لبنان بين التّرغيب الفرنسي والتّرهيب الأميركي
} شوقي عواضة
مع اقتراب انتهاء المهلة الزّمنية التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صعّدت الإدارة الأميركية من موقفها تجاه لبنان ضمن ما تسمّيه (قانون مكافحة الإرهاب) من خلال فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة في وزارة الخزانة الأميركية (أوفاك) عقوبات على المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري النّائب علي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانوس بحجّة ضلوعهما بالفساد نتيجة تعاونهما مع حزب الله. وقد أكّدت وزارة الخزانة الأميركية أنّ هذه العقوبات هي بداية لمعاقبة كلّ سياسي لبناني يساعد حزب الله، ممّا يؤكّد أنّ هناك إصراراً أميركيّاً على استمرار الحصار والاستمرار بشنّ الحرب الاقتصادية على لبنان ومحاولة إدارة ترامب تقديم حزب الله كمسؤولٍ أول عما حلّ من فساد في مؤسّسات الدولة على مدى سنوات وعقود ماضية لم يكن فيها للحزب صلة لا من قريب أو بعيد ومع إدراك باريس وواشنطن حقيقة ذلك إلّا أنّ السعي من أجل إسقاط المقاومة يبقى الهدف للطرفين، ففي حين تسعى فرنسا من خلال مبادرتها التي أطلقها الرئيس ماكرون إلى منع الانهيار في لبنان كمدخلٍ لعملية الإصلاح التي ستقوم على تشكيل الحكومة وإضعاف حزب الله والحدّ من قدراته ترى واشنطن كما الرياض أنّ أولوية مسيرة الإصلاح تبدأ من إضعاف حزب الله وإسقاط سلاحه وعزله عن سورية ومحور المقاومة.
اختلاف على الأولويات لا يلغي الهدف الأساسي الذي جعله ترامب قبل رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو نصب عينيه وأوكل مهمة تحقيقه برؤيةٍ وترغيب فرنسي ودعمٍ خليجي وصهيوني من أجل تطويق المقاومة وإلغاء مشروعها، وهو مقدمة لمحاولة إضعاف لبنان وتجريده من عناصر قوّته والتفرّد به من أجل تسهيل مهام مبعوثي الخارجية الأميركية لا سيّما مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر الذي فشل لغاية الآن في مهمة ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين نتيجة تمسّك لبنان بكامل حقوقه وبموقفه الثابت والقوي بفضل المقاومة وقدراتها التي تشكّل تهديداً حقيقياً للعدو الاسرائيلي الذي أوكل الأميركي والفرنسي لحلّ قضية حقول النفط المتنازع عليها.
وفي ظلّ تلك المعطيات يبرز مشهد تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس المكلّف مصطفى أديب مشهداً ضعيفاً ومشتتاً لا سيما في ظلّ وجود اختلاف حول نقاط أساسية في مسار التأليف سواء كان على مستوى هوية الحكومة ومهامها وأولوياتها وعدد وزرائها وموقفها وتعاطيها مع القوى والكتل السّياسية الكبيرة التي يحاول الرئيس المكلّف تجاهلها نتيجة توجيهات الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي له اللذينِ يديران حركة تأليفه للحكومة. توجيهات تطرح الكثير من التساؤلات حول الحكومة الجديدة أوّلها إذا كانت تلك الحكومة حكومة إصلاح فكيف سيكون أداؤها في ظلّ توجيهات ميقاتي والسنيورة اللذين كانا من رؤساء حكومات سابقة ساهمت في إفلاس مؤسسات الدولة لا سيما قضية العام الماضي التي ادّعت فيها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه و«بنك عودة» بجرم «الإثراء غير المشروع» عن طريق حصولهم على قروضٍ سكنيّة مدعومة، وأحالتهم أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت للتحقيق معهم. أما بالنّسبة إلى الرئيس السنيورة وقضية ملف (تبخر مبلغ 11 مليار دولار) فلم تغب عن أذهان اللبنانيين كما لم تغب عن ذاكرة الشّرفاء مواقفه من المقاومة لا بل تآمره عليها.
إزاء كلّ ذلك… عن أيّ إصلاح نتحدث في إدارة فاسدين لا يزالون يمارسون سطوتهم وكأنّهم أصحاب القرار! وعن أيّ حكومةٍ وطنيّة نتحدّث؟ في ظلّ استمرار التآمر على المقاومة التي كانت ولا زالت أحد أهمّ عناصر القوّة للبنان في مواجهة العدو وتحدياته!
كسباً للوقت وكي لا تضيع الفرصة على اللبنانيين الحريصين على لبنان وسيادته وشعبه أن يدركوا بأنّ أية حكومة لا يتوافق عليها جميع اللبنانيين بكافّة أطيافهم السياسية والحزبيّة ولا يكون على قائمة أولوياتها الإصلاح ومحاكمة الفاسدين لن يُكتب لها النجاح. وأنّ أيّة حكومة سترضخ للضغوطات الخارجية وتلتزم معركة إنهاء المقاومة ستكون حكومة حرب على لبنان كلّ لبنان وليس على المقاومة التي صنعت ولا تزال تصنع مجد الوطن والأمة. أما بدون المقاومة فلا وطن ولا أمّة ولا كرامة.