تكفي هنا الإشارة الى نجاح يمن صنعاء بنقل المعارك الى الداخل السعودي وتحريره لمساحات كبيرة من أراضٍ تحتلها السعودية والإمارات لاظهار مدى حاجة انصار الله الى داعم دولي سياسي يسحب روسيا والصين من خانة مؤيدي دولة عبد ربه منصور هادي اليمنية المزعومة والمحسوبة على السعودي. يكفي ابتعاد موسكو وبكين حتى تصبح دولة صنعاء أكثر قوة في وجه الأميركيين.
كما أن ما فعله حزب الله في لبنان وسورية والإقليم أكثر من كافٍ لإمساكه بالدولة اللبنانية بكاملها في حين أنه يتعرّض اليوم لمحاولات اميركية لتجريده من سلاحه وقوته السياسية.
بأي حال فإن غياب المنافس الدولي والإقليمي للأميركيين لا يعني مطلقاً أن الأميركيين منتصرون.
فهم مهزومون، لكنهم يتحايلون لتأخير الاعتراف بالنتائج السياسية الجديدة، ولن ينجحوا في إعادة إحياء قوى داخلية متعاملة معهم في اليمن والعراق وسورية ولبنان هزمها حلف المقاومة أكثر من مرة، واحتمت بالطائفية والعرقية والقبلية، وهذه عناصر تعمل الجبهات المنتصرة على مجابهتها بمشاريع سياسية لها أبعاد وطنية متكاملة.