الأمين عبد الكريم الشيخ حضور مميّز… ونضال حتى اللحظة الأخيرة
من الأمناء الذين كان لهم نضالهم الحزبي الصامت فما لمعت أسماؤهم لدى الرأي العام الحزبي، بينما أفعالهم سجّلت في تاريخ الحزب صفحات مضيئة، نذكر بتقدير كبير الأمين الدكتور عبد الكريم الشيخ الذي عرفته مسؤولياته العديد في الوطن، وفي كولومبيا التي غادر إليها، قدوة في التعاطي، ومسؤولاً جسّد قيم النهضة وفضائل الالتزام المؤمن والمدرك لعظمة الأهداف التي أرادها سعاده من وراء تأسيسه للحزب السوري القومي الاجتماعي .
* * *
ولد الأمين عبد الكريم عزيز الشيخ في بلدة مرمريتا عام 1918، بعد أن أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة البلدة، انتقل إلى معهد اللاييك (العلمانية الفرنسية) في مدينة طرطوس ليتابع دراسة المرحلتين: التكميلي والثانوي. بواسطة الأمين الياس جرجي قنيزح الذي كان أحد مدرّسيه، تعرّف إلى الحزب مع عدد كبير من زملائه الطلبة، وانتموا .
في الجزء الثاني من مجلده «من الجعبة» يورد الأمين جبران جريج اسم الأمين عبد الكريم بين أسماء عدد من الرفقاء في طرطوس دون أن يشير إلى تاريخ الانتماء. إنما يتوضح أنه حصل في الفترة 15/11/1936 – 16/11/1935، وهي الفترة التي يغطيها الجزء الثاني من المجلّد المشار إليه.
في بيروت تابع الأمين عبد الكريم دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية، ثم في الجامعة اليسوعية التي تخرّج منها طبيباً نسائياً. بعدها غادر إلى الولايات المتحدة للتخصص في مجال التوليد والأمراض النسائية.
بعد عودته، تولّى الإشراف على المستوصفات الحكومية في مدينة حمص، وهذا ما جعله عام 1945 – عندما اندلعت الانتفاضات الشعبية في مواجهة سلطات الانتداب الفرنسي وعمّت مدن الكيان الشامي – ينتقل إلى الجامع الكبير في حمص مع كمية كبيرة من الإسعافات الأولية والأدوية، أمكنه جمعها من المستوصفات، وفي المسجد، وعبره، (هو من المذهب المسيحي) راح يؤمّن الإسعافات والطبابة للمواطنين. هذا الموقف جعل أبناء حمص يلتفّون حوله ويهتفون لحياته، بعد أن أحاط الجنود الفرنسيون بالمسجد، إذ كانت الأصوات في الخارج تنطلق مع الحناجر: لا إله إلا الله ودكتور عبد الكريم الشيخ حبيب الله.
لاحقاً أسس الأمين عبد الكريم في بلدة «عين العجوز» (منطقة وادي النضارة) مستشفى طب عام وجراحة بمساهمة أصدقاء مغتربين تقديراً منهم لحاجة القرى المحيطة، كما للحضور المميّز الذي أوجده الأمين الشيخ في المنطقة، ليس فقط عبر موقفه الرائع في مدينة حمص، إنما أيضاً عبر خدماته وتعاطيه الأخلاقي مع المواطنين .
ولاحقاً عندما التحق بالجيش الشامي لأداء الخدمة الإلزامية، كطبيب نسائي، مارس عمله القومي توعية للنهضة لعدد كبير من زملائه الضباط، إلى جانب عمله كطبيب ناجح. هذا الحضور المميّز له في أوساط الجيش لم ينقطع بعد انتهائه من أداء الخدمة الإلزامية بل استمر عبر الصداقات العديدة التي أوجدها، والاحترام الكبير الذي بناه مع الضباط على مختلف المستويات.
كل هذا دفع قيادة الحزب إلى ترشيحه للانتخابات النيابية عن منطقة «تل كلخ».
فاز الأمين عبد الكريم بفارق كبير في الأصوات، إنما خسر بالقرار، لذا نجح غيره فيما فاز هو بقلوب المواطنين الذين أيّدوه وعملوا في سبيل نجاحه (أذيعت أسماء الفائرين قبل الانتهاء من عملية الفرز !!).
عام 1955 واثر مؤامرة اغتيال العقيد عدنان المالكي، تمكن الأمين عبد الكريم الشيخ من اجتياز حدود «سايكس – بيكو» إلى لبنان، إلا أنه بعد فترة قصيرة غادر إلى كولومبيا حيث يتمتع شقيقاه إليان وأنطونيوس بمكانة اقتصادية – اجتماعية كبيرة في مدينة برنكيا.
وإلى كولومبيا غادرت السيدة ثريا صليبا، التي كان تعرّف إليها الأمين عبد الكريم في لبنان، وتمّ عقد قرانهما في المهجر.
