انهيار دولة وانحطاط مسؤوليها
د. عدنان منصور _
ليس هناك ما يثبت ويدلّ إلى انهيار دولة، وانحطاط مسؤوليها، أكثر من المشهد الذي رأيناه يوم الرابع من آب، ويوم العاشر من أيلول2020 في مرفأ بيروت، وطريقة التعاطي مع حدثين ألحقا بعاصمة لبنان الدمار والخراب والتهجير، والموت والجوع والإفلاس.
لم يشهد بلد في العالم كله، واجه كارثة رهيبة، كالتي شهدها وواجهها لبنان، تقاعساً، وإهمالاً لمسؤولين، عديمي المسؤولية والكرامة والإحساس والضمير والإنسانية، كالذي شاهده المواطن اللبناني من مسؤوليه. تصريحات ما هبّ ودبّ، لا تتوقف، وتحقيقات تجري يميناً وشمالاً، خبير من هنا وخبير من هناك، استدعاء وراء استدعاء،
اجتماع وراء اجتماع، تكهّنات من هنا وتخمينات من هناك، مواساة ووعود، كلام مخدّر ومعسول، كبيرهم ينتفض ويغضب، وصغيرهم يتألّم لما حصل، ليزايد على المواطن الشريف الذي فقد أباً او أماً أو أخاً أو قريباً أو صديقاً، ويطالب بملاحقة المسؤولين عما جرى ومحاكمتهم، وإنزال أشدّ العقوبات بحقهم!
بعد أربعين يوماً من الدمار الهائل لم تتوصّل السلطات السياسية والقضائية والأمنية والإدارية الى وضع يدها على المقصّرين، والمهملين، والمتواطئين، والفاسدين، والمرتشين، والمجرمين، والمتسبّبين، والضالعين بصفقة نيترات الأمونيوم من قريب أو بعيد والمستفيدين منها، والمخزّنين لها، والسارقين كمية منها، وكشف أفراد العصابة المافيوية التي تهيمن على كلّ صغيرة وكبيرة في قطاع المرفأ ودهاليزه.
شعب معذب يدفع الثمن الباهظ على يد زمرة باغية، فاجرة، قاتلة، جسّدت أبشع أنواع الفساد، تحميه وتحمي كلّ من انضوى تحت لوائها، أكان صغيراً أم كبيراً. تحصّنه، تدافع عنه، تغطيه، تحميه، مهما كانت جريمته، حتى لو قتل شعباً بأكمله. فحمايته من حمايتها وهو واجب يقع على عاتقها، والحفاظ عليه، حفاظ على وجودها ومكاسبها وصفقاتها وسمسراتها، واقتسام الغنائم معه. المواطن اللبناني يريد الحقيقة كاملة دون تشويه أو تشويش، دون مواربة أو مراوغة، ودون وعود لا طائل منها.
المجرم يجب ان يوقف ويحاكم، أياً كان قربه وموالاته وتأييده من هذا الزعيم او ذاك، وأياً كان انتماؤه السياسي والحزبي. فلا يجوز مطلقاً للعدالة أن تأخذ بمعادلة 6 و6 مكرّر لإيجاد التوازن الطائفي لجهة التوقيفات والمحاكمات والإدانات. المقصّر والمهمل والفاسد والمرتشي، والضالع في الصفقات، والمستغلّ لوظيفته والمستفيد منها، لا بدّ من توقيفه ومحاكمته.
المواطن الشريف الحر يطالب بكشف الثروات المنقولة وغير المنقولة، والحسابات المصرفية لكلّ الفاسدين الذين تسبّبوا بدمار المرفأ والتداعيات التي أودت بحياة الأبرياء، ودمّرت الممتلكات، ومصادرتها وفقاً للقوانين المرعية الإجراء.
كفى وعوداً من المسؤولين، وكفى إهمالاً وتقاعساً وتضييع الوقت والمراوغة، والرهان على عامل الوقت، وعلى ذاكرة المواطن، حتى ينسى ما حصل في شهري آب وأيلول، ليعود الفاسدون مرة أخرى الى سيرتهم الأولى.
انها اليوم مسؤولية الشعب، ليقف بالمرصاد، وبكلّ قوة ووحدة في وجه تجار الشعب، وتجار الموت. فإما ان يبقى الشعب وينتصر على الطغمة الفاسدة ويقتلعها من جذورها، وإما ان يستسلم لواقعه الحالي المميت.
لا، وألف لا!
لا بدّ للشعب ان ينتصر، وسينتصر مهما كان الثمن!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق