تدوير الزوايا في حلّ القضايا
} مريانا أمين
هل نحن أمام التلفاز لنشاهد (توم أند جيري) يتلاحقان ويتشاجران لكنهما لا يستطيعان العيش دون بعضهما البعض! فهذا ما يوحي إلينا تدوير الزوايا.
البعض يراه احتيالاً لحلّ القضايا المستعصية، والبعض الآخر يعتبره شطارة أو بمثابة تنويم مغناطيسي للآخرين.
إنه مجرد مصطلح اعتدنا عليه، علّه ينقذنا من هفوة؛ أو سقطة غير محسوبة. وقد يشكل مفتاح الحلّ لكثير من واقعنا السياسي المأزوم والشائك في هذا الوطن المعذب والمصادَر قراره من نظام سياسي طائفي أنتج طبقة سياسية مستبدّة وظالمة وفاسدة.
ويبدو أنّ تدوير الزوايا خرج من كونه مجرد مصطلح لغوي يُستعمل في مكان ما أو زمان معيّن لحلّ مشكلة أو معضلة أو حالة مستجدة وطارئة بهدف تنفيس الاحتقان أو تأجيل الأزمة العابرة، إلى اعتباره نهجاً سياسياً في التعاطي مع القضايا والنزاعات والأزمات المستعصية ربما، خاصة بعد أن تعذر على أغلبية المواطنين حلّ مشاكلهم كما يقتضي القانون، فيعمدون إلى حلها بما يلائم مصالحهم، من خلال ما يقال عنهم إنهم مدوّرو الزوايا لاعتقادهم وفق التجارب أنهم يملكون الفانوس السحري أو كأنهم سوبرمان زمانهم الذي يُعتبر أروع وأبرع أبطال الرسوم المتحركة.
الذي يدوّر الزوايا هو إنسان، لا يشبه غيره لأنه يمتلك المعرفة والحجة والدهاء والاطلاع على كلّ شاردة وواردة وكبيرة وصغيرة وكلّ ما له علاقة بالسياسة والمجتمع وقضايا الناس. وكما يُقال عنه في اللغة العامية (سياسي محنّك) يجيد التلاعب بالألفاظ وإسنادها بأمثلة شعبية تفي بالغرض أحياناً، حتى في معانيه الغامضة تكمن البلاغة وفنّ الخطابة المقنعة التي توحي بذكائه الحادّ. هذا النوع من البشر باستطاعته القفز فوق القوانين من دون المساس به أو إظهار مخالفته له المهمّ عنده والآخرين من أصحاب الحاجة الوصول إلى حلّ يرضي جميع الأطراف. انّ مدوّري الزوايا بأسلوبهم المَرن قادرون السيطرة على العقول بألفاظ بهلوانية يرضخ الإنسان الآخر من دون تفكير، بل ويصفق لهم عندما يلمس نتيجة تناسبه، وتحظى برضى وإعجاب الجميع بمن يمتلكون هذه القدرة والمهارة والذكاء والحنكة.
في لبنان لا نتذكّر هذا المصطلح فقط عند تشكيل الحكومات المتعاقبة!
بل في كلّ زمان ومكان وفي كلّ مشكلة عائلية أو عشائرية او مناطقية وغيرها.
لكن تدوير الزوايا مهمّ لمرحلة مؤقتة وليست دائمة، لأنّ من خلاله تمرّر الصفقات وتُعتمد المحسوبيات ويلتقي الأقطاب وتعطى قيمة للمصلحين بدلاً من فرض هيبة الدولة والقانون. وبغضّ النظر عن فعالية هذا الأسلوب ونواياه الحسنة أو السيئة فإنه في بعض المواقف يستجلب المحبة بدلاً من الكره والسباب والشتائم. وله تأثير كبير في النفوس، وقد يتقبّله الآخر برحابة صدر حتى في بعض الأحيان يرى الورود دون أشواكها. لكن هؤلاء المدوّرين للزوايا من حيث لا يدرون يقضون على الدولة وعلى قوانينها وعلى قضاتها ومحاميها.
هذا الحلّ الفلكلوري الملتبس والموقت لمشاكلنا الكبيرة والعميقة ليس بديلاً، ولن يكون موضع طموح اللبنانيين لأنهم تواقون دائما أن تحكمهم دولة القانون والمؤسسات. ولأنه لكلّ مقام مقال ولكلّ عرس دبكته ولكلّ عادة زمانها كما لكلّ وقت حكمه ولكلّ دولة رجالها، فبطبيعة الحال أن يكون لكلّ مشكلة قضاة ومحامون ومحققون وطنيون عادلون غير مسيّسين؛ وهم المدرّبون على إحقاق العدالة والبحث عن الحقائق دون تحكيم المشاعر مسبقاً.
فلماذا أصبحت قوانين العشائرية والعائلية أقوى من قوانين الدولة.
في أيّ عصر نحن!
نحن شعب يريد ان يتقدّم كما النهر الذي لا يسير عكس مجراه الطبيعي.
فإذا لا بدّ من إخراج وطننا من عنق الزجاجة حتى لا يصبح تدوير الزوايا صريراً مزعجاً ويضرّ أكثر مما يفيد. وبدلاً من تدوير الزوايا للشر وللمصالح الخاصة أحياناً، دوّروا النوايا كلها لإنقاذ الوطن، واستمتعوا بإنجازاتكم الخيّرة، لكن تحت سقف القانون!