قالت له
قالت له: أتحبّني؟
قال لها: قبل قليل سألتني السؤال ذاته وأجبتك بنعم قوية، فلماذا تعيدين السؤال؟
قالت: قبل انفجار المرفأ كنت أشعر أنني أملك اشياء كثيرة أهمها الأمل والطموح بالغد وفرح العيش والشعور بالأمان وجمال الرفقة ونجاح العمل ومتعة البقاء في البيت، أما وقد فقدتها جميعها ومعها عدد من الأحبة والأصدقاء فلم يتبقّ لي شيء سوى أنت. وبعدما كنت أسعى لتفقد كل ما أحب وأملك والتحقق من عدم فقده صرتُ لا أملك إلا هذا الحبّ وأريد كل دقيقة التحقق من بقائه كي أبقى على قيد الحياة.
قال لها: إن أكبر امتحانات الحياة لنا وأهليتنا في عيشها هو أن ننجح في تخطي المحن التي تضعنا بعد مراكمة الكثير من النجاحات عند الحاجة للبدء من الصفر. فالحياة تشبه لعبة قمار مفتوحة على مخاطرات لا نملك التحكم بها، وما راكمناه من أرباح معرّض في أي لحظة للضياع وليس أمامنا خيار الخروج من اللعبة، وأنت لم تخسري كل شيء فلديك ما هو الأهم وهي نعمٌ لا نتذكرها إلا عندما تتعرّض للفقد وأنت لم تفقديها، وهي الصحة والعلم والحب، فأنت لا تزالين بصحة وافرة وقد نجوت من مخاطر ما جرى، وعلمك الذي كان زاداً للإنجاز لا يزال صالحاً للمزيد من الإنجاز، والحب الذي يجمعنا كما الحب الذي يحيط بك من الأهل والأصدقاء رصيد يكفي لفعل الكثير؛ فلا تعيشي الضعف، بل استجمعي ما عندك للاستقواء على اللحظة الصعبة.
قالت: الشعور بالضعف وعبثيّة الأقدار ليس إرادياً، وها نحن كلنا وليس أنا فقط، فجأة نفقد القدرة على الثقة بأننا نبني لنقترب من لحظة الأمان المنشودة بالتحكم بما هو مقبل، بل نحن نزداد خوفاً من فقد كل ما كان بأيدينا لمواجهة المقبل، ودائعنا مجمّدة، وأعمالنا توقفت، وصحتنا مهددة في زمن كورونا، ولا شعور بالأمان، فكيف لا نضعف، وكيف نتماسك ونستقوي؟
قال لها: بتقدير قيمة ما تبقى، صحة وعلماً وحباً، يمدّنا بمصادر قوة لا تنضب، وبالسؤال الأهم، هل لدينا خيار آخر، فالعالم كله وبأشكال مختلفة يعيش أزمات ومخاطر ويسبب مخاوف، لا تقل عما لدينا، فالهجرة التي يراها الكثيرون في ظروف مختلفة مخرجاً آمناً لم تعد كذلك، وكورونا جائحة عالمية قاتلة، والركود الاقتصادي والمخاطر البيئية والحرائق والطوفان والأعاصير، تتوزع بلاد العالم، فتعالي أضمّك وعانقيني، يمسك أحدنا بيد الآخر ويشد عضده ويزيد منسوب الأمل عنده، لأننا نملك هذا الحب وتلك الصحة وذلك العلم.
قالت: أتعرف لماذا أحبك، لأنك مصدر القوة التي أحتاجها في لحظات الضعف والضيق. فالحب هو مصدر الأمل الذي يضيء لنا غداً أفضل، ولهذا أحتاج منك جواباً صريحاً على سؤال ملحّ.
قال لها: ما هو السؤال؟
قالت: أتعدني بجواب صريح؟
قال لها: بكل تأكيد.
قالت له: أتحبّني؟
