كلمات صادقة للرئيس المكلف
ناصر قنديل
– ما نعرفه ونسمعه عنك دولة الرئيس مشجّع لجهة انفتاحك السياسيّ على جميع الأطراف، وعدم انخراطك في مهمّتك كسفير في سلوك لم يتجنّبه سفراء آخرون تملقاً لخارج أو تعصباً لداخل في شيطنة المقاومة والتبرؤ منها، رغم دخولك السياسة من بوابة مواقع انزلق بعضها نحو هذا المسار. وأن تحظى وأنت كذلك بثقة دولية حصدها الرئيس الفرنسي لتكليفك ودعم تأليفك للحكومة، فهو رصيد يضاف لرصيدك، لكنه قد يكون سقف ما يمكن الحصول عليه من خلال لعبة العلاقات العامة، وأوان اختبار الحكم يدق الباب بقوة وقسوة معاً، حيث الضرورات ستفرض خيارات لم تكن مضطراً لها في مهمتك السابقة، وليس خافياً أن لبنان الواقع في قعر أزمات اقتصادية ومالية واقف على فالق أزمات سياسية داخلية وإقليمية ودولية، والمرور بين مطباتها لا تكفي فيه الحذاقة ولا الاعتماد على دعم خارجي ليس مجانياً في لعبة مصالح الأمم التي تدور بعنف لا يرحم على شواطئ المتوسط المليء بالغاز والنفط والمهدد بتمدد الإرهاب، وحيث تحتشد الأساطيل، وحيث مصالح «إسرائيل» خط أحمر فاصل على ضفتي التنازع الإقليمي الكبير وخط أحمر فاصل في كل شيء.
– تأليف الحكومة هو الاختبار الأهم، والأصعب، حيث مغريات الاستقواء بالدعم الفرنسي لفرض حكومة تسمّى حكومة مستقلين، هم في النهاية مجموعة مستشارين لشركات تتوزعها الدول التي تضعها مصالحها فوق كل اعتبار وشركاتها تنتظر الفرص نحو المرفأ والمطار والمصارف، وحيث بالمقابل مخاوف إغضاب الداخل وقواه الفاعلة وضغوط محاصصة جربت واختبرها اللبنانيون ولم تفلح لا في تأمين كهرباء ولا في حفظ ودائع ولا في بناء دولة، وحيث بعيداً عن هذه وتلك شارع تائه ضائع بين الغضب من الفساد، والحاجة للحلول، والشعارات البراقة الفارغة المضمون، وطائفية متجذرة تقسم صفوفه عند كل مفترق يحتاج فيه لتظهير وحدته الافتراضية التي ظهرت مرة يتيمة في 17 تشرين قبل أن تغيب، ويطول الغياب بعد خيبات الرهانات على ما يُسمّى بمجتمع مدني لا يختلف أغلب مكوناته بفساده عن فساد أغلب مكوّنات اللعبة السياسية والطائفية، ولا يختلف بولاءاته الخارجية عن ولاءات أهل السياسة.
– الوقوع يا دولة الرئيس في أحد الخيارات الثلاثة سقوط مريع، فالخيار الأول بيع للبلد لخارج نهم مهما بدا صديقاً، وتكرار هزيل لتجربة كانت ذهبية في التسعينيات مع مجيء الرئيس رفيق الحريري، الأقوى منك في صد تطلعات الخارج، والأشد نجاحاً من كل مَن سيُقال إنهم ناجحون في القطاع الخاص ويجلبون نجاحاتهم معهم إلى الوزارة، ورغم ذلك تعرف ونعرف أنه مهما كانت الأسباب التي أدت إلى عدم نجاح التجربة، فإن عدم النجاح في الظروف الأفضل والإمكانات الأوفر، والمؤهلات الأعلى، والشعبية الأكثر للخيار نفسه تعني فشله الحتمي في تجربة ثانية، وقد ضمر وتراجع كل شيء من أسباب النجاح وتراكم وتجذر كل شيء من أسباب الفشل؛ أما الخيار الثاني فتجربة الرئيس سعد الحريري مثال حاضر لنموذج المحاصصة الصافية ومآلاتها، أما الثالث فتجربة الرئيس حسان دياب مثال لما يمكن أن تفعله مجرد محاكاة شارع يسهل انقلابه والتلاعب بخياراته في ظل توحش وسائل الإعلام، وحضور المصالح الطائفية والخارجية لخلفيات أقواها، فتقع الحكومة يتيمة بين مَن جاء بها ومن جاءت بوهم تمثيلهم ومحاكاتهم.
