من أين هبطت فزاعة المثالثة على رؤوس اللبنانيّين؟
ناصر قنديل
– حدث ما لم يكن في الحسبان بالنسبة لبكركي والفريق السياسيّ والإعلاميّ الذي أعلن ساعة الصفر في المواجهة الشاملة مع سلاح المقاومة، وتحميله مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي أولاً ومسؤولية تفجير المرفأ ثانياً، ذلك أن الأميركي الذي يدير معسكراً غربياً وعربياً تحاول هذه الحملة محاكاته وطلب دعمه والانضواء في ظلاله، قرّر فجأة ومن دون سابق إنذار أن هذه المواجهة باتت خارج السياق، وأن الجدران بوجه المقاومة والمتمّمة داخلياً لجدران العزل والحصار والعقوبات التي تم بناؤها خارجياً، صار مطلوباً هدمها لاستبدالها بجسور يتولى هندستها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون بالنيابة عن كل الحلف الذي تقوده واشنطن، لأن استراتيجية الحصار بالجدران ستؤدي لولادة جسور تمتدّ فوقها نحو الشرق، وإلى أنفاق تحتها ربما تنتهي بحرب إقليميّة يدفع ثمنها كيان الاحتلال الذي يتفوّق مكانة وأهمية في حسابات صاحب القرار على مصالح مَن يعتمد على حركتهم في لبنان ويراهن على نهضتهم بمسؤوليات المواجهة مع المقاومة.
– فتح ماكرون باب البحث باستئناف الشراكة الممنوعة منذ استخدام مظلة انتفاضة تشرين لإسقاطها تمهيداً للفوضى والفراغ كأساس لحملة الضغط القصوى، وجاءت حكومة الرئيس حسان دياب جداراً بوجه جدار، تفتح الباب لمواجهة التصعيد بالتصعيد، وتواجه الحصار بالاستعداد لجسور بديلة، فيما بدت المقاومة جاهزة لملاقاة التلويح بالفوضى بتعميمها على الوضع الإقليمي عبر الحدود من بوابة الردّ على الاستهداف وفقاً لمعادلة القتل ثلاثاً، والشراكة التي تنطلق من مبادرة ماكرون هي عكس الاتجاه الذي بُنيت السياسات الغربية عليه وبُنيت رهانات محلية على أساسها. وعنوان المبادرة ثلاثية هي، دور حزب الله أساسي في التركيبة اللبنانية وعلى أي خطة للإنقاذ أن تنفتح عليه وعلى مشاركته في العمل الحكومي، والحكومة المطلوبة هي حكومة جامعة يشترك فيها أوسع طيف سياسي من دون وضع المقاطعة من أي مكون على الطاولة تحت أي ذريعة، والقضايا الخلافية خصوصاً مستقبل سلاح المقاومة والدعوة للانتخابات المبكرة ودعوات الحياد، يمكنها أن تنتظر ولم تعد من الأولويات، ولا يمكن قبول ربط أي خطة إنقاذيّة بها.
– هكذا تحوّلت صرخات كثيرة كانت تعتقد أنها تشكل العنوان المقبل للإدارة السياسية للقضية اللبنانية إلى مجرد صراخ في واد عميق، ومنها خطاب بكركي القائم على اعتبار الأزمة اللبنانيّة المالية والاقتصادية نتاج الحصار الذي وقع تحته لبنان عربياً ودولياً بسبب حزب الله، ليحضر ماكرون ويقول ضمناً، إن الانفتاح الجاري نحو لبنان هو بشكل ما انفتاح على حزب الله، ومثلها تحولت الاستقالات النيابية إلى مأزق لأصحابها، فبدلاً من أن تكون مدخلاً لكرة ثلج تكبر لتبرر الانتخابات المبكرة بات النواب المستقيلون يبحثون عن موعد الانتخابات الفرعيّة ليقوموا بإعادة ترشيح أنفسهم عن المقاعد التي تخلوا عنها طوعاً، وفجأة التقط البعض من بين كلمات الرئيس الفرنسي حديثه عن عقد سياسي جديد، ليضعوا بين كلمات البطريرك فزاعة المثالثة، بديلاً عن خطاب الحياد الذي انتهت صلاحيته.
– المثالثة التي تعني إعادة النظر بحجم التمثيل المسيحي في الدولة، لتصغيره حتى الثلث بدلاً من النصف، وجعله مماثلاً لتمثيل كل من السنة والشيعة، مشروع لا أبوة واضحة له، فهو فزاعة وإغراء، لا يزال مصدرهما تلويحاً إعلامياً ومخابراتياً غربياً، فليس بين السنة والشيعة من فكر يوماً أو تحدث عن المثالثة بديلاً للمناصفة، والبديل موجود في اتفاق الطائف وهو مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف، وهو موضوع البحث الوحيد تحت عنوان العقد السياسي الجديد، أما المثالثة فهي فزاعة غربية للمسيحيين كلما خرج بينهم من يتمسك بأولويات لا تعجب الغرب، يتم تهديده بها كبديل للمناصفة التي يزعم الغرب أنه يحميها من التفوق العددي للمسلمين، وهي بالتوازي إغراء عرضه الغرب على الرئيس نبيه بري أيام لوزان وجنيف وربما يعيد عرضه من بوابة محاولة إغراء حزب الله، ومثلما رفضه بري سيرفضه حزب الله، فلماذا تتورّط بكركي بالتبرع باستحضار ضيف المثالثة من خارج المائدة وإعداد كرسي لجلوسه متصدراً، بينما لا أحد يريد شراكته في العشاء السريّ أو العلنيّ.