في مدينة برنكيا، افتتح عيادة للطب النسائي، إلا أنه ما لبث أن انتقل إلى جزيرة «سان أندرس» حيث كان غادر إليها الرفيق سعيد تقي الدين الذي كانت تربطه صداقة وطيدة جداً بالأمين عبد الكريم، لذا وجد اهتماماً مميّزاً من شقيقيه، ومساعدة مكّنته من تأسيس عمل.
بعد الثورة القومية الاجتماعية الثانية، عاد الأمين عبد الكريم إلى الوطن فساهم مع آخرين في تشييد بناية في منطقة السادات – القلعة. إلا أن وضعه الصحي حال دون ممارسته مهنته، أو الانخراط الكامل في العمل الحزبي. وفي عام 1986 وافته المنية في مستشفى الجامعة الأميركية حيث كان نقل إليه أثر إصابته بنوبة قلبية.
* * *
إشارات
منح رتبة الأمانة عام 1954 .
توّلى في كولومبيا مسؤوليات محلية، منها مدير مديرية برنكيا، وفي الوطن مسؤولية منفذ عام حمص .
في أوائل الخمسينات تولى رئاسة اللجنة العليا للمدارس القومية، التي ضمّت عدداً من الأمناء والرفقاء، وتولى الأمين رامز اليازجي ناموسيتها. ومن مهام اللجنة المساهمة في دعم المدارس التي أسّسها الحزب في الكيان الشامي، وكانت برعاية عميد الداخلية آنذاك الأمين الياس جرجي.
تولى في الخمسينات أيضاً مسؤولية الجهاز العسكري في الحزب وكان معنياً بمتابعة العدد الوفير من القوميين الاجتماعيين في عداد الجيش الشامي.
هو عديل الأمين رامز اليازجي. وقريب للرفيق المرحوم رجا اليازجي إذ أن شقيقه أنطونيوس متأهل من السيدة فكتوريا شقيقة الرفيق رجا.
أولاده :
نبيل : مقيم في الولايات المتحدة. حائز على شهادة دكتوراه في الاقتصاد. خريج جامعة كورنل.
ناديا: أستاذة في الجامعة الأميركية، بيروت. متأهلة من الدكتور جورج فؤاد حداد. خريجة جامعة هارفرد .
في كتابه «أنا والتنين» (صفحة 11) يتكلم الرفيق سعيد تقي الدين عن الأمين عبد الكريم الشيخ دون أن يسمّيه، فيقول: « يا صباح الخيرات والليرات والمجيديات». هذا ما أسمعه كل صباح من مضيفي. هو الذي أسلفني أجرة تذكرة السفر حتى تمكنت من المجيء من المكسيك إلى كولومبيا. أخوه يسلفني مصاريفي اليومية وهو الذي سيموّل المشروع الصناعي أو التجاري الذي أدرسه .
« إني أشرب من حنفية مفتاحها بين أصابعه، مع هذا يعاملني كأني الآغا خان تنازل وضافه. لا إسراف في الأكل والشرب. لا بزخ ولا بهورا. ولكنه يطعمني أفضل مما يأكل هو، ويقوم بتلك الخدمات واللياقات الصغيرة التي تحبب الناس إلى قلبك، هو أعقل مخلوق عرفته في ما يتعلق بأمور المال. «حبة البن» يجب أن لا تضيع، ولكنني رأيته يدفع مئتي ريال أجرة تلغراف حزبي إلى بيروت .
كيف غاب عن فكري ان أدخله وزير مال في الحكومة السورية في محاولة 1956 ؟
جاء في النشرة الرسمية عدد آذار 1958 التالي :
بتاريخ أول آذار احتفلت مديرية الشهيد عبد المنعم دبوسي (برنكيا) بذكرى مولد الزعيم. حضر الاجتماع جميع السوريين القوميين الاجتماعيين في برنكيا كما حضر من كرتجنا الأمين جورج بلدي والرفيق عقل غانم، ومن بوغوتا الرفيق ميشال دورة (الأمين لاحقاً)، تكلم في الاجتماع عدد من الرفقاء وألقيت كلمة المركز كما أنشدت بعض زجليات وألقى الأمين عبد الكريم الشيخ كلمة حول الأحداث السياسية في الشرق الأوسط، وموقف الحزب من تلك الأحداث.
في عدد أيار 1959 من النشرة الرسمية وفي معرض تغطية جولة الوفد المركزي إلى المغتربات، ومنها كولومبيا ، ورد التالي :
قام ناموس الوفد الأمين إنعام رعد بزيارة كولومبيا بين 4-8 آذار وعقد اجتماعاً حاشداً في دار الأمين عبد الكريم الشيخ مدير مديرية الشهيد عبد المنعم دبوسي المستقلة في برنكيا وقد لبى الدعوة إلى هذا الاجتماع حوالي مئة مواطن ودام ثلاث ساعات .
من كتاب الرفيق أنور فهد «أيام في الذاكرة» .
افتتح الرفيق الدكتور عبد الكريم الشيخ عيادة طبية في شارع «الحميدية» في حمص كما أنه عيّن منفذاً عاماً لمنفذية حمص وكان يستقبل المرضى ويعفي كل محتاج من الأجور كما ويعطيه العلاج من عنده في حال توفر ذلك لديه، وقد حصل على ثقة المواطنين ومحبتهم له، وعرف باسم «أبو الفقراء» .
