القَدَر…!
} فاديا مطر
– منذ قصيدة الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي في العام ١٩٣٣ التي مطلعها «إذا الشعب يوماً أراد الحياة… فلا بدّ أن يستجيب القدر»، حتى اليوم، وهي المقولة الثورية بمضامينها المعبّرة عن إرادة الذات لدى الشعوب الباحثة عن تغيير الأقدار التي تحدّها الإرادة برغم وقوعها تحت بند «الأمر الواقع»، لكن ما نزحت إليه تلك المقولة من تغيير إيديولوجي بات مرعباً بحدّ ذاته لجهة ما تخلل هذه المقولة من تغيير فحواه الذي تمّ تدويره في مطابخ الغرب الأميركي وشرفات الدول العربية التي وقعت تحت التغيير الإيديولوجي للكلمة الثورية وبما أصبح معروفاً «إذا الشعب يوماً أراد الفوضى… فلا بُد أن يستجيب القدر»، وهي ذات الفعل الذي تنبأت به وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في عهد الرئيس بوش الابن في العام ٢٠٠٦ بعد نصر محور المقاومة في عدوان تموز، فاستعمال الكتلة البشرية الجماهرية التي تُعدّ القاعدة الأكبر والأساسية في ميزان أيّ دولة ضدّها، هو من جيل الحروب الجديدة التي استعاضت عنها الإدارات الغربية عن حروب الغزو والعسكرة والحرب الكيماوية وغيرها من أنواع الحروب المباشرة، ليلتحق بركبها الحرب المسماة «ثورية» عبر كمية بشرية ضخمة تتبع سياسة القطيع تحت جملة غرائز تمّ نبش قبورها الحية في مركب ما سمّي «الفوضى الخلاقة» بمرتبات ما جاءت به شرذمة الربيع العربي المهدرج، فالقائل إنّ سلاح الفوضى الشعبية لا يرقى لمستوى تغيير الأقدار هو مراهن على رصاص فارغ في قلب معركة، والباحث عن قدر يحتوي إرادة الفوضى يكون بمثابة باحث عن منديل جاف في قعر مستنقع، لأنّ سلاح تعويم الفوضى تحت مسمّى «إرادة الشعوب» أصبح من أقوى الأسلحة الحية ذات النفع الواصل لتغيير السياسات والإقتصادات وتغيير موازين القوة والمعادلات التي عبرت شارع التفاوض السياسي والدولي والبحث في جداول عمل وإستشارات ديبلوماسية قد رقدت عقوداً طويلة برغم مرحلة الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة وغيرها من تقدّم تكنولوجيا الحروب حتى يومنا هذا…
إلا أنّ حرب الفوضى وللأسف الشديد أتت أُكُلها في الكثير من حروب الفوضى البشرية تحت مسمّى «الثورية والديمقراطية»، لا بل تعدّت نتائجها المتوقع منها بعد تفخيخ المطالبات والمرامي والشوارع والتنصل منها بزعامات شعبية وطائفية وإيديولوجية وعسكرية وحتى صغار العمر للوصول إلى مبتغيات تلك الفوضى داخل البلدان المناوئة لمعسكر الغرب والمرتهنين له، فأيّ قدر بات على الحياد أمام مستعمرات البشر المنقاد بحبل «الثورية الخلاقة» التي ترتبت في دوائر القرار السياسي على أكبر المستويات في العالم الغربي المتصهين والعامل تحت إمرة واشنطن؟ وأيّ قدر بات يبحث عن ذاته في واقعته الحتمية على أبواب الشعوب الفوضوية التي دمّرت الأوطان لأجل أجندات سياسية خارجية وتحت ذات الشعار المستتر بالإرادة الجماهيرية والشعبية؟ وهل هو ذات القدر وذات الشعوب التي تغنّى بها أبو القاسم الشابي في بدايات القرن الماضي بعد ما رأى من احتلالات لدول عربية وتغيير في إيديولوجية الثورات التي كانت ضدّ محتلّ وأصبحت ضدّ النفس؟ فهي «لكن وكيف ومتى وأين وربما» التي لعبت بها مطابخ التصهين الجديد الذي بدّل سلاحه القديم بسلاح لا تنفذ ذخيرته ولا تراكم تحديثاته السنون ولا يحتاج لقوافل مجوقلة لحمله لبلدان «الثورات» التي بدأها ما سُمّي «ربيع» وليس آخرها ما نتج عنه من فوضى عارمة كانت الكتلة الجماهيرية المهجنة أول طلقة من بندقيته التي ارتدت نيرانها بعكس رمايتها، لتكون تلك المقولة الثورية الجماهيرية الحقّة أول خطوة بطريق من أنتجها نحو الخراب وخطوة لاحقة لمستعمر أحسن تدويرها في عهد عقلية «لا قَدَر» سوى أنا…