محاور إقليميّة مرتقبة تواكب مخاض النظام العالمي المرتقب!
} د.وفيق إبراهيم
اتجاهات جديدة لتعميق التفاهمات التركية الإيرانية حول الشرق الأوسط، تلي مباشرة اعلان وزير الخارجية الأميركي بومبيو منذ أيام عدة ان بلاده نجحت بتشكيل حلف إسرائيلي اماراتي خليجي مع دول عربية أخرى لحماية الولايات المتحدة الأميركية والشرق الاوسط من خطر إيران.
هناك نقطة ثالثة لا بد من لفت الانتباه اليها وهي ان الوفد الروسي الذي عقد عشرات الاتفاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية منذ يومين في سورية، أشاد باتفاق آستانا بين بلاده مع الأتراك والإيرانيين مؤكداً ان المفاوضات الروسية – التركية كفيلة بفكفكة كل الإضافات العثمانية على دور أنقرة في سورية.
هناك اذاً مشروعان شرق اوسطيان لقوتين دوليتين متصارعتين في ميادينه، تبدو وكأنها بديل محلي بوسعه إدارة المنطقة العربية – الإسلامية حسب مصالحهما واهتمامات التحالف المرتقب بين طهران وأنقرة.
بداية، ضغط الأميركيون كثيراً لتحقيق التطبيع الكامل بين الكيان الإسرائيلي ودولة الإمارات لما له من دور في فتح الطريق الإسرائيلي امام دول خليجية وعربية واسلامية، وهذا ما حدث فعلاً من سيل الموافقات السعودية والسودانية والبحرينية والمختلفة، وإعلان كوسوفو وتشاد اعترافهما بالقدس عاصمة للكيان، والأمر متواصل بما يكشف عن انهيارات واسعة لدعم «إسرائيل».
هذا هو الشكل المتوقع للحلف الأميركي في الشرق الأوسط الذي يريد فعلاً مواصلة توسيع طوق الحصار حول إيران، وبناء سدود سياسية واقتصادية تمنع الصين وروسيا من اختراقها وذلك لمصلحة الهيمنة الأميركية.
كما أن لهذا الحلف أهدافاً إضافية تركز على إبادة القضية الفلسطينية لتعميق التعاون العربي وتفتيت سورية أو تهميش دورها والاستمرار في استنزاف العراق او تقسيمه الى ثلاث كانتونات متناقضة.
أما أبعاده غير المنظورة فهي التأسيس لعصر السيطرة الأميركيّة على غاز المنطقة العربية وسواحل ومياه بحري الأبيض المتوسط والخليج مع التحكم بحركة المرور من البحر الأحمر والمحيط الهندي.
لماذا يستعين الأميركيون بهذا الحلف وهم القادرون على إنجازه بقواهم الخاصة عبر أكثر من 180 قاعدة أميركية تنتشر في مشرق الأرض ومغربها؟
يستنزف الشأن العسكري 760 مليار دولار سنوياً من موازنة الولايات المتحدة الأميركية، قد يكون هذا طبيعياً في مرحلة الازدهار الاقتصادي التي لطالما تمتع به الأميركيون منذ ثمانينيات القرن الماضي، اما في هذه المرحلة المتسمة بتراجعات اقتصادية كبيرة سببها انتشار وباء الكورونا وحركة الإغلاق العالمية، فلا بأس اذا استثمر الأميركيون في أهمياتهم الجيوبوليتيكية ومن بينها استغلال الحماية التاريخية الأميركية لدول الخليج بإلزامها بأدوار عسكرية كمقابل لها إنما مغطى بالحماية الأميركية التقليدية. وهذا لا يلغي النهب الأميركي المتصاعد للاقتصادات الخليجية.
بذلك ينجح الأميركيون بالانسحاب التدريجي من الشرق الاوسط وهم واثقون من متانة الحلف المحلي الذي أسسوه.
بالمقابل، يعمل الروس على توسيع دائرة نفوذهم الاقتصادي والعسكري والجيوبوليتيكي انطلاقاً من ادوارهم السورية، حيث يتشاركون في اطار اتفاق آستانة مع إيران وتركيا لتنظيم تفاهمات حول سورية ويتحالفون في أطر سياسية وعسكرية تحالفية مع الدولة السورية.
هؤلاء الروس الساعون الى توسيع نفوذهم يشجّعون على تحالف الشرق الأوسط، لكنهم يصطدمون بنقطتين: الدور التركي في سورية وهو مرفوض من السوريين والإيرانيين معاً، والعداء التركي السعودي التي تؤيّده روسيا ضمناً، لكنها تحاذر الاستثمار به بشكل علني، لان روسيا حريصة على الاستقرار في اسواق النفط العالمية (اوبيك) الذي انضبط بعد اتفاقات روسية – سعودية.
ويرى المسؤولون الروس أن العلاقات الإيرانية – التركية ممكنة شرط تحاشيها لأي صدام مع السعودية، وفي هذا الوقت بالذات.
أما الدور التركي في سورية فمقدور عليه بتفاهمات إيرانية – روسية – تركية تقوم على اساس ان لا إمكانية لاي تلاعب سياسي او اقتصادي او جغرافي او دستوري بحقوق الدولة السورية.
هذه هي المقومات التي يجب فكفكتها قبل التقاربات التركية – الإيرانية التي قد تنضم اليها في مراحل لاحقة سورية نفسها بعد تخلصها من الأميركي والدور التركي في سورية في آن معاً.
هذا ليس مستحيلاً لان هناك انهياراً كاملاً لاي نظام عربي بسقوط جامعته العربية ومجلس تعاونه الخليجي الذي هاجم أمس الأول بشدة الفلسطينيين الذين تجرأوا على انتقاد التطبيع الإماراتي مع «إسرائيل».
هذا الوضع يستدعي التساؤل عن الأسباب التي تفرض على الأتراك الذهاب نحو إيران والتقارب العميق مع الروس.
تجد تركيا أن حليفتها الاطلسية الأميركية تتراجع وتنظم تحالفاً في دول معادية لها ايديولوجياً وتاريخياً هي السعودية والإمارات.
وهذا واضح بالعداء بين الاخوان المسلمين الموالين لتركيا والوهابية والإسلام المتطرف المنصاع للسعودية.
هناك اذاً صراع بين هذين الطرفين على زعامة العالم الإسلامي بما فيه الشرق الاوسط بما ينسف إمكانات أي تقارب فعلي محتمل ويضع الأتراك في موضع الدفاع عن سياساتهم داخل بلدهم نفسه، فلا يجدون إلا إيران حليفاً وجاراً تاريخياً لهم لا ينافسهم على أي زعامة ذات جذور دينية كحال السعودي لأن إيران شيعية وآفاقها محدودة في عملية جذب دول سنية عربية او إسلامية.
يتبين ان تركيب تحالفات شرق اوسطية هي محور الصراع الروسي الأميركي. واذا كان الأميركيون يسارعون لتنظيم حلفهم العربي – الإسرائيلي فإن الروس يعملون بصمت على تقارب إيراني روسي يضمّ كلاً من سورية والعراق بعد استعادتهما للقسم الأكبر من سيادتيهما، وهذا لم يعُد بعيداً لأن مصر قابعة في تخلّف السيسي والخليج مستقر في حجرية تاريخية بينما تواصل الفوضى السياسية والاقتصادية ضعضعة دول شمال أفريقيا والسودان.
وهكذا فإن الآمال مجدداً على سورية لتنهض وتعيد توجيه المنطقة العربية نحو عصر الأنوار بسلسلة تحالفات وازنة.