– السير بين النقاط وعلى حد السكين بين الخيارات الثلاثة هو الأمثل والأشد حذراً، واستعداداً لما هو آتٍ، وهو أسوأ وأصعب من ورود الأيام الأولى، فمراعاة ضوابط التمثيل السياسي والطائفي والنيابي بوليصة تأمين لسلاسة التقدم، والتقدم يحتاج حماية سياسية وتوازنات طائفية وتغطية نيابية، وهذا هو نظامنا الدستوري، لكنها مراعاة ممكنة باشتراط حق الاختيار بين مرشحين تنطبق عليهم معايير الأهلية والكفاءة والخبرة والنزاهة وليعرض كل فريق عشرات البدائل لكل حقيبة وليترك لك الاختيار، والبلد مليء بالكفاءات، وليكن هذا ثلث التوجه الحكومي، فيما ثلثه الآخر محاكاة الحاجة للدعم الخارجي الذي تتولى قيادته فرنسا، بمعرفة وثيقة بحدود الطلبات التي تحقق المصالح بعيداً عن إلحاق الأذى بمصلحة لبنان، وسيطرته السيادية على ثرواته، التي يكثر الحديث عن مشاريع تحت الطاولة لبيعها، ولعب يسيل على المرفأ والمطار والهاتف والمصارف وسك العملة والذهب والعقارات، والتي يجب أن تبقى ملكيتها للدولة خطاً أحمر، أما الثلث الثالث فليكن لمحاكاة شارع غاضب وجائع ومحبط، يحتاج للإنجازات، ولكنه يحتاج للتقدم نحو مشروع دولة ضائعة، حيث لا مساءلة ولا محاسبة ولا قضاء فاعل ومستقل وحازم، والتفاعل بين الأثلاث الثلاثة ليس بتوزيع الحكومة لثلاثة حصص تصير جزر فساد متناحرة، بل لمحاكاة الأبعاد الثلاثة في كل اسم يتم اختياره لحقيبة وزارية، وهذا ممكن. فلديك اليوم قوة الأمل وقسوة الإحباط، الأمل بخشبة خلاص تمثلها حكومتك، وإحباط الفشل والخوف من السقوط ما لم تولد حكومة تلبي المتطلبات وتلاقي الاحتياجات.
– هذه الكلمات صادقة لأنها لا تنبع من مصلحة، ولا من عصبية، فلا كاتب هذه السطور معني بكليهما، ولا الحزب السوري القومي الاجتماعي صاحب الجريدة التي تحمل هذه الكلمات وقف في كل سيرته السياسية يقيس بغير المبادئ والمصلحة الوطنية العليا موقفه وحساباته تجاه الحكومات المتعاقبة، وليكن زادك الحكمة والشجاعة معاً؛ فواحدة منهما لا تكفي، الشجاعة في التأقلم مع ما يشكل ضمانة الاستقرار ويشكل السعي لتغييره تفجيراً في توقيت خاطئ، والشجاعة لتغيير ما يجب وما يمكن تغييره لأن التأقلم معه تأبيد لمساوئ ربما لن تأتي فرصة ثانية للتخلص منها، والحكمة للتمييز بين ما يجب التأقلم معه وما يجب تغييره، بعيداً عن الوقوع تحت ضغط فرضيات التعليقات والتوصيفات التي ستقال وأغلبها سيقال مهما كانت خياراتك، فالذي يسعى لإرضاء الجميع لن يرضي أحداً وسيغضب ضميره حكماً وقد خانته الحكمة والشجاعة، أما الذي لا يغضب أحداً فقد امتلك الحكمة ومن يرضي ضميره فقد امتلك الشجاعة، ومن فاز بالجمع بينهما جمع الحكمة والشجاعة وفاز بالرهان.