هل أراد ماكرون بتحديد مهلة تشكيل الحكومة إحراج الطبقة السياسية لإخراجها؟
} علي بدر الدين
ليس في العلن ولا في السر، ما يؤشر إلى تصاعد الدخان الأبيض لتشكيل الحكومة ضمن مهلة الأسبوعين، رغم ما يُشاع من تفاؤل وأمل يوحيان بأنّ القوى السياسية الحاكمة محشورة ومأزومة ومتهمة بأنها المسؤولة عما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وآخرها إنفجار مرفأ بيروت الزلزالي، تحاول أن تلتفّ على كلّ ما اقترفته بحق الوطن والشعب، بإبداء المرونة والطاعة والالتزام بما تعهّدت به للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خاصة لجهة تسهيل إمرار تشكيل الحكومة، وعدم التدخل في مسار التشكيل، وترك حرية القرار والاختيار للرئيس المكلف السفير مصطفى أديب. ويبدو أنه فات ماكرون. أنّ هذه القوى تمرّست بالحنكة والمناورة والخروج بـ «خفي حنين» او مثل «سحب الشعرة من العجين» من كلّ أزمة واجهتها واعترضت سلوكها، واستهدفت مصالحها وفسادها وحصصها. وأنها في سبيلها أهرقت دماء وأزهقت أرواح ودمّرت وخرّبت ونهبت في حروبها قبل الطائف و»سلمها» الملغوم بعده. وأنها لن تقبل أن يصادر أحد، رئيساً كان أو دولة أو مجتمعاً دولياً مكتسباتها وامتيازاتها وثرواتها، التي دفعت ثمنها باهظاً بيئاتها «الحاضنة» على مذابح مصالحها واستمرارها في السلطة حتى أبد الآبدين، وقد حصدت ثمار حروبها واستبدادها وخداعها للشعب على مدى ٤٥ سنة من فصول الحرب المدمّرة والسلم المشوّه. وهي لا زالت ممسكة بالسلطة والقرار والمال ومفاصل الإدارات والمؤسسات والقضاء والاستحقاقات الدستورية والانتخابية وإقرار قوانين انتخابية على قياسها وما يخدم استمرار نهجها في الفساد والمحاصصة٠ وكذلك في تشكيل كلّ الحكومات التي تعاقبت والتي ستأتي أو هي في غرفة الانتظار وآخرها الحكومة، التي كلف السفير مصطفى أديب بتشكيلها، في خلال أسبوعين بالاتفاق مع القوى السياسية التي التقاها في قصر الصنوبر والقصور الرئاسية.
يبدو أنّ ماكرون إما أخطأ في حساباته ورهانه على السياسيين اللبنانيين الحاكمين، او تقصّد تحديد هذه المهلة للتشكيل، لأنّ ذلك بمثابة المعجزة الصعبة إذا لم نقل المستحيلة، خاصة في لبنان ومع هكذا طبقة سياسية متعددة المصالح والإرتباطات والإرتهان للخارج، ومخضرمة في السياسة والحرب. ولأنّ أيّ رئيس مكلف، عليه زيارة كلّ مكونات هذه الطبقة وملحقاتها وأزلامها أكثر من مرة والاستماع إلى مطالبها ورأيها بشكل الحكومة وحجمها والحقائب التي تناسبها وتستهويها وتحقق منها المكاسب، وهي التي تسقط أسماء وزرائها عليها، من دون ممانعة أو اعتراض. وإلا فإنّ سيف التهديد جاهز لإعلان عدم المشاركة في الحكومة وعرقلة تشكيلها بعناوين طائفية أو مذهبية أو ميثاقية. أو ربما أراد ماكرون من مهلة الأسبوعين للتشكيل حشر الطبقة السياسية وإحراجها لإخراجها، وتحميلها المسؤولية الكاملة عن فشل تشكيل الحكومة التي يحتاجها لبنان وشعبه.
فعلاً انّ الرئيس المكلف أمام مهمة صعبة للغاية، ولكنه يحاول بصمته وصبره أن يحدث خرقاً ما أو كوة ضوء لبصيص أمل عله ينبئ بإقتراب تصاعد الدخان الأبيض الموعود، وانّ تشكيل الحكومة بات على قاب قوسين أو أدنى من تحقيق «الحلم»، كثيرون اعتقدوا في البداية، أنّ فرصة الرئيس المكلف بالتشكيل متاحة وسهلة وسريعة، بإعتبارها مدعومة من رئيس فرنسا اولاً، وتحظى لأول مرة بتعهد من القوى السياسية المعنية لإزالة التعقيدات والعراقيل من امامها. ولكن هذا لم يحصل والمهلة المحددة إقتربت من نهايتها، والرئيس المكلف لا يزال يدور ويزور ويستقبل في المربع الأول، رغم ما يبذله من جهد وحرص وسباق مع الوقت للوصول الى الخواتيم السعيدة.
ويبدو أنه كلما اقترب من المرمى، ترمى في وجهه، ومن أكثر من فريق مطالب جديدة يبتدعها اللاعبون الكبار للعرقلة أو لتحصيل المكاسب والحصص والحقائب الوازنة وكأنهم ورثوها عن آبائهم وتمّ تطويبها لهم حصراً.
وهم يعلمون وقد وصلتهم الرسائل من اللبنانيين والمجتمع الدولي، أنه لا رغبة لأحد من هؤلاء في أن يكونوا في تشكيلة الحكومة، وعليهم فقط عدم العرقلة أو محاصرة المكلف بطلباتهم التي لا تنتهي وهي لن تكون موضع اهتمام أو متابعة. والحساب آت إذا خرجوا عن الاتفاق مع ماكرون.
على الرئيس المكلف الاستمرار في مساعيه الجدية لتشكيل الحكومة وفق المعايير الوطنية والدولية المطلوبة، وعلى الأسس والقواعد التي يراها صالحة، والإعلان عن ولادتها في الوقت المحدّد، من دون الالتفات إلى الوراء، أو الخوف من ردود أفعال القوى السياسية المعترضة. وفي حال لم يتحمّل أديب الضغط السياسي عليه أن يملك شجاعة الاعتذار عن استكمال المهمة بثقة المسؤول الذي يحرص على وطنه وشعبه، والعودة إلى عمله كسفير للبنان في ألمانيا.
السؤال الكبير، كيف سيكون ردّ فعل الرئيس الفرنسي إذا لم تشكل الحكومة في المهلة المحدّدة؟ هل ينسحب بهدوء ويعتذر ويعترف أنّ الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان خذلته أو أنه كان يجهل قوّتها ونفوذها وعصيانها؟ أم يلجأ إلى أميركا ودول أوروبية أخرى ليشكوها إلى أصحاب القرار الدولي لاتخاذ قرار محاسبتها ومعاقبتها بفضح أسرارها وكشف مكان تخزين ثرواتها وحجمها؟
رغم المراوغة التي تشهدها عملية تشكيل الحكومة، وعدم الإطمئنان إلى مسارها وخاتمتها، فلا بدّ من الانتظار الصعب، وفي الوقت بقية عله ينتهي على ولادة الحكومة، التي لا نعوّل الكثير عليها، ولا على قدرتها لإنجاز المستحيل. ويكفي أن تنجح في تحمّل المسؤولية تجاه الشعب الذي تمّ إفقاره وتجويعه وتهديده، بما تبقى له من كرامة.