الوطن

مشروعان لبنانيّان متناقضان يترقّبان حكومة أديب!

} د. وفيق إبراهيم

القوى السياسيّة اللبنانيّة منجذبة لحركة تشكيل الحكومة الجديدة بشكل تربط فيه بين مستقبلها السياسي وبين النتائج المحتملة.

هناك أولاً القوى اللبنانيّة الأساسيّة التي تعمل على تسهيل الشروط السياسية للتشكيل إيماناً منها بتاريخيّة المرحلة التي يجتازها لبنان الكيان والدولة. وتيقناً منها بأن أي خطأ هو شديد الكلفة في مرحلة تبدو فيها منطقة الشرق الأوسط وكأنها قاب قوسين أو ادنى من إعادة بعثرة جيوبوليتيكية تقذف بها في فم تنين أميركي أو ذئب تركي وإسرائيلي او ضمن المشاريع الروسية والصينية والأوروبية الباحثة عن ميادين الاستثمار في الطاقة والاقتصاد.

لبنان المفكك هو إذاً في مرحلة خطيرة تتسم بنوعين من الانهيار: اقتصاديّ وسياسيّ من معايير عميقة جداً.

لذلك يجب الإقرار بأن الدور الفرنسي في لبنان يعبر عن أمور عدة في آن معاً، فهو يبحث عن مصالح فرنسا مستفيداً من انسداد الحركة الأميركية في المنطقة ومضطراً الى بناء تفاهمات نسبية مع صعود إيراني إقليمي، فيصبح الدور الفرنسيّ منفوخاً بتأييد أميركيإيراني.

بما يفرز تيارات لبنانية كانت دائماً متحاربة وبأشكال مختلفة، تتأجج حيناً وتخفت حيناً آخر، حسب المشاريع الخارجية ومصالح الداخل.

ما يجري اليوم متطابق بين الخارج والداخل، فتاريخ تأسيس لبنان أفرز قوة تعتبر أن استنادها الى المشاريع الخارجية افضل السبل لإمساكها بلبنان السياسي.

هذا هو خط حزب الكتائب الذي استند بالتأسيس الى الاستعمار الفرنسي المسمى زوراً بالانتداب.

لقد ساندت هذه الوجهة السياسية الفرنسية في كل شيء تقريباً من الثلاثينيات وحتى الخمسينيات تاريخ الصعود الأميركي ومشاريعه الإقليمية.

فتحولت الكتائب الى «أمركة» تخفي حنيناً الى الدور الفرنسي، لكنها اعتبرت أن عليها الانضمام للمحور الأميركي في وجه عبد الناصر والقوى اللبنانية الداخلية الطامحة الى لبنان مستقل وديموقراطي ومتوازن بين أبنائه.

لكن التيار اللبناني الغربي واصل سياساته مؤسساً لحرب أهلية لها هدفان: ضرب القضية الفلسطينية ومنع انهيار النظام الطائفي.

هذا أدى الى تأسيس حزب القوات اللبنانية كوريث متطابق المواصفات مع الحركات الطائفيّةالانعزاليّة في القرنين التاسع عشر والعشرين، والفاتح على كل جهات الخارج المعادية للخطوط المتقدّمة في المنطقة، ومندمجاً الى حدود التطابق مع المشاريع الأميركية والرجعية العربية ومصالح الكيان المحتل.

إلا أن السؤال هو عن الفارق بين المشاريع الطائفيّة نموذج 1850 ووريثتها موديل 2020؟

لا فارق نوعياً بين المرحلتين خصوصاً بالارتباط بين الطائفية الداخلية والانصياع للخارج، وكما كان لبنان مسرحاً للعثمانيين والفرنسيين والانجليز والروس والنمساويين، ها هو اليوم الملعب الأساسي لقوى النفوذ الدولي والإقليمي الجديدة الأميركية والأوروبية والخليجية.

