عندما تسبق الاساطيل المساعدات وحرب المرافئ والطرق…!
محمد صادق الحسيني
لا معنى ولا مكان للصدفة في السنن الكونية وكلّ شيء بقدر وبيروت ليست استثناء…!
انفجار هائل في ميناء بيروت، يدمّر الميناء بشكل كامل ويدمّر عشرات آلاف المنازل في الأحياء المجاوره، بتاريخ ٤/٨/٢٠٢٠، تبعه بتاريخ ٩/٨/٢٠٢٠ اجتماع دولي عن طريق الفيدو كونفرنس، بين جهات دولية لبحث إمكانيات مساعدة لبنان بعد الكارثه، قيل إنّ المشاركين فيه أبدوا استعدادهم، للرئيس الفرنسي، بمساعدة لبنان بثلاثمائة مليون دولار. لكن القطع الحربية الفرنسية، التي كانت موجودة في شرق البحر المتوسط، قد وصلت المياه الإقليمية اللبنانية قبل وصول ايّ مساعدات، سواء من فرنسا او من غيرها من الدول.
كان هذا التحرك العسكري الفرنسي، المنسق مع الأسطول السادس الأميركي، عبارة عن أداة التمهيد لزيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للبنان، بتاريخ ١٣/٨/٢٠٢٠، ما يعني انّ الحملة الديبلوماسية الفرنسية كانت ولا تزال تتمتع بغطاء حربي من أسطولين في شرق المتوسط، الأسطول السادس الأميركي والأسطول الفرنسي، الأمر الذي يوضح بجلاء انّ وراء الأكمة ما وراءها.
وهذا ما اتضح، من خلال مسار زيارة ماكرون الأولى للبنان، وما تبعها من تصريحات لبنانية داخلية، حول مقولة الحياد، ثم التصريح الذي أدلى به البابا فرنسيس، قبل أيام، وفي تناغم مع تصريحات لبنانية داخلية أطلقتها بعض الجهات المعروفة الارتباطات، والذي جاء فيه (تصريح البابا) انّ لبنان يمرّ بفترة صعبة ولا يجب التخلي عنه.
وبالعودة الى كارثة الانفجار نفسها، فإننا وبغضّ النظر عن تفاصيل أسباب الانفجار ومسبّباته، وهل كان عرضياً أو مدبّراً، وما إذا كان نتج عن ضربة خارجية او من خلال عمل تخريبي، عن طريق عملاء على الأرض، فإننا مقتنعون تماماً بأنّ هذا الانفجار كان عملاً مدبّراً، منذ لحظة شراء نيترات الأمونيوم، من فرع شركة أسترالية في ميناء جبل علي بدبي، وحتى وصولها الى ميناء بيروت وتخزينها هناك طوال هذه السنين، بانتظار لحظة الحاجة الى تفجيرها، كان عملاً مخططاً بدقة وتقف وراءه أجهزة استخبارات دولية، كانت تتابع كلّ ما يجري في لبنان، من النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، ولديها ما يكفي من مواد التفجير اللازمة لقلب الأوضاع رأساً على عقب، سواء في لبنان أو في المنطقة أو حتى على صعيد أوسع وأبعد.
من هنا فإننا نعتقد بقوة انّ هدف من دبّر عملية التفجير، والذي يُفترض انه بات معروفاً للكثيرين، قد شمل في أهدافه أكثر من مجال أهمّها:
1 ـ الأهداف التكتيكية، المحدودة جغرافياً، والمتعلقة بتفجير الأوضاع اللبنانية الداخلية، في وجه حلف المقاومة ودرّة تاجه في لبنان، حزب الله، خلطاً للأوراق وتمهيداً لشنّ حملة عاتية ضدّه، تؤدّي الى شنّ أو طلب شنّ عدوان أميركي «إسرائيلي» على لبنان وحزب الله، تمهيداً لنزع سلاحه، تماماً كما حصل مع الجيش السوري سنة ٢٠٠٥، اثر اغتيال رفيق الحريري، الذي كان مخططاً بدقه، وربما من قبل نفس الجهة التي نفذت تفجير ميناء بيروت أوائل آب من هذا العام.
2 ـ قطع الطريق على ايّ تعاون اقتصادي، او من ايّ نوع آخر، بين إيران ولبنان، خاصة بعد المقترحات التي تقدّم بها سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والتي تضمّنت القيام بتنفيذ العديد من المشروعات الاقتصادية الاستراتيجية، من قبل شركات إيرانية، ودون تكليف الخزينة اللبنانية أية أعباء مالية، حيث كان يُفترض أن تنفذ بواسطة معادلة: البناء ثم التشغيل، من قبل الشركة المنفذة، لاسترجاع استثماراتها، ومن ثم تسليم المشروع للدولة اللبنانية.
3 ـ توجيه ضربة استراتيجية لمشروع الصين العملاق، طريق واحد وحزام واحد، وذلك من خلال تدمير ميناء بيروت بالكامل، وإفشال كلّ المحاولات الصينية للدخول الى السوق اللبناني، سواء في القطاع البحري من بناء وتوسيع موانئ او من خلال نشاطات الشحن البحري وتطويره. وكذلك الأمر بالنسبة الى النقل البري، الشوارع الدولية وسكك الحديد، او النقل الجوي، عبر تطوير المطارات الموجودة وإنشاء أخرى جديدة. إضافة الى قطاع الكهرباء وقطاعات صناعية أخرى في لبنان، مما يأخذ لبنان باتجاه الاندماج او التكامل الاقتصادي مع محيطه العربي، الأمر الذي يفتح آفاقاً عابرة للقارات لهذا الاقتصاد الصغير والمثقل بالديون، ونقله من هذا الوضع المنهار الى وضع مزدهر مستديم النمو، وتمتدّ حدود نشاطه من سواحل المتوسط غرباً وحتى سواحل الصين وروسيا الشرقية على المحيط الهادئ شرقاً.
ولكن الرياح لم تأتِ كما اشتهت سفن المخططين لهذا العمل الإجرامي، الذي يرتقي الى مستوى قصف المدن اليابانية بالقنابل الذرية، وقتل مئات الآلاف من سكانها المدنيين الأبرياء، ذلك القصف الأميركي الذي تمّ تنفيذه بتاريخ ٦ /٨ ١٩٤٥ و ٩ /٨ /١٩٤٥، ما يجعل تقارب تاريخ تفجير ميناء بيروت مع تاريخ القصف النووي الأميركي للمدن اليابانية يثير الكثير من التساؤلات لدى كلّ من لديه منطق سياسي يعتمد على تحليل المعادلات الرياضية وليس على كيل التهم السياسية للآخرين دون ايّ حجج او دليل.
نقول انّ الرياح لم تأتِ كما اشتهت سفن المخططين لهذا العمل الإجرامي لأنهم كانوا ينامون على أوهام انّ جريمة تفجير ميناء بيروت ستحقق لهم أهدافهم كلها بضربةٍ واحدة، بضربةٍ قاضية تنهي الخطر الوجودي، على دويلة الاحتلال الإسرائيلي، وتفرغ انتصارات محور المقاومة، على مدى السنوات الأخيرة الماضية، من محتواها، وتكرّس «إسرائيل» قوةً إقليميةً، تواصل دورها التدميري، الذي يمنع ايّ تعاون او تكامل اقتصادي عربي، او عربي موحد مع تكتلات اقتصادية إقليمية أو دولية موحدة.
فها هي جمهورية الصين الشعبية، وكما نشر الكاتب الأميركي، إيتش آي ساتون، في مجلة «فوربس» الأميركيه، بتاريخ ٣/٩/٢٠٢٠، نقلاً عن تقرير لوزارة الحرب الأميركية جاء فيه انّ سلاح البحرية الصينية قد زوّد طرادات ومدمّرات بصواريخ باليستيه، تستخدم في ضرب أهداف جوية وأهداف بحرية بنفس الكفاءة والفعالية. وهي صواريخ تسمّى في لغة العسكريين الأميركيين: Anti – Ship Ballistic Missiles ( ASBM s Aircraft Carrier Killers ) بينما اسمها الرسمي هو: صواريخ مضادة للسفن. ويحمل كلّ طراد او مدمّرة ١١٢ من هذه الصواريخ، بالإضافة الى انّ جميع هذه القطع البحرية قد تمّ تزويدها بقاذفات صواريخ عمودية، وتسمّى (Vertical Launch System ) وتختصر التسميه بِرمز VLS )) مما يجعل كلّ قطعه قادرة على إطلاق ٣٢ صاروخاً دفعة واحدة.
وهذا يعني انّ سلاح البحرية الصيني، حسب المجلة الأميركية، قد أصبح أول سلاح بحرية في العالم يتسلح بهذا الطراز الثقيل من الصواريخ، ونعني هنا صواريخ دونغ فينغ ٢٦ ( Dong Feng 26 ) ومداه اربعة آلاف كيلومتر، وصاروخ دونغ فينغ ٢١ Dong Feng 21 D ) ومداه الف وسبعمائة كيلومتر.
وبالتالي فانّ الصين الشعبية قد أصبحت دولة قادرة، ليس فقط على حماية مصالحها الاقتصادية في العالم، بل على وضع حدّ لعربدة الأساطيل الأميركية في بحار العالم، خاصة في المحيط الهادئ وبحار الصين واليابان والفلبين والبحر الأصفر.
4 ـ أما إذا أضفنا قوة سلاح البحرية الروسيه الى تلك الصينيه،. فاذا ما دقق المرء في قدرات القطع البحرية الروسية، وأخذ الطراد «موسكو» كمثال وألقى نظرة على تسليحه فانّ بإمكان المرء ان يصل بسرعة الى استنتاج انّ هذه الجوهرة الروسية لا يوجد لها مثيل في العالم، خاصة بعد خضوع هذا الطراد لعمليات تحديث وإعادة تجهيز واسعة النطاق، استمرّت من سنة ٢٠١٨ حتى قبل أيام معدودة، حيث انطلق لممارسة أعماله القتالية من جديد. علماً انّ هذا الطراد الأسطورة كان، قبل الخضوع لعمليات التحديث، قد زار كلاً من: البرتغال وكوبا ونيكاراغوا وفنزويلا.
ولا داعي بطبيعة الحال، للتوسع أكثر، في تعداد القطع البحرية، التابعه للأساطيل البحرية الروسية، في بحر الشمال والمحيط المتجمّد الشمالي، والبحر المتوسط والبحر الأسود والمحيط الهادئ، ويكفي ذكر الطراد الصاروخي النووي «بطرس الاكبر»، وهو أكبر سفينة غير نووية في العالم، لنرى التأثيرات الهائلة، لتكامل القدرات البحرية الروسية مع تلك الصينية، واضعين في عين الاعتبار احتمال نجاح الجهود الروسية، في إنهاء الخلاف الحدودي الصيني الهندي، خاصة بعد نجاح وزير الدفاع الروسي في عقد اجتماع بين وزير الدفاع الصيني ووزير الدفاع الهندي، على هامش مؤتمر شانغهاي في موسكو، وما قد ينتج عنه مع تطبيع العلاقات بين البلدين، وافتكاك الهند من بين أنياب الوحش الأميركي، وضمّ قدراتها الى قدرات الصين وروسيا وإيران، التي تسعى إلى اقامة نظام تعاون دولي شامل يحلّ محلّ نظام الهيمنة الأميركي الأحادي.
5 ـ أما إذا انتقلنا الى إيران وقدراتها الدفاعية والهجومية فلا بدّ من التذكير بالموضوع الذي نشره الكاتب الأميركي، ميخائيل پيلار Michael Peck، في مجلة «ذي ناشيونال انتريست» بتاريخ ٧/١٢/٢٠١٩، حول قيام إيران بتحديث كافة مدمّراتها وطراداتها، وتزويدها بأجهزة رادار قادرة على كشف الأجسام المعادية، وعلى إخفاء القطع البحرية الإيرانية عن أعين الرادارات المعادية، وتزويدها جميعاً بصوامع إطلاق صواريخ عمودية لتصبح بذلك قادرة على إطلاق رشقات صاروخية، تتكوّن كلّ رشقة من ٣٢ صاروخاً، الأمر الذي يجعل القدرة النارية، لسلاح البحرية الايراني، عالية جداً.
وهذا يعني انّ الأساطيل الإيرانية قد أصبحت قادرة على الدفاع عن مصالح إيران الحيوية، ليس فقط في محيط إيران، ولكن في مناطق بعيدة أيضاً. وما قيام إيران بإرسال ناقلات النفط الإيرانية، محمّلة بالنفط، الى فنزويلا بحماية من بحريتها، إلا دليل ساطع على التعاظم الهائل الذي شهده هذا الصنف من صنوف الأسلحة الإيرانية.