اقترحت عليه أن يخصص يوماً في الأسبوع لتفقد أوضاع تلامذة المدرسة التي أعمل بها وكان يحضر قبل ظهر كل يوم خميس لتفقد حالة التلاميذ الصحية . وقد نال إعجاب وتقدير مدير المدرسة .
يروي الرفيق جان داية عن الأمين عبد الكريم قوله عن الرفيق سعيد تقي الدين ، ما يلي :
يذهلني في هذا الرجل ثقته الكبيرة بنفسه. أقوم صباحاً فأجده وقد استفاق باكراً يرتشف القهوة والسجائر، ويحرر رسائل إلى كبار التجار في نيويورك وغيرها. يضحك وهو المفلّس .
إنما لم تمض فترة إلا وتسلّم الرفيق سعيد أجوبة من كبريات المؤسسات التي كان كتب إليها وهي من المؤسسات التجارية الكبرى في الولايات المتحدة، وكلها كانت تبدي استعدادها للتعاون معه، هذا إن دلّ على شيء فعلى الاسم التجاري الكبير الذي كان أسس له في الفيليبين .
ويؤكد الأمين عبد الكريم – كل هذا نقلاً عن الرفيق جان داية – أنه لو تسنّى للرفيق سعيد أن يعيش سنة واحدة أخرى لكان ردّ كل ديونه، وفي السنة الثانية – لو عاش – لكان اصبح مرة ثانية ثرياً كبيراً .
* * *
يا شباب سورية العربية
أرسل لنا الرفيق أنور فهد من سدني– استراليا، بياناً كان وجهه الأمين عبد الكريم الشيخ في 18 تشرين أول 1945 عندما كان يتولى مسؤولية منفذ عام حمص، إلى «شباب سورية العربية»، موضوعه الخطر الصهيوني على فلسطين .
ننقل بعض ما جاء فيه لنبيّن عن خطاب الحزب قبل ثلاث سنوات من النكبة التي بدأت بفلسطين عام 1948، وما زالت مستمرة :
« بالأمس على مذبح الصداقات الدولية ذهب لواء اسكندرون ضحية، واليوم يريدنا ترومان، لنكون إنسانيين، أن نقدم فلسطين وطناً قومياً لليهود المجرمين المشردين في أنحاء العالم « .
« ليسمح لنا المسؤولون في بلادنا أن نستفهم عما أعدوه للطوارئ فلا يؤخذون على غره كما كان الحال يوم سلب اللواء ويوم هاجمنا المستعمرون. لقد أصبح لدى حكومتنا من الخبرة ما يكفيها لإيجاد حل سريع ناجع كي تنقذ سورية الجنوبية من براثن الصهيونية الضارية، فنحن نلقي عليها مسؤولية إنقاذ فلسطين لأن القضية تهمنا بنوع خاص، فلنضح في سبيلها بالمال والشباب وإننا ننتظر من جامعة الدول العربية أن تجد الطرق الفعّالة لإيقاف الهجرة اليهودية، لأن أمر منع الهجرة إلى فلسطين لا يمكن إدراكه عن طريق الاستجداء ومراجعة الدول الكبرى. فكل تصريح نسب لبعض الرسميين الأجانب، من أي دولة كانوا ولصالح فلسطين أو لصالحها، هو مناف حقوقياً لكرامتنا الوطنية ولإرادة أمتنا التي لها وحدها حق تقرير مصيرها » .
يا شباب سورية العربية:
قد آن لكل واع أن يفهم أن كل دعوة إلى عالم حر تفشل في مهدها إذا لم تراع فيها حقوق الأمم الصغيرة في تقرير مصيرها النهائي لذلك يشترط على الأمم التي تنشد الحياة في هذا الكون أن تدفع ثمن بقائها جهود وتضحيات جميع أهلها ودم شبابها ولكن تجاهل الحكومات العربية هذه الحقيقة في الوقت الحاضر شجع الصهيونيين وأنصارهم لتحدي إرادتنا اعتقاداً منهم بأننا نكتفي بالحملات الخطابية والاحتجاجات الكلامية ثم نسكت بعد حين ونرضخ للأمر الواقع. والسوريون القوميون الذين سئموا الأساليب الكلامية في مكافحة أعدائهم يناشدونكم إقران القول بالعمل ويمدون يد المساعدة إلى كل من يؤمن بعروبة فلسطين ويتألم من وضعها الحاضر الشاذ المحزن، إن النشاط الصهيوني والجو السياسي العالمي ينذر بفاجعة محزنة يجعلنا ندرك أن أمراً محتوماً ينتظرنا. فعلينا إذا كنا أهلاً للحياة أن نقاوم بشدة وعناد محاولات المستعمرين ونرد الضربة بضربة أقسى منها مهما كانت النتائج، ذلك لأننا لن نتنازل عن فضائل الرجولة أمام القوى المتفوقة بل نحميها إلى آخر رمق في الحياة»