الياسمين للشام والفعل لمصر..!
} سماهر الخطيب
الياسمين.. هذه الزهرة البيضاء الصغيرة بحجمها والكبيرة بقيمتها المعنوية بالنسبة للسوريين كافة والتي تحوّلت إلى رمز دمشقيّ، بعدما ارتبطت بتاريخ الشام وانتشرت في بساتين غوطتها وعلى شرفات منازلها وتسلّقت جدران بيوتها القديمة، وحدائق بيوتها الجديدة وحدائقها العامة والخاصة..
وما أن يُذكر البيت الدمشقي حتى تتداعى إلى الذاكرة مباشرةً صورة نمطية حميمية لحيز مكاني يعبق بأريج الليمون الدمشقي والنارنج والفل والحبق والأضاليا والمستحية والياسمين الدمشقي… إذ باتت تشكّل إحدى مميزات البيت الدمشقي الرئيسية، برائحتها الذكية وشكلها الأنيق..
إلا أنّ تلك الزهرة البيضاء التي ارتبطت بمدينة دمشق ارتباطاً وثيقاً وأصبحت رمزاً طبيعياً من رموزها عبر العصور ليست سورية من ينتج عطرها.. وليست الشام من يعبق بعطر ياسمينها العالم، إنما مصر هي التي تنتج نحو ستة أطنان من عجينة الياسمين سنوياً، ويأتي 70 في المئة منها من محافظة الغربية، وكل طن من عجينة الياسمين ينتج على الأقل نصف طن من الزيت الخام.
ويجلب تصدير الياسمين 6.5 مليون دولار سنوياً لمصر، وتساهم هذه الصناعة في توفير الدخل لحوالي 50 ألف مصري، وفقاً للاتحاد الدولي لتجارة الزيوت والعطور، الذي يقول إن 95 في المئة من مستخلص الياسمين الذي يدخل في صناعة العطور في العالم يأتي من مصر والهند.
ويؤكد تقرير للاتحاد صدر في أوائل عام 2019 أن «مصر تصدر تقريباً كل إنتاجها من زيوت وعجائن الياسمين». وتحتل مصر المرتبة الأولى على مستوى العالم من حيث جودة عجينة الياسمين، ولذلك يفضل معظم المستوردين عجينة الياسمين المصري.
وقال أحد الخبراء المصريين، إن «تجارة الياسمين في مصر مستمرّة منذ عقود، وتزرع البلاد حوالي 81 ألف فدان من النباتات الطبية والعطرية وتخطط لتوسعتها في المستقبل القريب».
والعتب ليس لكون مصر هي الأولى بإنتاج هذا العطر الفائق الجمال، فيبقى لكل مجتهد من عمله نصيب.. إنما كثر الكلام عن الياسمين الشامي وأناقة صباحاته وقلّة الفعل في زراعته واستثمار مميزاته.. خاصة أنّ السوريين يمتلكون كنوزاً ثمينة من الورد والأزهار الفوّاحة، يمكن أن تدر عليهم مئات الملايين من الدولارات سنوياً، لكن هذا الكنز يعاني من إهمال طال أمده، ولم يُنظر إليه بعين الجدية!
وهذا الكنز الذي يملكه السوريون، هو كنز لا ينضب، بل يزداد من حيث الكمية والقيمة، كلما ازدادت العناية به. وليس محصوراً بالياسمين فقط بل بالوردة الشاميّة التي تأتي بالمرتبة الأولى وتعتبر أغلى من الذهب إذ إن الكيلو الغرام الواحد من عطر الوردة الشامية يحتاج إلى سبعة أطنان من الورود الطبيعية، ويصل سعره في الأسواق العالمية إلى أكثر من خمسين ألف دولار.
وتأتي الوردة الشامية في المرتبة الأولى من حيث الأهمية، وهي الأكثر شهرة بين الورد في العالم، وقد نقلها اليونانيون والرومان والمصريون قديماً إلى أوروبا وأفريقيا، واكتسبت مكانتها لفوائدها العطرية والتجميلية، وبعد أن غابت عن دائرة الاهتمام، أعيد لها الاعتبار منذ عام 2005، واعتبرت الوردة الوطنيّة لسورية ويزيد سعر الغرام الواحد من الزيت العطري للوردة الشامية، عن سعر غرام من الذهب الخالص (عيار 21 قيراطاً)، بينما يصل سعر الزجاجة الصغيرة من عطرها إلى حوالي ألف دولار، لأن هذا العطر يعتبر من أفخر العطور في العالم.
ناهيك عن أنّ سورية بلد زراعي تصل مساحات الأراضي الزراعية إلى 30 بالمئة من مساحتها وهي الأعلى في المنطقة، وجاء تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد على الاهتمام بالزراعة وإعطائها الأولوية في سلم اهتمام الجهاز الحكومي وذلك لكون هذه البلاد بلاداً زراعية في الدرجة الأولى إذا ما أولت اهتماماً بهذا القطاع وبالتالي القطاعين الصناعي والتجاري القائمين على القطاع الزراعي فإنها حتماً ستحقق نهضة نوعية في زمن قياسي.
وإذا ما أعطي هذا «الكنز العطري» اهتماماً إضافياً فمن الممكن أن تصبح سورية بلداً مصدراً للزيوت العطرية مع امتلاكها لكنز من الورد والأزهار شريطة أن يتم توسيع المساحات المخصصة للزراعة وإدخال التقنيات الحديثة في هذه الصناعة الجمالية.
بخاصة أنّ سورية غنية بالفل والياسمين والورد الجوري والريحان والقرنفل والزنبق والبنفسج والنرجس، ويعتبر الياسمين الأكثر انتشاراً في البيوت والحدائق ولا سيما في دمشق التي ارتبط الياسمين بها، ولا تقل أسعار عطور الياسمين عن عطر الوردة الشامية. لكن جميع هذه الأزهار تحتاج إلى زراعة منهجيّة وإلى التوسّع بزراعتها كي تعطي مردوداً اقتصادياً عالياً، ولتشكل مورداً مهماً للعاملين فيها.
وفي ضوء ذلك، يتوجب على السوريين ألا يتغنوا بالياسمين فحسب إنما عليهم التوجه نحو نهضة في مجال العطور وزراعة الورود، ولعلهم يوظفون ثروتهم بتصديرها إلى العالم، ولا سيما أنّها تكنى ببلاد الياسمين حتى لا تصبح تراثاً يندثر مع ما اندثر من عبق حضارتها وسحرها..