الثلم الأعوج…
} لواء العريضي
كان عند أحد الفلاحين ثلاث ثيران يحرث بهم أرضه. ثوران يجرّان المحراث والثالث يرتاح، وهكذا دواليك. أحد هذه الثيران أجنبي أكبر حجماً من الآخَرَين البلديَّين. وفي أحد الأيام قرّر الفلّاح الاستعانة بعاملٍ فقيرٍ ليساعده بعمله الشاق علّه يأخذ قسطاً من الراحة. وفي آخر النهار قبل المغيب، ذهب الفلّاح ليستطلع أرضه فذُهِلَ عندما رأى أنها فُلِحَت بخطوطٍ معوجّة، فما كان منه إلّا أن استدعى العامل وسأله عن سبب الاعوجاج. فأجابه الأخير أنّ أحد الثيران أكبر وأقوى من الآخر فراح الثور الكبير يجرّ المحراث والثور الثاني لجهته فاعوجّ الثلم…
منذ ذلك الحين أصبح المثل الشعبي المعروف على كلّ لسان «الثلم الأعوج من الثور الكبير». مثلٌ نستخدمه عند وجود خلل ما في أعلى المراكز. فإذا كان أعلى الهرم أعوج، لا بدّ من اعوجاج كلّ ما تحته. عند وجود مدير عام فاسد، لا بدّ من فساد كلّ إدارته وموظفيه. وعند وجود ربّ عمل استغلالي، يستشفّ موظفوه أخلاقه ويصبح الاستغلال نهجهم. وإذا كان السياسي طائفياً متطرّفاً وله أتباع كثر، يصبح الاعوجاج والفساد والاستغلال نهجاً يسرق البلد فيفلسه وتنهار الدولة.
إذا أردنا تطبيق هذا المثل على لبنان، فلا شك أنّ «الثور الكبير» هو الطائفية. وهي الرابط الذي تغلّب على جميع الروابط الاجتماعية، فجرّت الرابط الوطني خلفها وغيّرت معالم الأرض الخصبة وبدّلت مستقبلها. ذلك الشبح الذي احتلّ جسد الثور الهائج أصرّ على الخراب وأنتج أرضاً لا تصلح لبناء وطن.
لكن ما لا نعرفه هو أنه لو وُجِدَ رجال مخلصون لبلدهم لما سمحوا للطائفي المتطرّف أن يسوقهم إلى هاوية الإفلاس، ولو وُجِدَ موظفون نزيهون لما ارتضوا مديراً فاسداً على رأسهم. وإنها حقيقة انّ رأس الهرم لا يعوجّ إلّا إذا كانت قاعدته مائلة مبنيّة على أسسٍ مهترئة وبزاوية هابطة كهبوط الرأس.
وفي الواقع، إنّ قصة الفلاح والثور لا تنتهي عند ما أشرنا إليه سابقاً. بل إنّ الفلّاح قد عاد وتأكّد من برنامج العمل اليومي الذي أعدّه وعلمَ أنّ ذلك اليوم كان يوم راحة الثور الكبير. وعندها أدرك أنّ العامل لا يجيد الفلاحة.
وهكذا نحن، تكمن العلّة فينا ونلقي بلومنا على الطائفية المتجذّرة داخلنا. فهي لم تجد مدخلاً لعقلنا إلّا لأننا فتحنا الباب لها ورحّبنا بها. أصبح كلّ فردٍ يتكلّم عن الطائفية وضرورة نبذها وهو عينه طائفيٌّ يريد غيره ان ينبذها ويبقيها هو لنفسه. لم نعترف أننا لا نعلم كيف تُبنى الأوطان فقمنا بإتلاف جنّةً قلّ من ينعم بها بين شعوب الأرض، وألقينا اللوم على الطائفية وحدها وكأنها أداة تتحرّك وتهدم الأوطان دون حاجة لمن يسوقها. نتحجّج بها ونختبئ وراءها، نتحدّث عنها ولا نرضى إلغائها. بات شعبنا يغازل الطائفية كما غازل أبو نواس الخمرة:
«دع عنك لومي فإنَّ اللوم إغراءُ
وداوني بالتي كانت هي الداءُ»