من هنا، ومن منطلقات الأدلة المادية الملموسة، فإنّ هذا الهجوم الديبلوماسي العسكري الفرنسي، المترافق بغطاء عسكري وديبلوماسي أميركي، كانت ذروته تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، التي أعلن فيها عن تنسيق أميركي فرنسي وثيق، في ما يتعلق بالتحرك الخاص بلبنان، قبل أيام. إنما هي تحركات يقودها نفس المايسترو، الذي أوعز لهذه المجموعة من العازفين، بالهجوم على لبنان، بدءاً بتفجير الميناء مروراً بتحريك الأساطيل البحرية، وصولاً الى رحلات ماكرون المكوكية الى لبنان. وهي حزمة تحركات تهدف، حسب الذين خططوا لتفجير الوضع اللبناني، في وجه حلف المقاومة وكلاً من روسيا والصين، إلى حماية لبنان من السيطرة الكاملة لحزب الله عليه حسب زعمهم، خاصة أنّ عملاء واشنطن و«إسرائيل «في لبنان لم يتمكّنوا من تنفيذ مهام التخريب التي أوكلت لهم أميركياً. وهو ما دفع المبعوث الأميركي الى لبنان، ديفيد شينكر، الى توبيخهم بشكل علني تقريباً، خلال اجتماعه بهم في آخر زيارة له لبيروت.
اي انّ مخطط خلط الأوراق، الذي بدأ بتفجير الميناء، قد فشل أيضاً، وانّ ديبلوماسية المستعمر الفرنسي وسيده الأميركي في لبنان لن تغيّر في الواقع شيئاً. اذ انّ لبنان ليس بحاجة الى طائرات عسكرية فرنسية ينبعث منها دخان ملوّن وانما هو بحاجة الى استثمارات ملوّنة عملاقة، صينية روسية إيرانية. وبالنظر الى عجز ماكرون وسيده في واشنطن عن القيام بتنفيذ مثل هذه الاستثمارات المنتجة كما يؤكد محللون اقتصاديون مطلعون، فانّ ضجيج محركات طائرة الرئاسة الفرنسية، بعد إصلاحها إثر الحادث الذي تعرّضت له في مطار بيروت كما يزعمون، نقول انّ هذا الضجيج لوحده سوف لن يسفر عن أكثر من الدخان الأسود الذي تنفثه في أجواء لبنان، مسبّباً مزيداً من التلوّث وحجب الرؤية.
لبنان ليس بحاجة الى دروس لا في الأخلاق ولا في السياسة ولا في الاقتصاد النيوليبرالي ولا هو بحاجة لمصمّم أزياء اقتصادية، قادم من باريس، لإعادة تصميم النظام الرأسمالي اللبناني، بما يتماشى مع شروط المحافظين الجدد، وما يعنيه ذلك من إعادة إنتاج للنظام اللبناني الذي أهلك البلاد والعباد، وبشكل يجعل نتائج هذا التحرك مخيّبة لآمال الطبقات المحدودة الدخل، على المدى القصير، وسحقها نهائياً على المدى المتوسط والطويل، وذلك من خلال بيع لأصول الدولة اللبنانية، ايّ الخصخصة، وتعميق الفقر والعوز لدى قطاعات واسعة من الشعب اللبناني وتكريس نظام الاقتصاد الريعي، الذي ساد لبنان على مدى الثلاثين عاماً الماضية، ولكن بثوب جديد من تصميم مصمّم الأزياء الاقتصادية، خريج جامعة روتشيلد للتدمير المالي والاقتصادي، الرئيس الفرنسي ماكرون.
لبنان بحاجة الى رجال «تنكش» الأرض ولا تسرقها. لبنان بحاجة الى تطبيق خطة اقتصادية مقاومة كتلك التي اقترحها سماحة السيد حسن نصر الله. لبنان بحاجة الى تطبيق خطة اقتصاد مقاوم ومنتج، كالاقتصاد الإيراني والاقتصاد الكوبي، وليس لاقتصاد من هُلام وفقاعات تظهر وتندثر دون ان يشعر بها المواطن. ايّ الاقتصاد المرابي، اقتصاد أسواق البورصة وما ينتج عنها من أرباح خيالية لا يراها المواطن ولا تعود عليه إلا بالضرر والمصائب.
لن يصلح الإطار الباريسي ما هو حاصل من فساد وتدمير في لبنان، وعلى كلّ الصعد، وإنما الرجال الرجال القادرون على إنقاذ هذا البلد العظيم من كبوته، تماماً كما أنقذوه من الخطر التكفيري الإرهابي قبل سنوات وكما حرّروه من الاحتلال الصهيوني سنة ٢٠٠٠ وحموا هذا التحرير سنة ٢٠٠٦.
نحن بحاجة لهم ولأمثالهم وليس لمصمّم الأزياء ايف سان لوران…!
وهم الذين سيكملون المشوار وينقذون البلد بكلّ تأكيد.
هم يمنحون الآخرين الآن فترة سماح بانتظار ان يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
والصبر مفتاح الفرج.
بعدنا طيّبين قولوا الله…