كان بالإمكان ضم إيران الى هذه الباقة، لكن الحقيقة تقتضي حذفها، لأن حليفها حزب الله له بنية قوية تؤهله لممارسة دور داخلي مباشر لم يسبق ان استخدمه الا للدفاع عن لبنان في وجه «اسرائيل» والإرهاب.

ويرفض تأييد مشاريع طائفية، عارضاً فكرة الدولة الوطنية لكل أبنائها وطوائفها.

لبنان اذاً وسط مشروعين متناقضين، أحدهما يكرس قواه لتجذير لبنان الطائفي ذي الولاء الغربي، المتصالح مع العدو الإسرائيلي والذي يحترب لإجهاض أي تطوير فعلي للبنان نموذج 1920 القائم على سيطرة فئة من اللبنانيين مسنودة من الغرب على أساس منع تعميم النموذج الوطني.

بالمقابل، هناك فئات لبنانية داخلية مسيحية وإسلامية ترى ان إلغاء النظام الطائفي هو القاعدة الاساسية لبناء لبنان الحديث، وتقبل بنموذج سياسي تدريجي، يحافظ على مجلس شيوخ طائفي مقابل قانون انتخاب وطني نسبي يحافظ بحد معين على حماية تاريخيّة الطوائف ومنع انسحاق أدوارها بغلبة عددية لطوائف أخرى.

يضمّ هذا الفريق كتلة وازنة من الاحزاب اللبنانية تجمع بين التيار الوطني الحر وحركة امل وحزب الله وتيار المردة والأرمن والسنة المستقلين وطلال أرسلان.

هذا ما دفع بقائد حزب القوات سمير جعجع لإطلاق معايير تمنع حكومة أديب المرتقبة من إنجاز أي مشروع بنيويّ.

لقد أصرّ «الحكيم» على لبنان الطائفي بإصراره على «لامركزية إدارية موسّعة». وهذا هو التقسيم الطوائفي المموّه الذي يجسّد كونفدرالية بين جمهوريات شبه مستقلة تختلف على كل شيء ولا تلتقي إلا بالحدود الدنيا. ففيما تشكل الولايات المتحدة الأميركية دولة فدرالية يذهب السمير الى التقسيم لأنه يعرف أن عصره بدأ بالتراجع بمواكبة التراجع الأميركي الإسرائيليالخليجي.

إن هذا الإصرار يكشف إصراراً أميركياً على استمرار النظام الطائفي اللبناني، بما يخفي إحساساً أميركياً بأن لبنان بدأ يتفلت من ايديهم، فلماذا لا يشلون حركته بأمثال جعجع الذي يريد تكريس النظام الطائفي الموسّع لعرقلة الادوار الوطنية للرئيس ميشال عون وحركة حزب الله في الدفاع عن لبنان، علماً ان الذين يصرّون على منع الجيش اللبناني من امتلاك اسلحة تتصدّى للعدوانية الاسرائيلية هم الأميركيون حصراً.

ضمن هذه المعطيات، يعمل الرئيس المكلف مصطفى أديب على حكومة مغطاة فرنسياً لكن حدود حركتها عدم تجاوز النظام الطائفي والمحافظة على التيارين اللبنانيين المتناقضين بشكل يبدوان فيه وكأنهما يتعادلان في القوة الداخلية في حين أن حلف عون حزب الله وحركة أمل هو أقوى من الفريق الآخر بمعدلات كبيرة.

لذلك يبدو أن الفريق الأقوى المستوعب تاريخية المرحلة وتأثيرها على الكيان السياسي اللبناني، موافق على تنازلات نسبية تدعم مجابهة الكارثة التي تضرب البلاد.

فهل ينجح أديب بإرضاء الفرنسيين وعدم إغضاب الأميركيين واستيعاب الخليجيين وتلبية قوى الداخل؟

هذه مهمة شديدة الصعوبة، لكن حاجات الداخل والخارج تدفع نحو هدنة في لبنان عنوانها حكومة حيادية لرئيس حكومة أديب يعرف كل أنواع اللياقات والضرورات!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى